«قلنا مراراً نحن ضد الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، والله يأمر بالعدل»... «إننا حين نطالب السلطة بأن تمارس خطاب المحبة والتسامح، لا ندعو إلى التفريط في أمن الوطن والمواطن»... «إن النبي الأكرم محمد (ص) هو أعظم رحمة أرسلها الباري... إن النبي لم ينسَ أمته من الرحمة... إن الرحمة صفة إلهية». وردت هذه المقاطع في خطب شيوخ المساجد عبداللطيف المحمود، وعبدالله الغريفي، وعدنان القطان، متضمنة دعوة صادقة أن تكون السلطة متسامحة، دون أن يكون ذلك على حساب نزاهة القضاء، وحقه في إنزال العقوبة بمن يستحقها.
تعرض مشايخنا الأفاضل في خطب الجمعة إلى الأوضاع الراهنة، وتداعيات الأزمة الأخيرة التي مرت بها البلاد عليها، منوهين فيما يشبه الإجماع، إلى ضرورة المزج المبدع بين الرحمة الصارمة، وتطبيق القانون، دون المساس بحق القضاء أو المس بنزاهته. وفي مثل تلك الرؤية الصحيحة يكمن الحل الصائب الذي يفتح أبواب الرحمة التي ينبغي أن تعالج بها الدولة قضايا المعتقلين والموقوفين بسبب نشاطاتهم في الأزمة الأخيرة.
المطلوب هنا، كما ورد في تلك الخطب رؤية القضايا المعروضة أمام محاكم البحرين من زاويتين متكاملتين، الأولى من منطلقات قضائية تشريعية محضه، فينال من أساء للدولة، وخالف أنظمتها ما يستحقه من عقاب، والأخرى سياسية تقوم على مدى القدرة على تحاشي إلحاق الأذى بالأبرياء عندما ينزل بهم عقاب لا يستحقونه، عندما يتم الانصياع لضغوطات نابعة من منطلقات منفعلة تقود في نهاية المطاف إلى تأجيج المشاعر، وتصعيد الاحتقانات. لا يستطيع أحد أن ينكر الخيارات الصعبة التي تواجهها قيادتنا الرشيدة التي تحاول، كما يبدو من تصريحات المسئولين في الدولة، أو الإجراءات المرافقة لتلك التصريحات، أن تصل إلى الحل الصحيح الذي يحترم القانون، دون أن يبطش بالشعب.
لاشك أن المعادلة معقدة، والقدرة على تحقيق التوازن المطلوب مسألة في غاية الصعوبة، وخاصة في ظل الظروف القائمة، حيث يستعر أوار التخندق الطائفي، وتتنامى معه حدة التمترس وراء مخلفات الأزمة الأخيرة.
ما يريده المواطن الباحث عن الأمن والأمان، هو وقفة شجاعة، يمارسها الجميع دون أي استثناء، تعض على الجراح، وتحاول أن تتحكم في العواطف الفردية، إكراماً لمصلحة الوطن العليا، منطلقة في كل ذلك من نظرة مستقبلية تسعى لوقف النزيف، ووضع حدٍّ لكل ما من شأنه صب زيت التصعيد على نيران الأزمة القائمة.
إن إجماع مشايخنا على الاستعانة بالرحمة، والتمسك بالتسامح، يزرع بذرة الأمل أن تستجيب قيادتنا الرشيدة لمثل هذه الدعوات الصادقة، فتأتي الأحكام على المتهمين،غير مفرطة في حقوق القضاء، وبالقدر ذاته، منصتة لشفاعات الموقوفين
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3185 - الجمعة 27 مايو 2011م الموافق 24 جمادى الآخرة 1432هـ