لدي الرغبة الدائمة التي تلاحقني للكتابة في الشأن المحلي، وبالذات في القضايا الوطنية ذات الأبعاد السياسية؛ باعتبار الكتابة هي إحدى أهم الوسائل للحوار بين مختلف مكونات الوطن، بين مكونات المجتمع التي هي خارج إطار السلطة الرسمية مع بعضها بعضاً من جهة، وبين القوى المجتمعية والسلطة من جهة أخرى.
إن ما يقلقني عند الكتابة هو النزاع الداخلي الذي يعترضني في التعبير عما يختلج في نفسي من أفكار ورؤية؛ سبب ذلك هو الشعور بعدم وجود السقف المعقول من الحرية، فالخوف الذي يعتريني هو خوف مركَّب، فالسلطة هي أحد العناصر التي تخيفني، وخاصة في ظروف السلامة الوطنية وأحكامها ومستلزماتها، ذلك يشكل قيداً على النَّفس، فما أراه حقّاً لي وواجباً علي قد تراه السلطة يهدد السلامة الوطنية، والعنصر الآخر الذي يخيفني هو بعض الناس، وأقصد بهم ممن يشتغلون في السياسة ولا يقبلون الاختلاف معهم، هم كذلك سهامهم حادة ومؤلمة.
كما قلت، فإن الكتابة هي إحدى أهم وسائل الحوار، لكن يشترط لأن تكون الكتابة وسيلة ناجحة للحوار أن تكون في إطار من الاحترام المتبادل والبعيدة عن الإسفاف والسب والتجريح، بعيدة عن احتقار الآخر ومحاولة إقصائه.
ليسمح لي الأخ عبيدلي أن يكون مقالي هذا محاولة مني للحوار معه ومع المواطنين ومع السلطة عن قراءتي للمقالين اللذين نشرهما يومي الجمعة والسبت، وهو الذي اعتاد كتابة ما يستحق المناقشة وتداول الرأي، وخاصة إذا ما تعلقت كتابته بالشأن الوطني. المقال الأول كان بعنوان: «البحرين في خطاب أوباما» والثاني كان بعنوان «سلبيات مقاطعة الانتخابات التكميلية». حواري سيكون عبارة عن رأي أراه قد يتفق أو يختلف مع ما يراه الكاتب، أو على شكل أسئلة قد تفتح المجال للتوضيح والرأي.
يقول الكاتب في مقاله: «البحرين في خطاب أوباما»: «اللافت في ذلك الخطاب، بالنسبة إلينا، هو المحطة البحرينية التي طالب فيها الحكومة البحرينية بخلق الظروف الملائمة للحوار، وشدد فيها على ضرورة مشاركة المعارضة فيه لبناء مستقبل عادل لكل البحرينيين».
في مقالته هذه يطالب الكاتب الدولة بتهيئة الظروف المناسبة للحوار، إلا أنه لم يقل ما هي المتوجبات اللازمة على الدولة لكي تقوم بتهيئة الظروف المناسبة للحوار، بينما قفز بشكل مفاجئ ليطالب المعارضة بما فيها جمعية الوفاق بالمشاركة في الانتخابات التكميلية التي ستجرى في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
أعتقد أن المشاركة في الانتخابات التكميلية التي ستجري في شهر سبتمبر المقبل، ما دام المجلس النيابي هو أحد قنوات الحوار، ومادامت الدولة مطالبة بتهيئة الظروف المناسبة للحوار، فإن من نافلة القول هو قيام السلطة بداية بتهيئة الظروف المناسبة أمام المعارضة لأن تتهيأ للمشاركة في الانتخابات التكميلية، بل يجب تهيئة الظروف المناسبة أمام المواطن ليشارك بفعالية وبقناعة في هذه الانتخابات. إنه من التبسيط مطالبة المعارضة بالمشاركة من دون المطالبة بمعالجة كل التداعيات التي نشأت منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط وما بعده.
إن موضوع وقف التداعيات تلك لا يمكن أن يتم من دون ما وصفه الكاتب باللافت في ذلك الخطاب «خطاب أوباما»، وكان اللافت ذلك هو «مطالبة الحكومة البحرينية بخلق الظروف الملائمة للحوار».
باعتقادي أن الحكم والمعارضة معاً مسئولان عن تهيئة الظروف المناسبة لبدء الحوار ووضع النقاط على الحروف. إنه على رغم مرارة وصعوبة ما حصل منذ الرابع عشر من فبراير وحتى الآن، ومن دون مكابرة فإن الجميع، الحكم والمعارضة، مسئولان سوية عما حصل ويحصل، وبالتالي فهما مسئولان عن تهيئة الظروف للحوار الصادق الأمين، وعليهما مسئولية تحديد الأخطاء والاتفاق على سبل المعالجة. بعد ذلك يمكن الحديث عن الانتخابات التكميلية والمشاركة وعدم المشاركة في ظل ظروف صحية. ليس من الصحيح إجراء انتخابات تكميلية وملء الفراغ بأي شكل من الأشكال، ذلك لا يشكل حلاًّ، بل هو استمرار لإدارة الأزمة وليس حلاًّ للأزمة.
إن المقاطعة بلا شك تعني مقاطعة ناخبين مثلَّهم 18 عضواً من 40 عضواً، وهو رقم يمثل ما نسبته 45 في المئة من أعضاء المجلس، وهذه نسبة لا يمكن أن يستهان بها، هذا ناهيك عن حجم الكتلة الانتخابية التي يمثلها الأعضاء الممثلون لها، فهل سيكون التمثيل في المجلس النيابي ممثلاً لإرادة تلك الكتلة الانتخابية في حال المقاطعة؟ بالتأكيد إنه أمر مشكوك فيه.
يختتم الكاتب مقاله الثاني الذي يدعو فيه وكما دعا في مقاله الأول إلى المشاركة في الانتخابات التكميلية بالقول: «الفرص التاريخية لا تكرر نفسها، ومعالجة الأخطاء في مراحل مبكرة من حياتها، أسهل وأفضل بكثير من الإصرار على نكرانها، ومحاولة الاستفادة من كل الفتحات التي يسمح بها النظام السياسي في البحرين اليوم، أكثر جدوى من رفض التعاطي معها». ليسمح لي الكاتب أن أسأله هل المطلوب فتحات يسمح بها النظام السياسي اليوم ويغلقها غداً؟، هل مثل هذه الفتحات التي تأتي بإرادة منفردة تخلق حياة سياسية مستقرة؟ باعتقادي أن الموضوع ليس فتحات يسمح بها النظام السياسي اليوم، بل هو في جوهره حقوق وواجبات متبادلة بين مكونات المجتمع برمته بين الناس بعضهم مع بعض وبين الناس والحكم في ظل حالة مقبولة من الرضى.
بالتأكيد أن المشاركة هي تعبير عن الوجود والتأثير، لا يمكن لمعارضة رشيدة ألا تشارك ما دامت أرضية المشاركة قائمة، وفي حالتنا فإن أرضية المشاركة هي تجاوز التداعيات التي نشأت وهي لاتزال في طور الاستمرار ولا ندري متى تتوقف وعلى أية أرضية ستتوقف.
نريد ظروفاً صحية للمشاركة في الانتخابات التكميلية.
نريد ظروفاً صحية لقول الرأي من دون فَزَع أو وَجَل
إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"العدد 3181 - الإثنين 23 مايو 2011م الموافق 20 جمادى الآخرة 1432هـ