بسرعة مذهلة قتل زعيم القاعدة التاريخي بعد مطاردة دامت عشر سنوات، وبسرعة أسرع من سابقتها أُقبِر بحراً في سابقة هي الأولى من نوعها، لكن لماذا هذا التخلّص السريع المريع من جثّة زعيم القاعدة؟ ولماذا إقباره بحراً؟.
يكتسب هذا السؤال شرعيته في ظلام الغموض الذي شاب هذه العملية، لكن إذا علمنا أن الرواية الرسمية لإيقاف الرئيس العراقي السابق صدام حسين لاتزال يشوبها الكثير من التشكيك إلى حدّ التكذيب، فإنه لا يسعنا إلا أن ننتظر الصور التي تثبت الرواية الأميركية الرسمية لمقتل ابن لادن أو أن تطفو على السطح الإعلامي الواسع روايات منافسة وربما مضادة قبل أن تطفو على سطح إحدى البحار جثّته هامدة. لأنه إلى اليوم وعلى رغم تأكيد تنظيم القاعدة مقتل زعيمه التاريخي فإن الكثيرين قد فزعوا بآمالهم إلى تكذيب خبر طوى العالم، ذكره طالما لم يروا بأعينهم ما يثبت موته.
في خضمّ هذا الحدث التاريخي من وجهة النظر الغربية؛ ما مدى التغير الممكن على أكثر من صعيد وفي غير ما مكان من العالم له علاقة بهذا الزعيم التاريخي؟.
قد لا نزعم الإجابة عن هذا السؤال الكبير، ولكن قد نضع على بساط التفكير بعض الرؤى التي نلخصها فيما يأتي:
- لا شك أنّ تنظيم القاعدة سيحاول أن «يقتصّ» أو «ينتقم» أو «يأخذ بثأر» زعيمه، غير أنّ ما نلاحظه في العشرية الأخيرة أن وسائله صارت محدودة بدرجة كبيرة إذ لم تنجح القاعدة بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 إلا في مناسبتين في البلدان الغربية (مدريد في مارس/ آذار 2003 ولندن في يونيو/ حزيران 2005) حيث إن العمل الاستخباراتي الغربي استطاع الحدّ من مخططات القاعدة في أوروبا. أما في جنوب الكرة الأرضية وخاصة في البلاد العربية الإسلامية فلاتزل خلايا القاعدة ناشطة ولربما التفجيرات الأخيرة في مراكش دليل على ذلك، فضلاً عمَّا حدث منذ أيام قليلة في باكستان.
أمّا في أفغانستان فلئن كانت محاربة القاعدة وطالبان من أهمّ أسباب الوجود العسكري الأميركي، فإن غياب بن لادن لن يؤثر في الواقع كثيراً حيث يراه بعض المتفائلين ذريعة للسياسة الأميركية كي تقلص من وجودها العسكري أو تنهيه في بلد يكاد يتحوّل إلى مقبرة للجنود الأميركيين بينما يرى العديد من المتشائمين أن مقتله لن يعجل برحيل الأميركان من أفغانستان نظراً إلى البعد الإقليمي والموقع الاستراتيجي لهذا البلد إضافة إلى ما تزخر به أراضيها من خيرات.
- صحيح أنه لا يوجد اتفاق على شخصيّة بن لادن في العالم العربي؛ فلطالما قدّمته وسائل الإعلام على انّه بطل للفئات المهمّشة وغير المحظوظة، «ذلك أنه هجر لذيذ العيش وترك القصور ليعيش بين الجبال وفي ساحات القتال»، كما وصفه بعض الكتاب، لكن على رغم هذه الصورة الثورية البطولية لا يحظى ابن لادن بحضور قويّ في الفكر الجمعي الشعبي العربي حيث لاحظنا غياب صوره في ميادين التحرير العربية فقد حمل الشباب العربي الثائر صور زعماء تاريخيين مثل شي غيفارا وعبد الناصر وعمر المختار وبورقيبة لكن غابت صورة ابن لادن.
وإذا علمنا أنّ من بين أسباب تكوّن السلفية الجهادية هو الدكتاتورية التي ميّزت كثيراً من الأنظمة العربية؛ فإن مناخ الحريات المنتظر سواء في الدول التي نجحت ثوراتها أو في الدول التي تنهج منهجاً إصلاحيّاً يقلص حتماً من حضور النموذج القاعدي الذي يختزله البعض في التكفير والتفجير.
- لكن هل مقتل ابن لادن يمكن أن يقضي على فكره وأتباعه؟ إنّ الناظر بعمق في التاريخ البعيد والقريب يجد أمثلة أخرى على سبيل الذكر لا الحصر «حسن البنا» الذي تم اغتياله العام 1949 توالت أفكاره وازدادت انتشاراً كما أن اغتيال الشيخ ياسين لم يقض على حركة حماس في فلسطين ذلك أن الموت في عقيدة هؤلاء على تلك الشاكلة شهادة تضمن لهم الخلود الدنيوي قبل الأخروي، سواء كان للشهيد منهم ضريح يُزار أو كان مثواه بحراً من البحار قد يكسب موته أسطورة تظل على شفاه الصغار والكبار
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3174 - الإثنين 16 مايو 2011م الموافق 13 جمادى الآخرة 1432هـ