العدد 3172 - السبت 14 مايو 2011م الموافق 11 جمادى الآخرة 1432هـ

لماذا يلجأ المواطن إلى طائفته؟

شوقي العلوي comments [at] alwasatnews.com

.

هذا السؤال وجهه لي أحد الأصدقاء الأعزاء في ضوء قراءته لمقالي الذي نشر بتاريخ 28 أبريل/ نيسان 2011 «حول عقلانية القوى السياسية ونضجها السياسي»، والذي عكس في جزء من محتواه وبشكل غير مباشر لجوء المواطن للاحتماء بالطائفة بدل الاحتماء بالوطن.

السؤال وجيه، أعتقد بأنني أجبت عنه إجابة جزئية في محتوى ذلك المقال، وخاصة أنه لم يكن محوري الرئيسي وقت الكتابة. فهمت قصد الصديق السائل، الذي يتصور - حسبما أعتقد - أن المسئول عن لجوء المواطن للاحتماء بطائفته بدل لجوئه للاحتماء بالوطن هو السلطة والسلطة دون غيرها. إننا في قضايا كثيرة تكون المسئولية فيها تقع على أطراف عديدة من ضمنها السلطة أو أطراف منها، ولكننا دائماً ومن عقلية المعارضة المطلقة للسلطة نلجأ مباشرة إلى تحميلها المسئولية وحدها دون آخرين يمكن أن يشاركوها المسئولية، ودون أن نسأل عما إذا كانت هناك أطراف أخرى تتحمل معها المسئولية، وخاصة إذا كنا جزءا من هذه الأطراف، سواء من خلال مؤسسات مجتمعية أو أحزاب سياسية نحن ننتمي إليها أو نتعاطف معها، حينها نصاب بضعف البصيرة وتكون رؤيتنا وحيدة الجانب، ولا أنفي عن نفسي هذه التهمة، وبالذات في موضوع السؤال، فقد كتبت قبل ذلك إجابة وحيدة الجانب عن هذا السؤال ترضي صديقي العزيز السائل. كتبت محملاً السلطة المسئولية بشأن الانقسام الطائفي ولجوء المواطن للاحتماء بطائفته بدل الاحتماء بالوطن. هنا لا أنفي مسئولية السلطة عن الانقسامات الطائفية وتعزيزها عبر سياسات أعتقد بأنها لا تساهم في تعزيز قيم المواطنة، بل أرى أنها تتحمل الوزر الأكبر في ذلك، أعتقد بأن بعض الأطراف صاحبة المصالح الضيقة سواء في السلطة أو خارج السلطة لا تتورع عن تعزيز هذا الانتماء وإن كان في ذلك حرقاً للوطن ومكوناته.

إن سؤال صديقي يعكس صورة الواقع الراهن الذي يمر به الوطن في العلاقة التي تسود اليوم بين أبنائه. لقد كرست الأحداث التي مرَّ ويمر بها الوطن حالة من الانقسام والانشطارات المجتمعية المبنية على الانتماء للطائفة بدل الانتماء للوطن. إنه من المؤسف جداً ومن المؤلم للنفس أن يُقرأ ذلك في وجوه الناس وفي أحاديثهم. إن أكثر ما يؤلم النفس أن تنبري بعض الأقلام، بل وحتى الإعلام الرسمي من حيث يشعرون أو لا يشعرون بالترويج والتعزيز للانقسامات الطائفة، وقد يكونون معتقدين في دواخل أنفسهم بأنهم يعبرون عن حبهم للوطن. هذا دعك عن وسائل الاتصال والنشر الحديثة التي باتت تعتدي على حرمة وحدة الوطن ووحدة أبنائه، بل تعمل جاهدة على تمزيق الوطن وتمزيق مكوناته.

أرى أن الإجابة على سؤال ما هي الأسباب ومن المسئول، يتمثل في أن الأسباب متنوعة ومتعددة ومتشعبة، تتحمل مسئوليتها أطراف رسمية وغير رسمية متعددة.

فعلى صعيد القوى المجتمعية، نرى أن بعض القوى المجتمعية طرف فاعل في تعزيز الانتماء للطائفة بدل تعزيز الانتماء للوطن بوعي منها أو من دون وعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر وكما قلت في مقالي السابق إن نشوء الجمعيات السياسية (الأحزاب السياسية) ذات البنية الطائفية الصرفة هو أكبر محفز لتعاطي العمل السياسي من منظور العقلية الطائفية بدلاً من العقلية الوطنية، ومهما كانت الشعارات براقة فإن الممارسة الفعلية تدفع بالتكييف الطائفي أكثر من التكييف الوطني، بل حتى في داخل الطائفة الواحدة توجد طوائف عديدة بحسب المرجع الفقهي لكل طائفة.

وعلى الصعيد المجتمعي نفسه، نرى المؤسسات ذات الطابع الخيري وسيلة مجتمعية لمساعدة المحتاجين من أبناء المجتمع، لكننا نرى أنها توجه مساعداتها ومعنوياتها مع سبق الإصرار لأبناء الطائفة، ذلك ما يعزز وينمي انتماء الفرد للطائفة بدلاً من تعزيز انتماء الفرد للوطن.

وكثيرة هي الأمثلة والأوضاع التي تعبر عن مسئولية المواطن ذاته في هدم المواطنة وتعزيز الانتماء للطائفة بدلاً من تعزيز الانتماء للوطن.

أما عن مسئولية السلطة أو بعض أطرافها في تعزيز انتماء الفرد إلى الطائفة بدل تعزيز انتمائه للوطن، وبالتالي حلول الطائفة بدل المواطنة فدلائلها كثيرة حسبما نرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر هو طابع التخصيص لبعض الوزارات لطائفة دون أخرى، فنرى طغيان أعداد لأبناء طائفة دون أخرى في الكثير من الوزارات، وهو أمر نشعر بأنه ليس بمحض الصدفة، فنظرية الاحتمال في علم الإحصاء لا تتفق وهذا التوزيع. بالمثل نرى بعض الوظائف مخصصة لهذا دون ذاك، وهذا بعيد عن مقياس المواطنة وكأن هناك مقاييس أخرى لا نعرفها.

كثيراً ما أتساءل مع نفسي ما هو المقياس في تعيين أعضاء بعض مؤسسات صنع القرار ، فأرى أن أحد المقاييس هو التوزيع الطائفي وكأننا محكومون بأعداد محصورة في طائفة دون غيرها. لماذا؟ الجميع مسئولون

إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"

العدد 3172 - السبت 14 مايو 2011م الموافق 11 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً