في خطاب جريء، جاء في مرحلة حرجة من تطور البحرين السياسي، حاول جلالة الملك أن يعيد، من جديد، تركيب أجزاء الصورة التي مزَّقتها الأحداث الأخيرة، كي يضع الأمور في نصابها. لقد أولى الخطاب أهمية خاصة للمجلس النيابي، ودوره في الدفاع عن مكاسب المشروع الإصلاحي وتطويرها. وحمل الخطاب أيضاً دعوة واضحة، للمعارضة، وإن كانت غير مباشرة، كي تعيد ترتيب صفوفها وتدخل ميدان الانتخابات التكميلية التي ستجرى في فترة قريبة، بعد أن أكد تمسك جلالته بمرتكزات العمل الديمقراطي في الانتخابات التكميلية.
لا شك، أنه من بين جميع أطراف المعارضة، تبرز جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في مقدمة المدعوين للتهيؤ لتلك الانتخابات، بفضل الثقل الجماهيري الذي تتمتع به في المناطق التي ستعاد فيها الانتخابات، ومن ثم فستجد الوفاق نفسها أمام خيارات صعبة من أجل التوصل إلى قرار بشأن المشاركة أو المقاطعة، تتنازعها في ذلك قوتان، الأولى طاردة، تدفعها نحو المقاطعة، استجابة لمزاج الشارع «الوفاقي»، الذي لاتزال جروحه طرية من الأحداث الأخيرة، ومن ثم فمن الصعوبة بمكان، تجاوز ذلك المزاج، خشية أن تفقد الوفاق شعبيتها إن هي قبلت بالمشاركة، والثانية جاذبة، وتحثها على إعداد القوائم، وخوض الانتخابات كي لا تضيع الفرصة وتجد الوفاق نفسها خارج اللعبة السياسية، طالما أنها لا تملك رصيداً نيابيّاً يوفر لها الثقل السياسي الذي تسعى له.
ربما آن الأوان كي تستفيد المعارضة، وفي المقدمة منها جمعية الوفاق، من تجربة «دوار اللؤلؤ»، عندما رفضت الجمعيات السياسية السبع، دعوات سمو ولي العهد الصادقة للحوار من أجل الخروج من عنق الزجاجة. ودخل العمل السياسي في دهاليز معتمة لايزال يحاول الخروج منها، منهكاً وفاقداً لبعض من توازنه. وكانت محصلة ذلك الرفض غير المبرر وصول الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم، وفي القلب منها فرض حالة «السلامة الوطنية»، مع ما تحمله هذه الحالة من تقييد للحريات العامة سياسيّاً، وطرد للاستثمارات الأجنبية اقتصاديّاً.
المعارضة اليوم أمام فرصة تاريخية ثانية، نأمل أن تحسن الاستفادة منها كي توصل وجوهاً جديدة إلى المجلس. وفي هذا الصدد، ربما تدفع الظروف القائمة، والمستجدات على الساحة السياسية، قوى المعارضة، إلى أن تعيد النظر في تحالفاتها السابقة، فتأخذ في الحسبان اللاعبين الجدد الذين انضموا إلى حلبة العمل السياسي، وأصبحوا يتبوأون مواقع متقدمة فيه، ويحظون بثقل سياسي في صفوف المواطنين الذي سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع.
نأمل ألا ترتكب المعارضة، وفي القلب منها الوفاق، خطأً آخر، فتعزف، تحت مبررات كثيرة، عن المشاركة، فتضيع من بين يديها فرصة ثانية يصعب تعويضها. بالقدر ذاته، نكرر ضرورة قراءة الشارع السياسي بمنظار جديد قادر على رؤية القوى السياسية الجديدة التي ولَّدتها أحداث الدوار
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3168 - الثلثاء 10 مايو 2011م الموافق 07 جمادى الآخرة 1432هـ