لقد نشأت قوات درع الجزيرة بمبادرة من دول مجلس التعاون في العام 1982 إبان اشتداد الحرب العراقية الإيرانية، واستهدفت بذلك تعزيز القوة الخليجية العربية المجمعة في نواة لتكوين جيش خليجي، أو إطار أمني خليجي مشترك بين دول مجلس التعاون، لمواجهة الخصوم القائمين أو المحتملين لدول المجلس، وذلك في ضوء ثلاثة مشاهد آنذاك:
الأول: الحاجة لحماية صادرات النفط الخليجي في ظل التهديدات الإيرانية لها، نتيجة ما اتخذته دول الخليج من مساندة الموقف العربي العراقي.
الثاني: الدفاع عن آبار النفط في المنطقة.
الثالث: حماية أراضي دول مجلس التعاون من أي افتئات عليها.
ولكن ظلت تلك القوات بمثابة نواة صغيرة، وبما أنها كانت قوة ناشئة، فقد اضطرت دول الخليج لطلب الحماية من دول كبرى، لرفع علمها على السفن الخليجية أو ناقلات النفط التي تعبر مياه الخليج، وجاء الاختبار الحقيقي الأول لهذه القوة بغزو العراق للكويت في أغسطس/ آب 1990، وكانت قوة درع الجزيرة مازالت محدودة، ولا تستطيع مواجهة قوة العراق الكبيرة آنذاك، كما أن التنسيق العسكري بين دول المجلس لم يكن قد تطور بعد، ولهذا ساعدت قوى كبرى وقوى إقليمية، ومن بينها مصر وسورية في تحرير الكويت في أوائل العام 1991.
وسعت مصر وسورية إلى بلورة إطار أمني استراتيجي مع دول الخليج العربية، فيما عرف باسم إعلان دمشق، الذي ضم دول مجلس التعاون الخليجي، وكلاً من مصر وسورية، ولكن سرعان ما انفض عقد هذا التجمع تحت تأثير عوامل ثلاثة: أولها اعتراض إيران على وجود أية قوة أجنبية، وخاصة مصر في الخليج العربي، وإصرارها على أن أمن الخليج هو مسئولية دولها (أي الدول المحيطة بالخليج)، وثانيها اعتراض الولايات المتحدة على الوجود المصري والسوري، لأنه تعبير عن توجه قومي عربي، وهي لا ترغب في إحياء هذا المفهوم الذي كان جمال عبدالناصر أول من تبناه بقوة في سياسة دينامية ضد حلف بغداد، ثم حلف السنتو بعد ثورة العراق العام 1958 وخروجها من الحلف، وكانت إيران والعراق وتركيا آنذاك، هي المحور الإقليمي لهذا التحالف ضد التوجه القومي العربي، وثالثها دول الخليج ذاتها التي أشعرتها إيران والولايات المتحدة، أو غرست في نفوس بعض النخب لديها بمخاطر الفكر العربي القومي الذي تتباه مصر وسورية، فضلاً عن طموحاتهما نحو الثروة الخليجية، موضحة لهم أن ذلك إحلال لمصر وسورية بطموحاتهما، بدلاً من الطموحات العراقية، وهكذا انهار تجمع دول إعلان دمشق، وفي الوقت نفسه لم تتطور قوة درع الجزيرة.
وواجهت دول الخليج الضغوط الإيرانية والأميركية بمفردها، الأولى بحكم الجوار الجغرافي، وتصاعد قوتها الثورية باسم الإسلام، والثانية بحكم قوتها العالمية، وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وكتلته الاشتراكية.
سعت دول الخليج في ظل تلك المتغيرات أو المستجدات لخوض غمار الحفاظ على أمنها وسط أمواج عاتية، ولكنها بخطى ثابتة، وإن كانت بطيئة.
وفي هذا الإطار اعتمدت على مستويات ثلاثة من مستويات الأمن:
الأول: المستوى الوطني، حيث عملت كل دولة خليجية على تطوير قواتها الدفاعية، من خلال تزويدها بأحدث المعدات العسكرية المتقدمة من ناحية، وتدريب قادتها على أحدث مناهج الإعداد العسكري، بإرسال النخب الخليجية للتعلم في جامعات عسكرية بريطانية وأميركية.
الثاني: المستوى الخليجي، حيث طرحت عدة مقترحات لتطوير قوة درع الجزيرة بزيادة أعدادها، والتنسيق بينها وبين القوات الوطنية لكل دول خليجية، لأن التدريب والتنسيق المشترك هو الذي يضمن العمليات العسكرية. وهذا ما يحدث بين دول الناتو أو دول حلف وارسو السابق وغيرها، لأنه يخلق لغة مشتركة، ومفاهيم مشتركة، واتصالات مشتركة، وهذا ما كانت تفتقده الدول العربية في حروبها التقليدية ضد «إسرائيل» إذا ترسل بعض الدول قوة ما من بلادها من أقصى الغرب، إلى أقصى الشرق، إلى موقع القتال على الجبهة المصرية أو الجبهة السورية، فتصل تلك القوات العربية بعد انتهاء المعارك أو حتى إذا وصلت قبلها، تشكل عبئاً على المقاتلين من الدولتين، لأنه لم يحدث تدريب مشترك وتنسيق، وكان هذا هو أحد المآخذ على جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع الجماعي العربية، التي عقدت العام 1950، وتكاد تكون حبراً على ورق، ولا يرجع إليها إلا في حالات نادرة كمرجعية قانونية، وليس كعمل عسكري دفاعي، أو عمل اقتصادي حقيقي.
المهم هنا أن دول مجلس التعاون الخليجي استطاعت تطوير التنسيق الدفاع والأمني المشترك بين دولها بأدوات محددة، وإن كانت قليلة، وخاصة أن مصدر التسليح لدول الخليج هو مصدر رئيسي واحد مثل الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، والتعليم للنخب العسكرية الخليجية متشابه.
الثالث: المستوى الدولي، وهنا برز الدور الأميركي بوجه خاص، ويليه بمراحل الدور الفرنسي والبريطاني، وأخيراً دور حلف الناتو في مبادرة اسطنبول للتعاون التي أطلقت العام 2004، وانضمت لها 4 دول خليجية، واستهدفت تعزيز العلاقات الاستخباراتية والمعلومات والتحليل العسكري وبعض التدريبات لحماية الشواطئ ونحو ذلك.
ونتساءل عن وضع المستويات الثلاثة في مواجهة التهديدات الخارجية، ومصدر تلك التهديدات.
ومن خلال التحليلات العلمية والأكاديمية لمراكز الأبحاث المتعددة، فإن هذه التحليلات تشير إلى أن هناك ثلاثة أنماط من التهديدات لأمن دول الخليج:
الأول: التهديد الإيراني النابع من عدة اعتبارات: الجوار الجغرافي، المفاهيم التاريخية الإيرانية بأن الخليج هو خليج فارسي، وإن دول الخليج هي دول أو كما تسميها كتابات إيرانية مشيخات الخليج الفارسي، بل أنها تطلق على مجلس التعاون بأنه مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي، وترى أن هذه المنطقة هي المجال الحيوي لها، وأخيراً مفهوم تصدير الثورة الإسلامية لدول الخليج العربية كنقطة انطلاق نحو باقي منطقة الشرق الأوسط. ولهذا فإن دول مجلس التعاون تدرك تمام الإدراك مدى التهديد الإيراني الكامن والظاهر، وسعت لبناء علاقة حسن جوار مع إيران، ولكن الأخيرة لم تبادلها نفس الشيء لاختلاف التوجهات الاستراتيجية لكلا الطرفين، وقد قسمت دول الخليجية العربية الست منذ العام 1979 إلى ثلاث مجموعات، ولكل منها من وجهة النظر الإيرانية أسلوب في التعامل، والهدف هو بث الفرقة وإثارة الخلافات. ولكن لحسن الحظ، فإن الدول الخليجية تدرك هذه الأطروحات الإيرانية ومخاطرها لأن إيران لا تخفي ذلك، فقادتها يصرحون بها، وإن سعى بعضهم لتغليفها بغلاف من الكلمات الجميلة في بعض الأحيان.
الثاني: التهديد الإسرائيلي وهو يمثل تهديداً لدول مجلس التعاون، لأنه تهديد جوار للسعودية، وتهديد للأمن القومي العربي الذي تعد دول مجلس التعاون وأمنها جزءاً منه، وسيظل هذا التهديد قائماً مادامت المشكلة الفلسطينية لم يتم حلها، وكذلك من مخاطر التعاون الوثيق الإسرائيلي الإيراني، والإسرائيلي التركي في مراحل سابقة واحتمالات عودة مثل هذا التعاون بأساليب وصور مختلفة مثل توزيع الأدوار أو الغنائم أو التعاون الاستخباراتي ونحو ذلك.
الثالث: تهديد الطموحات الدولية للسيطرة على منابع النفط وعوائده، وقد وضح ذلك في تصريحات وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر العام 1974، وفي كتاباته المنشورة بأنه لو أوقفت دول الخليج النفط، فإن الولايات المتحدة ستقوم باحتلاله بالقوة.
ودول الخليج تدرك هذا التهديد جيداً، وحرصت على التعامل معه بذكاء، وخاصة أنه تهديد بعيد بمعنى ليس تهديد جوار، وإنما عبر البحار، وهو تهديد اقتصادي، وليس بغزو عسكري أو ثقافي أو بشري، ولهذا أجادت دول الخليج إلى حد كبير التعامل مع هذا التهديد بتطويعه وتحويله إلى قوة مساعدة لتحقيق أمنها عبر التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني والتجاري.
طبعاً هناك تهديدات أخرى لأمن الخليج، وخاصة قضايا العمالة الوافدة، ولها آثارها الإيجابية والسلبية، وقضايا الأجيال الشابة، وما يتصل بذلك من مسائل تتعلق بالتوظيف والمشاركة السياسية والاقتصادية وقضايا التطور السياسي الداخلي ونحو ذلك، وهذه قضايا مجالها حديث آخر
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3166 - الأحد 08 مايو 2011م الموافق 05 جمادى الآخرة 1432هـ