وإذا ماتحدثنا عن الإعلام، فلابد من الحديث عن الصحافة المقروءة، والتي شهدت حركة بعث وتصحيح هائلين، في أنحاء واسعة من المنطقة، وخاصة في قطر، حيث استضافت الصحافة القطرية مجموعة هائلة من مختلف شرائح الكتاب الصحافيين العرب، وفتحت لهم أبواب صحفها الرئيسية ليقوموا بالتحليل والتركيب والنقد، في حرية لم تشهد مثلها المنطقة من عقود، وكان دور الصحافة المغربية على رغم التضييق والحرب وإرهاب الدولة، دوراً استثنائياً في الصمود والتحدي، ومثل ذلك يقال عن الصحافة المصرية الالكترونية، التي لعبت إلى جانب المدونات والمواقع الاجتماعية، دوراً مصيرياً في ولادة ثورة الشعب المصري، وقبله ثورة الشعب التونسي الرائدة.
إنها إذاً ثورة أمة، هذه الثورة بدأت من تونس ومصر، وإن قام بها وقادها الشباب، ولاينبغي أن يلغى دور أجيال من القيادات السابقة، والأجيال السابقة، والمؤثرات الكثيرة التي كانت تصب في هذا الاتجاه من تحريك مستنقع حياتنا الراكد، وقد وجب استذكار كل هذه المؤثرات في هذه الأيام المباركة، التي قام فيها شباب الأمة باسترداد كرامتها، وتركوا الطريق معبدا أمام الجماهير لاسترداد حريتهم وأمنهم وحاضرهم ومستقبلهم.
لقد استعملت السلطات في مصر هذه «الصياغة»- من امتداح الشباب والهجوم على القيادات البارزة - لتثبيت القطيعة بين الشباب في ميدان التحرير، وبين نخبة المجتمع المصري من كبار رجالاته في مصر وفي المهجر، ولتبقى الثورة دون رأس، ودون قيادة نخبوية حقيقية ذات وزن واحترام في الداخل والخارج،تستطيع أن تأخذ بيد المجتمع المصري في مرحلة التغيير بالغة الخطورة هذه، وسط أوضاع سياسية عالمية رهيبة الضغط، لكننا نرجو أن لايكون الشباب قد وقع في هذا الفخ، وان يتنبهوا الى ان المعركة الحقيقية قد بدأت الآن، معركة التعاون، معركة التكامل، معركة تحديد الأهداف بوضوح، ورسم الطريق لتحقيقها في مرحلية ووضوح، مصر هي ثلث المنطقة من حيث التعداد السكاني، وهي بوابة الأمة نحو المستقبل، وفيها مفتاح نهضة الامة، وتحديد معالم العلاقة مع الغرب وربيبته إسرائيل، التي زرعها في أرضنا، والتي ملأت الدنيا صراخاً بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، المنطقة التي خنقت إرادات شعوبها، ودمرت كرامتهم وحرياتهم، واقتصادهم وبلادهم، من أجل أن تبقى إسرائيل حارسة لمصالح الغرب فيها .
المعركة الآن هي معركة البناء، هي معركة تنظيف حدائق مصر الداخلية والخلفية، هي معركة إعادة بناء المجتمع وهياكله وبناه التحتية ومؤسساته المدنية، هي معركة الإنسان، مع الفقر، مع التخلف، مع الوهن، مع الارتكاس، إنها المعركة الحقيقية والتحدي الحقيقي الذي ينتظرنا جميعاً.
لايمكن لأمة ان تحدد معالم المستقبل مالم ترسم خريطة الواقع، ولايمكن لأمة ان تنظم علاقاتها مع الآخرين، مالم تنظم العلاقات بين مكوناتها الإنسانية، ولايمكن لأمة ان تنتصر على عدوها، مالم تحقق انتصاراتها على نفسها في معارك التربية والأخلاق والنمو والبناء.
مصر اليوم بحاجة إلى شبابها وشيبها، نسائها ورجالها، كبارها وصغارها، عسكرها ومدنييها، مسلميها وأقباطها، أحزابها اليمينية واليسارية، الدينية والعلمانية، مثقفيها وجماهيرها. مصر بحاجة إلى رجالها في المهجر، وكبار عقولها المهاجرة، كما الذين صبروا ورابطوا ثلاثين عاما بانتظار الفجر، مصر بحاجة إلى القرضاوي والعوا وعمرو خالد، كما هي بحاجة إلى هيكل والهويدي، والسعداوي والنقاش، ورضوى عاشور، ورجالات الأزهر، ورجالات الفكر الإسلامي واليساري والليبرالي، ممن نعرف ولانعرف، من آلاف الجنود المجندة، الذين انهمكوا ربع فرن في شق الطريق .
مصر بحاجة إلى الطليعة الشبابية المكافحة بالعلم والمستقبل والأمل وأدوات العصرالسلمية الشريفة، كما «البلطجية»، الذين جاهدت هذه الطليعة وصمدت وصبرت وقدمت الضحايا من أجل خلاصهم من نير العبودية، وهم الحريصون على استئصالها واجتثاثها من فوق الأرض، لقد كان شباب مصر وتونس يسقطون قتلى وجرحى في ميادين الشرف، على يد العبيد الذين تربصوا بهم واغتالوا شبابهم وثورتهم وكفاحهم في سبيل تحريرالعبيد من أدرانهم.
مصر اليوم بحاجة إلى الأمة، والأمة اليوم بحاجة لمصر، إنها المعركة، إنها المعركة التي قادها وقام بها الشباب، ولكنها معركة أمة مافتئت مرابطة في شرفات الصبر تنتظر الغد، وقد هلت تباشيره من سيدي بوزيد، احترق البوعزيزي لينير دياجير القهر، ومزق جسد خالد سعيد ظلما وعدوانا، وسالت دماؤه وكسرت أسنانه، واقتلعت أظافره، كالمئات من مظلومي هذه الأمة، كل ذلك بانتظار هذا الفجر، وقد جاء، ماظننا أنه يأتي، ولكنه جاء، حثيثا تقدم يمتطي عربات السلام، والنور، والصبر، ليكتب التاريخ صفحة بيضاء ناصعة نقية، من تاريخ أمة قدمت للعالم درسا في القيامة، قيامة الشعب، عندما يعرف أبناؤه كيف يقفون بشجاعة المقاتل في وجه الطغيان الأعمى، وليس لديهم من أسلحة، إلا إيمانهم بالله، وإيمانهم بأن الصبح مازال يتنفس، وإن كنا جميعا قد أعلنا موته، وظننا أنه بعيد
العدد 3163 - الخميس 05 مايو 2011م الموافق 02 جمادى الآخرة 1432هـ