في لحظات الحزن وعند وفاة أحد من الأحبة وفي العزاء دائماً ما يتم ترديد بعض العبارات في مثل هذه المناسبات، ومن العبارات المألوفة في ذلك قولنا «البقاء لله»، وفي ذلك دلالة عن أن الإنسان فانٍ وزائل وأن الباقي هو الخالق. وعلى القياس ذاته وعندما نفقد شيئاً ما، عزيزاً على النفس، وعلى سبيل الاستعارة نقول «البقاء لله».
بالأمس عندما قرأنا خبر اتفاق المساهمين على غلق صرح إعلامي يحتاجه الوطن، وهو صحيفة «الوسط»، تبادلنا مع بعض الأصدقاء عبارات التعازي التي نرددها في حالات العزاء عند الوفاة، ترددت بيننا عبارات مأجورين... البقاء لله... عدنا لنفس العبارات التي رددناها وقلناها قبل عام تقريباً في مناسبة شبيهة، ذلك عندما فقدنا في مثل هذا الوقت من العام الماضي صرحاً صحافياً آخر وهو صحيفة «الوقت». نفس الأحزان ونفس الألم ونفس الأسى انتاب النفس بل وربما أكثر عندما علمنا بقرب فقداننا لصحيفة «الوسط»، عندما فقدنا صحيفة «الوقت» كان الوقت يختلف عن وقتنا الحالي، فقدنا «الوقت» وكانت هناك «الوسط»، أما اليوم نفقد «الوسط» وليس هناك «الوقت» أو ما يشبه «الوسط» أو «الوقت». كان الوقت مختلفاً، حيث مساحة حرية القول والتعبير والكتابة غيرها الآن؛ لذا فإن الوطن بفقدانه اليوم لصحيفة «الوسط» يفقد الكثير، فمع احترامنا وتقديرنا لكافة الصحف وكافة الكتاب والصحافيين، إلا أن نكهة «الوقت» هي غير نكهة بقية الصحف، وكذلك هي نكهة «الوسط» هي غير نكهة بقية الصحف.
إن الجمال والمعنى هو في التعدد والاختلاف، فأي طعم وأي نكهة للرأي عندما ينحصر الرأي ويُضيق الخناق عليه، وتنعدم وسائل التعبير عن الاختلاف في الرأي. كيف لنا أن نتحدث عن حرية القول وحرية الصحافة عندما تنعدم وسائل التعبير ومنها الصحافة التي تعبر عن مختلف التوجهات والآراء؟ كيف لنا أن نعرف قيمة الرأي عندما لا نسمع الرأي الآخر؟ كيف لنا أن نحس برأي ما إذا لم يكن هناك رأي آخر؟ كيف لنا أن نشعر بقيمة رأينا إذا لم يوجد من يتفق مع رأينا ومن يختلف مع رأينا؟ كيف لنا أن نصوب رأينا الخاطئ إذا لم يكن هناك من يصوبه بطرح الرأي المخالف لرأينا؟
يأتي قرار إغلاق صحيفة «الوسط» مناقضاً لرؤية جلالة الملك في رسالته الموجهة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة؛ فالمبررات التي قرأناها وأخذت بها الجمعية العامة بـ 18 عضواً وافقوا على الإغلاق مقابل اعتراض 14 عضواً لا تجعلنا نقتنع بالأسباب التي ذكرت، وهي الخسائر التي تكبدتها الصحيفة خلال الشهر الماضي! فكيف يرى 18 عضواً الأسباب وكيف يراها 14 عضواً. بالتأكيد أن خسائر شهر في سنة مالية لا يمثل مؤشراً للخسارة عن سنة مالية، فالخسائر تحتسب عن سنة مالية، وإن كانت هناك خسائر ما في الشهر المذكور فإن ذلك يمثل استثناء وليس القاعدة. القارئ والمواطن يعلم ما تعرضت له «الوسط» وتتعرض له، وهو حسب رأينا يتناقض مع رؤية جلالة الملك الذي يؤكد في رسالته على أن حرية الصحافة والإعلام كانت ولا تزال القلب النابض للمشروع الإصلاحي في إطار التعددية السياسية والثقافية والفكرية. أليست «الوسط» جزءاً من هذا القلب النابض للمشروع الإصلاحي؟ أليست هي أحد التعابير عن التعددية السياسية والثقافية والفكرية؟
بالتأكيد إن بقاء «الوسط» وعودة «الوقت» هو أمر يضيف إلى الوطن وسمعته الشيء الكثير. هل تتحرك ضمائر المحبين والمخلصين لهذا الوطن والقادرين لتعمل متضافرة متعاونة على بقاء «الوسط»، بل وعودة «الوقت»، والمطلوب أكثر من ذلك وهو وجود الصحف الحزبية المعبرة عن التنظيمات السياسية. ليس هناك أجمل من التعبير السلمي عن إرادة وتوجهات ومصالح الناس بمختلف تكويناتهم الفكرية، وتعدد المنابر الصحافية هو من أهم الوسائل للتعبير السلمي عن ذلك.
ليس لنا إلا أن نعبّر عن حزننا وألمنا.
نأمل أن يأتي الوقت سريعاً لتعود إلينا صحيفة «الوقت»... أن يأتي الوقت سريعاً لتعود إلينا «الوسط»... نأمل أن نتبادل التهاني قريباً بعودتهما سالمتين معززتين مكرمتين
إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"العدد 3161 - الثلثاء 03 مايو 2011م الموافق 30 جمادى الأولى 1432هـ