بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، برز للوجود محور جديد للشر من جناحين: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. وظلت القوتان تهيمنان على مجريات الحوادث بتفاهم أحيانا، وبتنافس محموم وحروب عن طريق دول تابعة أحيانا اخرى، حتى السقوط الرسمي المدوي للاتحاد السوفياتي نهاية ثمانينات القرن الماضي، لينتج عنه النظام العالمي الجديد، وبتعبير آخر، لينشأ محور الشر الأوحد في العالم: الولايات المتحدة الأميركية. فمتى يأتيها الدور لتلحق بالاتحاد السوفياتي؟ إن طرح مثل هذا السؤال لا يدخل في باب الكهانة والتنبؤات، بل هو ما تقتضيه السنن الربانية.
لقد تأسس الكيان الأميركي منذ أول يوم على ظلم الآخرين، وما قصة الهنود الحمر عنا ببعيد. لقد قامت الحضارة الأميركية على جماجم وأشلاء سكان البلاد الأصليين، الذين تعرضوا للإبادة الجماعية المنظمة على مدى أربعة قرون. وأحيل القارئ الكريم إلى كتاب (أميركا والإبادات الجماعية) لمنير العكش ليرى هول ما اقترفته أيادي المستوطنين البيض الأوائل من إجرام وآثام بحق قبائل الهنود الحمر، بما في ذلك استخدام الحرب الجرثومية، ويذكر المؤلف أن وليم برادفورد، أحد زعماء المستوطنين الأوروبيين كان يرى أن نشر الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الله! ويقول: «... فما يرضي الله ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود، وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت، هكذا يموت 950 من كل ألف منهم! وينتن بعضهم فوق الأرض من دون أن يجد من يدفنه، إن على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته !».
هذا هو الظلم العظيم الذي قامت عليه أميركا من أول يوم، وهو الظلم نفسه الذي يسري في دمائها إذ تتعامل مع دول العالم اليوم، فهي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح الذري الرهيب مرتين ضد اليابان في كل من هيروشيما وناجازاكي، واقترفت كل ألوان القتل والإجرام ضد الشعب الفيتنامي، وخططت ودبرت للعمليات العسكرية الانقلابية في الكثير من الدول في العالم الثالث، وها هو مسلسل الظلم يتواصل من خلال حوادث فلسطين والعراق والشيشان وكشمير وأفغانستان وتيمور الشرقية والسودان ولكن... إن العقاب الإلهي لابد وأنه آت. يقول تعالى: «فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين» (ابراهيم: 13)، ويقول: «إنّا مهلكو أهل هذه القرية إنّ أهلها كانوا ظالمين» (العنكبوت: 31).
إن أميركا تتصرف اليوم بجبروت وتأله لا مثيل له، فتخاطب الدول والحكومات بمنتهى الغرور والعنجهية: إما أن تكونوا معنا، أو تكونوا ضدنا، وتريد أن تكون كل الأجواء والأراضي والقواعد والوسائل تحت إمرتها من دون نقاش، وكأنها تقول للجميع: نحن نعز من نشاء، ونذل من نشاء! وأصبح حالها كحال النمرود عندما قال لإبراهيم عليه السلام: «أنا أحيي وأميت» (البقرة: 258)!
ولكن أميركا غافلة أن لله في الكون سننا جارية لا تتبدل ولا تتغير. يقول تعالى: «ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون» (الأعراف: 137)، ويقول: «وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقّبوا في البلاد هل من محيص. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» (ق: 36 و37).
إن أسباب سقوط الإمبراطورية الأميركية تقوى يوما بعد يوم، والسؤال الذي يطرح هو ليس (كيف؟) بل (متى ؟). فبالإضافة إلى عامل الظلم الذي يودي بصاحبه إلى دار البوار، والتألّه الذي يعتبر قمة الانحراف عن النهج البشري القويم، كما قال فرعون «أنا ربكم الأعلى» (النازعات: 24)، بالإضافة إلى كل ذلك، فإن أسباب السقوط المرتقب موجودة ومتأصلة داخل الكيان الأميركي، فأي مجتمع يمكنه أن يقاوم للأبد هذه الجروح القاتلة التي تتزايد كل يوم من مثل الجريمة والتفرقة العنصرية والأيدز والمخدرات والشذوذ الجنسي والترف القاتل؟
إن الشعب الأميركي بسبب ما هو فيه من الترف والإسراف استشعر لنفسه التميز من دون بقية شعوب الأرض، وهذا هو شأن المسرفين على مدى التاريخ: «وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون» (سبأ: 34). فكما تصدى المترفون الأولون لأنبيائهم، فكذلك المترفون الأميركان اليوم، يتصدون للإسلام، دين الحق إلى قيام الساعة.
كما أصبح تفشي الشذوذ إحدى النتائج الخطيرة للثورة الجنسية المضادة للفطرة السوية، وتشير التقارير إلى أن حوالي 10 في المئة من الأميركيين رجالا ونساء في سن 16 سنة شاذون جنسيا، وتصل النسبة إلى حوالي 30 في المئة من إجمالي السكان البالغين. وقد باركت كثير من الكنائس المسيحية الأميركية الشذوذ الجنسي! فهل هناك فسق أكبر من هذا، «فهل يهلك إلا القوم الفاسقون» (الأحقاف: 35)؟
وفي دراسة عن التآكل الأميركي من الداخل نشرتها مجلة «المجتمع» عدد 1486، نجد الحقائق المروعة الآتية:
- في كل 17 دقيقة هناك محاولة انتحار يقوم بها أميركي.
- يقتل في أميركا يوميا 65 شخصا بسبب العنف وجرائمه.
- هناك حوالي مليون فتاة أميركية من المراهقات والقواصر يحملن في كل عام، منهن حوالي 300 ألف ممن هن من دون سن الخامسة عشرة، وأن 400 ألف منهن يقدمن على إجراء عملية الإجهاض .
- على رغم كونها من أغنى البلاد، فإن هناك ظاهرة بشعة أخرى تتعلق بالفقر والحرمان اللذين تعاني منهما شريحة كبيرة من الشعب الأميركي... ويكفينا أن نعلم أنه من أصل كل أربعة أطفال يولدون في هذا البلد، هناك طفل واحد على الأقل من بينهم يولد في أجواء من الفقر والحرمان. ومع ذلك فإن الحكومة الأميركية تبذر المليارات في سبيل الحصول على التكنولوجيا العسكرية وأسلحة الدمار الشامل! والتدخل في الشئون الداخلية للدول والشعوب الأخرى، وشراء الذمم والأصوات والأقلام العميلة!
وهكذا فقد اجتمعت في هذه القوة الكبرى الكثير من الأسباب التي تجعلها في موقع استحقاق العقوبة الربانية. إن الله العزيز الحكيم، الذي أرانا في الاتحاد السوفياتي يوما أسود، ليس بعزيز عليه أن يرينا في أميركا يوما أشد سوادا
إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"العدد 316 - الجمعة 18 يوليو 2003م الموافق 18 جمادى الأولى 1424هـ