ما من شك أن الغياب الجماعي للطلبة يشكل هدراً تربوياً بامتياز، لأنه يستهدف ضرب البنية التحتية لـ «حق التمدرس»، والذي هو حق أصيل من حقوق الإنسان، فطبقاً للمادة (11) من قانون 27 لسنة 2005 بشأن التعليم في مملكة البحرين بأنه «يصدر الوزير اللوائح والقرارات اللازمة لحسن تنفيذ السياسة التعليمية، وعلى الأخص بالنسبة لتحديد مدة السنة الدراسية على ألا تقل 180 يوماً دراسياً بالنسبة لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، وموعد بداية العام الدراسي ونهايته، وإقرار المناهج ونظم التقويم والامتحانات».
يتفق المهتمون والمتابعون والمسئولون عن ملف إصلاح التعليم في تحديد أسباب بروز ظاهرة الغياب الجماعي للطلاب والطالبات قبيل وبُعيد الإجازات الرسمية، أو قبيل بدء الامتحانات النهائية بحجة التهيئة والاستعداد لها، وكيف يمكنهم التصدي لهذه الظاهرة التي باتت تشكل عقبة كأداء وتحدٍّ حقيقي أمام القيادات التربوية، والمعلمين وأولياء أمور الطلبة.
إذ ليس من اللائق أن يحمِّل كل طرف مسئولية الغياب الجماعي على الآخر، فأولياء الأمور يوجهون أصابع الاتهام إلى المعلمين، لأنهم يوحون أو يلمِّحون لأبنائهم الطلبة بشكل أو بالآخر بالغياب، ويدفعونهم له ويشجعونهم عليه، وفي المقابل يحمِّل المعلمون أولياء الأمور مسئولية الغياب الجماعي، فهم ينصاعون لرغبات أبنائهم، ويسمحون لهم بالبقاء في المنازل، أو يصطحبونهم معهم إلى السفر في الأيام القليلة المعدودة، باعتبار أن الحضور والغياب سواء في هذه الفترة، فهم يصدِّقون ما يُشاع في الأوساط الطلابية عن توقف الدراسة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال بالمدرسة، والتأكد من حقيقة ما يجري، فيما يرى عدد من الطلاب أن توقف المعلمين عن إعطاء الدروس، وتكليف الطلبة بإحضار الواجبات المنزلية بعد الإجازة، من وسائل الإيحاء المتعددة بالغياب، وأن الحضور لن يكون مهماً، لأن الدرس سيعاد للطلبة الغائبين، فيما تؤكد فئة أخرى أن بعض المعلمين يتوقف عطاؤه، ولن يقوم بالإعداد والتحضير للدرس، بحجة غياب عدد من الطلاب، وبالتالي يعاقب الحاضرين على انتظامهم، ويكافئ الغائبين على إهمالهم!
ربما تجد الإدارة المدرسية نفسها عاجزة عن ضبط إيقاع الغياب الجماعي ما لم يتعاون أولياء أمور الطلبة، من خلال أخذ دورهم القيادي والتربوي، عن طريق أخذ تعهدات مكتوبة عليهم قبيل الأيام التي يتوقع غياب الطلبة فيها، وأن المعلم سيقدم الدرس حتى لو كانت نسبة الحضور 1 في المئة.
وبما أن الدروس موزعة على عدد أيام الأسبوع، فإن غياب الطلبة سيؤثر حتماً على تحصيلهم العلمي، إذ سيخسرون الكفايات التي من المفترض أن اكتسبوها وتزودوا بها في تلك الفترة، والكلام عن أن الطالب سيعوض هذا الدرس أو ذاك من خلال «التعلم الذاتي» أو الدروس الخصوصية هو كلام غير مسئول.
إن تعود الطلبة على الغياب الجماعي يؤثر على البعد التربوي، فالطالب يكتسب سلوكيات تكرس لديه عادات سيئة مثل التراخي والكسل وسوء إدارة الوقت، حتى يصبح الغياب جزءاً لا يتجزأ من شخصيته وحبه وإقباله على العمل في المستقبل.
وأخيراً فإن ثمة إجراءات إدارية ضرورية لابد من وضعها والتأكيد عليها للحد من الغياب الجماعي للطلبة، ونجملها في الآتي:
أولاً: إجراء اختبارات شهرية تحريرية (ضمن التقويم المستمر) في الأيام التي يتوقع فيها غياب الطلبة بشكل جماعي، وذلك بالاستفادة من خبرات المشرفين الإداريين، على أن لا تعاد تلك الاختبارات إلا بأعذار مصدقة من قبل جهات رسمية.
ثانياً: أن تقوم المدارس بتوزيع الرسائل التنبيهية المكتوبة على الطلبة، تنذرهم بعدم الغياب عن المدرسة، تحت أي ظرف كان، في اليوم الذي يقع فاصلاً عن أي إجازة رسمية، أو قبيل بدء الامتحانات النهائية.
ثالثاً: بعد مضي عشر دقائق على بدء الحصة الأولى تقوم إدارة المدرسة بإرسال رسائل نصية قصيرة SMS لأولياء أمور الطلبة الغائبين، للتأكيد على ضرورة حضور أبنائهم إلى المدرسة فوراً، واتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه هذا السلوك غير المقبول.
رابعاً: تخصيص جائزة أو مكافأة للطلبة الحاضرين وأولياء أمورهم، سواءً بمنح الطالب 5 إلى 10 درجات للسلوك الإيجابي، أو تقديمه في الطابور الصباحي بعد الإجازة على أنه طالب يتمتع بقدر عالٍ من حس المسئولية والانضباط، كما ويستحسن تكريم ولي أمره، نظراً لاهتمامه ورعايته لابنه.
خامساً: حصر الطلبة الحاضرين، والذين يستخدمون الباصات المدرسية، إذ يقوم المرشد الاجتماعي من الصباح الباكر بالتعاون مع سائق الباص بحصر الطلاب الحاضرين فور وصولهم المدرسة ومغادرتهم لها.
سادساً: إدراج العقوبات الرادعة في لائحة «السلوك من أجل التعلم» للمستهترين الذين يغيبون عن الحضور إلى المدرسة دون عذر رسمي.
سابعاً: حرمان الطلبة الغائبين من بعض الامتيازات، كأن يحرمون من المشاركة في الرحلات أو حصص التربية البدنية، لفترة معينة.
ثامناً: تكليف الطلبة الغائبين ببعض الواجبات المنزلية الإضافية، جزاء غيابهم غير المسئول، أو القيام ببعض النشاطات اللاصفية الهادفة
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3158 - السبت 30 أبريل 2011م الموافق 27 جمادى الأولى 1432هـ