ليسمح لي الأخ عبيدلي أن أتابع معه ما جاء في مقاله الذي نُشر على هذه الصفحة يوم الأحد (25 أبريل/ نيسان 2011 «هل نشهد ولادة عقلانية المعارضة البحرينية ونضجها السياسي؟» أتابع معه الحديث عن عقلانية القوى السياسية ونضجها السياسي. أرى أنه في مقاله قد أخذ وجهاً واحداً للمعادلة دون أخذ الأوجه المتعددة لمكونات العمل السياسي في الوطن. كل الأطراف التي تتعاطى العمل السياسي من جمعيات وطنية على اختلاف مشاربها وتنوعاتها وتصنيفاتها ومعها الشخصيات الوطنية التي هي خارج إطار هذه الجمعيات ولها من الرأي أو الفعل مهما كان حجمه شيء من التأثير والتوجيه للرأي العام، هذا من جانب. ومن جانب آخر لهذه المكونات هناك السلطة التي هي المكون الأساسي للفعل الوطني والفعل السياسي. السلطة لها فعلها ولها توجهاتها ولها خطابها وهي مكمن القوة الرئيسي عبر أجهزتها المختلفة، وهي المتحكم الفعلي في هذه العناصر، والأهم من ذلك لها خطابها عبر أجهزة الإعلام المملوكة لها أو التي تسير في فلكها ذات التأثير، يضاف إلى ذلك قاعدتها الاجتماعية وتأثير تلك القاعدة.
عندما نتحدث عن نضج أحد الأطراف من المكونات دون الحديث عن نضج كافة المكونات، فإن رؤيتنا ومعالجتنا ستكون قاصرة، فالنضج مطلوب من الجميع، منظمات سياسية وأفراد وقوى السلطة وأجهزتها ومع هذه الأطراف قواعدها الشعبية. كل هذه الأطراف تشكل الفعل السياسي وتأثيراته على المكون المجتمعي برمته، فمتى كان هذا الفعل معيباً وغير ناضج، فتأثيراته ستمتد للرأي العام، الذي سيتشكل نتيجة فعل هذه القوى، فمتى كان هذا الفعل سلبياً ومعه ردود الفعل السلبية، كان مردود ذلك المزيد من الصراعات والهدم للوطن ومكوناته؛ لذا فإن النضج السياسي مطلوب من جميع المكونات، وليس من طرف دون آخر. الأطراف جميعها مسئولة عن النضج السياسي لفعلها وفعل قواعدها.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة التي مَرَّ بها الوطن والتي لا تزال ذيولها تسحب نفسها بثقل وتباطؤ مرهق للوطن وأهله بمختلف مكوناته، أن النضج السياسي للفعل الوطني هو معيب وقاصر لدى جميع المكونات بدون استثناء، وإن اختلفت درجة النضج بين هذا وذاك.
فما هي العقلانية المطلوبة من القوى السياسية؟ بالتأكيد إنها عقلانية صعب الحصول عليها من خلال دعوة من هنا أو هناك. الأطراف جميعها بحاجة إلى تغيير ثقافة أصبحت مترسخة لديها ولدى جمهورها. ما لم تتولد قناعة ثورية لدى هذه القوى تؤكد على أن الكثير من ثقافتها وثقافة جمهورها بحاجة إلى تغييرات جذرية تُتيح الوصول إلى الحد الأدنى على الأقل من العقلانية والنضج السياسي، تمهيداً لعقود قادمة من عقلانية مقبولة، فإننا لن نصل إلى العقلانية والنضج السياسي.
أرى بشكل سريع أن عدم عقلانية ونضج هذه الأطراف يتمثل في (على سبيل المثال لا الحصر):
1 - فيما يتعلق بما يسمى بقوى الإسلام السياسي بمختلف تنوعاته، يتمثل عدم عقلانيتها وعدم نضجها السياسي بدءاً في البنية الطائفية لهذه القوى، وهي جميعها خاضعة لولي فقيهها الخاص بها وعلى شاكلتها، وإن ظهرت هذه التسمية والتصقت بالإسلام السياسي الشيعي، بحكم ارتباط هذا المصطلح بنظرية ولاية الفقيه عند بعض الأطراف الشيعية. وللتأكيد على عدم النضج السياسي عند قوى الإسلام السياسي هو واقع تجربتنا المحلية وبالذات في عقد التسعينيات (1990 - 2000) وما بعد هذا العقد وحتى هذه اللحظة، وخصوصاً ما ترافق ويترافق مع الأحداث الأخيرة وذيولها.
إن نشوء جمعية الوفاق الإسلامية، فمهما جرى الحديث عن مطالب وطنية تخص المواطنين جميعاً، فإنه بحكم بنيتها الطائفية، فإنها لم تستطع التعبير عن مكونات الوطن، وكان بالسهولة وصمها بأنها تعبر عن وتمثل الطائفة، وهذا لا يمكن القفز عليه. كما أن نشأتها التي عبرت عن طائفة استفزت أطرافاً أخرى لم تكن في السابق تعنى في برامجها وعملها بالشأن السياسي أن تقوم هي كذلك بالرد على هذا المكون بإنشاء تكويناتها السياسية المبنية على مكون طائفي قبالة مكون الوفاق الطائفي.
وجاءت الأحداث الأخيرة التي تحكم فيها المكون الطائفي الشيعي، لتحدث رداً عند المكون الطائفي الآخر وهو المكون السني، حيث برز تجمع الوحدة الوطنية برئاسة الشيخ عبداللطيف المحمود، وكان الخطاب صريحاً من هذا التجمع، بالقول إنه جاء ليعبر عن السنة والجماعة. وبالتالي وحسب اعتقادنا فإن هذا المكون هو وجه آخر لعملة واحدة، فهو لن يستطيع تخطي التمثيل الطائفي ليكون ممثلاً لمكونات الوطن.
نقول: إننا إذا ما أردنا أن نكون صريحين مع قوى الإسلام السياسي، فإن أولى علامات النضج لدى هذه القوى هو حل مكوناتها، وعلى من أراد الاشتغال في العمل الوطني السياسي أن يبتعد عن تسييس الدين وتسييس المذهب وإبعاد دور العبادة عن العمل الحزبي والانخراط في مكونات سياسية وطنية جامعة.
2 - أما فيما يتعلق بقوى التيار الوطني الديمقراطي، وهي القوى التي كنا نأمل منها صحة تمثيلها لقوى المجتمع الواسعة البعيدة عن قوى الإسلام السياسي، بل وتمثيل المواطن العادي الذي يطمح إلى تعزيز المواطنة وقيمها البعيدة عن الطائفية، لم تستطع هذه القوى تجاوز واقعها الذي حصرت نفسها فيه، ولم تتجه بشكل صحيح لبناء ذاتها وتوحيد قواها، وجدناها تركز على تحالفات وهمية مع قوى الإسلام السياسي الشيعي، وهنا لا أتحدث عن صحة أو عدم صحة الكثير من الملفات والقضايا التي تبنتها هذه القوى مع قوى الإسلام السياسي الشيعي، لكن واقع الحال يقول إنه خلال قرابة عقد من العمل السياسي العلني لم تستطع قوى التيار الوطني الديمقراطي تجاوز الواقع الطائفي الذي ترسخ في المجتمع بفعل قوى الإسلام السياسي وبفعل الأطراف التي تريد أن تلعب على وتر الطائفية.
نرى أن أولى علامات عقلانية ونضج قوى التيار الوطني الديمقراطي هو ظهور دراسة نقدية علنية لأدائها الذي هو كذلك مسئول إلى حدٍّ كبير عن الحالة التي وصل إليها الوطن. كما ننتظر ظهور تشكيل سياسي من جمعيات هذه القوى مجتمعة ومعها الكثير من الشخصيات الوطنية، تشكيل يعبر بشكل واسع عن القاعدة العريضة عن جمهور هذا التيار وعن جمهور آخر سيظهر عندما يرى ممثلاً قوياً وحقيقياً عنه.
3 - وكما قلت فإن أحد الأطراف التي يمكن الحديث عن عقلانية فعلها السياسي ونضجها هي قوى السلطة التي هي المكون الأساسي للفعل والعمل السياسي في المجتمع، وهي القوة المتحكمة عبر أدواتها المتعددة في بقية الأطراف وفي المجتمع برمته. ربما يكون الوقت غير مناسب للحديث عنها الآن بحكم الواقع الراهن، نعتذر.
نأمل أن تصل هذه الأطراف جميعها إلى العقلانية والنضج المطلوبين في العمل السياسي الوطني
إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"العدد 3155 - الأربعاء 27 أبريل 2011م الموافق 24 جمادى الأولى 1432هـ