تبرز أهمية الوحدة الوطنية، وربما ضرورتها عندما تلم بالمجتمع المصائب، أو حين تجتاحه بعض الأزمات الحادة، كالتي يشهدها المجتمع البحريني اليوم، الخارج للتو من أحداث أليمة أدت فيما ادت إليه، إلى نشر الفرقة في صفوفه، وإحداث شرخ عميق في مكوناته الرئيسة على المستويين: العلاقة بين طائفتيه السنية والشيعية، وبالقدر ذاته العلاقة بينهما من جهة وبين مؤسسات الدولة وإدارات صنع القرار فيها من جهة.
وقد يستغرب بعض القراء، عندما يكتشفون أن مفهوم الوحدة الوطنية راسخ في الأدبيات الحديثة، وهو كما يراه الباحث عزو محمد عبد القادر ناجي، مصدر خلاف في التعريف بين الباحثين المحدثين «نتيجة لاختلاف الثقافات والبيئة الخارجية الدولية».
ويؤكد ناجي ذلك الاختلاف من خلال سرده لقائمة طويلة من الباحثين ممن تناولوا هذا الموضوع. فهي تتحقق عند الباحث الإسلامي أبو حامد الغزالي، كما يرى ناجي «من خلال الحاكم (الإمام)؛ لأنه هو أساس وحدة الأمة، وأنه محور اتفاق الإدارات المتناقضة، والشهوات المتباينة المتنافرة من خلال جمعه لها حول رأي واحد». لكنها عند ميكافيلى مفهوم يقوم على «ارتقاء الحاكم في الدولة إلى درجة القداسة، لأنه محور الوحدة الوطنية في الدولة، وإذعان المحكومين لهذا الحاكم وخشيته من ضرورات هذه الوحدة، لأن الأخذ بآرائهم سيؤدى إلى الفوضى والاضطراب، لأنهم لا يمكن أن يكونوا طيبين إلا إذا اضطروا لذلك». أما ماتزينى فيرى أن «الوحدة الوطنية هي وعي المحكومين جميعاً بانتمائهم للأرض التي يعيشون عليها واتحادهم وارتباطهم بها». أما بالنسبة لـ (كارل ماركس) فهي «القضاء على الصراع والانقسام بين الأفراد في المجتمع، من خلال القضاء التام على الملكية الخاصة التي كانت السبب في صراعات الماضي، لأن وجود تفاوت طبقي اقتصادي في المجتمع هو السبب في ذلك الصراع وتلك الانقسامات». ويعتبر فريدريك انجل، الوحدة الوطنية «نوعاً من التكامل التفاعلي المستمد من علاقات التأثير والتأثر المتبادل بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، وبين الجماعات بعضها مع البعض الآخر، والمستمد من كل ما من شأنه أن يزيد من تماسك الأفراد والجماعات ويدعم تضمانهم الداخلي».
أخذاً كل تلك المقتطفات في الاعتبار، ربما سنكتشف أن في كل واحدة منها، ما يشبه الدعوة للمواطن البحريني كي يبادر إلى نبذ ذلك التمزق الذي أوجدته الأوضاع الأخيرة، والعمل من أجل التوصل إلى الطريق الصحيحة نحو وحدة وطنية راسخة، تستمد مقومات صمودها أمام عواصف مستقبلية قادمة من خلال الخطوات التالية:
1. التوصل إلى مصالحة وطنية بين الدولة والمعارضة، مثل هذه المصالحة الوطنية، ينبغي أن تكون بعيدة كل البعد عن الذهنية التي تحكم العلاقة بين الغالب والمغلوب. لابد، في حال قرار العمل من أجل مثل هذه الوحدة الوطنية، حرص الطرفين على أن تنطلق هذه المصالحة من شعور متكافئ بينهما. ربما يصعب تفعيل قوانين مثل هذه المعادلة، التي ستجد امامها الكثير من الصعوبات التي أفرزتها الأحداث الأخيرة، لكن إصرار الطرفين، وحرصهما على تحقيق تلك الوحدة الوطنية المطلوبة، كفيل بإزالة تلك العقبات، وتمهيد الطريق أمام تلك الوحدة الوطنية التي نتحدث عنها.
2. التصدي للنزعات الطائفية التي تفشت في صفوف المواطنين(رغم محاولة الكثير منا إنكار ذلك)، وشجعتها الأحداث الأخيرة، وحولتها إلى ما يشبه الحقائق الثابتة التي ينبغي على المواطن المناهض للفكر الطائفي، والساعي لتجسيد الوحدة الوطنية، أن يقف ضدها، ويعمل على إزالتها من طريق الوحدة الوطنية، التي تشكل النقيض التاريخي والطبيعي للذهنية الطائفية. ولابد لنا من التأكيد على أن الوحدة الوطنية، لا ينيغي أن تنفي بأي حال من الأحوال أياً من الخلفيات التاريخية، بل وحتى الاجتهادية بين الطائفتين، بل على العكس من ذلك، لابد وأن تشجع الوحدة الوطنية، كل طائفة على حدة، ان تمارس طقوسها، لكن دون ان يكون ذلك على حساب مقومات الوحدة الوطنية، ولا إضعاف عناصرها. هنا تكمن مهارة القيادات المجتمعية في توفير الأرضية المناسبة التي ترسخ من أقدام الوحدة الوطنية، دون أن يكون ذلك على حساب أي من الطائفتين.
3. مواجهة أي شكل من أشكال التغلغل الخارجي الهادف إلى تغليب موازين طائفة على أخرى. وينبغي التشديد هنا، على ضرورة التصدي، وبشكل وطني موحد ضد أي شكل من أشكال ذلك التدخل، بغض النظر عن الأسباب التي تسوقها أي من الطائفتين لتبرير ذلك التدخل، إذ تبقى المصلحة الوطنية فوق مصلحة الطائفة، ومن الخطأ التضحية بالكل، من أجل الدفاع عن الجزء.
والأهم من كل ذلك أن الوحدة الوطنية لا يمكن تحقيقها بالتمنيات أو بالغرق في الأحلام، وإنما من خلال برامج العمل الصحيحة، المنطلقة من أرض الواقع، والقابلة للتطبيق، مهما كانت الصعوبات التي تواجه تلك البرامج
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3144 - السبت 16 أبريل 2011م الموافق 13 جمادى الأولى 1432هـ