في المؤتمر السنوي للمدارس الخاصة الذي عقد في الأردن منذ بضعة أيام انصبت مداخلتي على مجموعة من المنطلقات التي يجب أن تحكم موضوع المدارس الخاصة، وخصوصاً بعد أن قاربت نسبة الالتحاق بالمدارس الخاصة الأربعين في المئة في بعض الأقطار العربية.
أولاً: ستكون كارثة اجتماعية لو أن وزارات التربية والتعليم قبلت أن يكون مستوى التعليم العام وجودته أقل من مستوى وجودة التعليم الخاص. إن ذلك سيؤدي إلى أن يكون خريجو المدارس العامة أقل إعداداً وكفاءة، وبالتالي أقل قدرة على التنافس في سوق العمل، وهذا بدوره سيضعف إمكانية حراكهم الاجتماعي ويبقيهم ملاصقين لعوالم الفقر واليأس والتهميش.
ثانيا: لا يجوز للتعليم الخاص أن لا يكون تعليماً وطنياً مماثلاً للتعليم العام. في قلب الوطنية مسألة الانتماء القومي والهوية العربية والإسلامية، والانتماء والهوية لا تقوم لهما قائمة بدون اللغة والثقافة والتاريخ.
ثالثاً: إن مسألة تدريس اللغة العربية في المدارس الخاصة تحتاج إلى حلول جذرية تسندها الإرادة السياسية الرسمية. ولقد كثر الكلام حول ضعف خريجي المدارس الخاصة في اللغة العربية كلاماً وقراءة وكتابة. إن قسماً كبيراً منهم يجيدون اللغات الأجنبية أكثر بكثير من إجادتهم لغة الأم. ولما كانت دراسات الدماغ البشري تؤكد حميمية اتصال اللغة بالوعي والمنطق والذكاء والمشاعر، وان اللغة هي وعاء الفكر، فإن ضعف الطلبة في اللغة العربية يطرح اشكالية التشوه الفكري عندهم. وهذا مرتبط بموضوع الثقافة.
إن قسماً كبيراً من هؤلاء الخريجين غير قادرين على الارتباط بثقافة أمتهم. انهم لا يستطيعون قراءة واستيعاب معاني القرآن الكريم ان كانوا مسلمين ولا فهم الإنجيل ان كانوا مسيحيين. ومن المؤكد انهم لن يفهموا ما كتبه الإمام الشافعي أو جعفر الصادق، وهم مهددون بالانسلاخ من ممارسة تعاليم دينهم.
إن هؤلاء الخريجين لن يستطيعوا متابعة المناظرات الفكرية العربية. إنهم لن يتابعوا النهضة الفكرية العربية، بدءاً بالشيخ محمد عبده، مروراً بالكواكبي ومحمود العقاد وانتهاء بالعروى أو محمد عابد الجابري. وسيقود ذلك إلى فراغ فكري يملنوه ما يستطيعون قراءته وفهمه باللغات الأجنبية لمفكري الغرب وفلاسفته.
والأمر نفسه سينطبق على حقول الأدب والفنون والشعر والانترنت، بل وحتى ما يشاهدون من أفلام ومسلسلات تلفزيونية.
والأمر نفسه ينطبق كذلك على فهمهم لتاريخ أمتهم، تحليلاً ونقداً وإعادة تركيب وتجاوزاً. وهذا أمر مفجع عندما نعلم بأن حاضر الأمة ومستقبلها يرسمه تاريخها إلى حد كبير.
رابعاً : إن الأنظمة السياسية العربية، وهي تنصاع لمتطلبات ثقافة العولمة المصرة على تخلي الدول عن مسئولياتها الاجتماعية وتسليمها إلى منطق السوق من خلال خصخصة التعليم والصحة وغيرها، وخصوصاً أنها تعطي الأولوية للصرف الباذخ على الجيوش والأجهزة الأمنية وللتقتير على الخدمات الاجتماعية. إن هذه الأنظمة يجب أن تولي اهتماماً لوضع ضوابط تحكم مستوى وكيفية ما قررت أن تتركه للقطاع الخاص، ومنه التعليم.
أما بالنسبة للغة العربية فإن المدارس الخاصة يجب أن تدرس إما مناهج اللغة العربية الرسمية أو ما يماثلها أو يفضلها. وفي اعتقادي أن على كل طالب مواطن ملتحق بالتعليم الخاص اجتياز امتحان رسمي عام في أساسيات اللغة العربية قبل منحه شهادة المدرسة الثانوية من قبل مدرسته.
أما موضوع تدريس المواد الثقافية ومادة التاريخ فإن هناك حاجة لوضع متطلبات لا تسمح للطلاب المواطنين في المدارس الخاصة، سواء الوطنية أو الأجنبية، أن يتخرجوا دون إلمام معقول بأساسيات ثقافة وتاريخ أمتهم. إن عدم حل هذه المسألة سيهدد هوية وانتماء شريحة هامة من المواطنين، من الذين سيكون الكثيرون منهم قادة هذه الأمة في السياسة والاقتصاد والفكر والعلم.
من البديهي أن تلك المنطلقات التي يجب أن تحكم المدرسة الخاصة يجب بدورها أن تحكم المدرسة العامة، والتي بدورها لها إشكالياتها الخاصة بها مع اللغة والثقافة والتاريخ. لكن هذا موضوع آخر ليس هنا مجال الحديث عنه.
إذا كنا نريد تخريج مواطنين ملتزمين بقضايا أمتهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، قادرين على المساهمة بحيوية وإبداع في إخراج هذه الأمة من تخلفها وواقعها السياسي المفجع، فإن النقاط التربوية التي ذكرنا سابقاً تحتاج إلى أن تعالج كأولويات تربوية ضمن استراتيجينات وطنية وقومية. إن ثقافة العولمة السلبية يجب أن يجب أن تهزم في المدرسة العربية، سواء الخاصة أو العامة
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3144 - السبت 16 أبريل 2011م الموافق 13 جمادى الأولى 1432هـ