وسط الأزمة السياسية التي كادت أن تعصف بالبلاد، طالعنا بالأمس تصريحين: الأول من بين صفوف المعارضة، وعلى لسان رئيس تجمع الوحدة الوطنية الشيخ عبداللطيف المحمود في خطبة الجمعة، عندما دعا إلى ضرورة «أن يتم التحقيق المحايد في أسباب وفاة عدد من المقبوض عليهم أثناء التحقيق». ثم أكد رفضه لأخذ الأبرياء بجرم المتهمين، بالقول «إننا لا نسمح ولا نجيز ولا نرضى عن أي تجاوز للحقوق أو خروج على العدالة ونحذر من أن تكون لروح الانتقام مكانة في التحقيق مع المتهمين أو أخذ البريئين بذنوب المجرمين والمسيئين، (وبأنه) لا يجوز أن نضع جميع أتباع الشيعة الجعفرية في سلة واحدة ونوجه لهم كلهم الاتهام عما حدث، فإن ذلك من الجور والظلم، وربنا لا يظلم أحداً».
أما الثاني فقد أتى لنا على لسان وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذي نفى بوضوح سعي الدولة إلى «حل جمعيات سياسية... وبأن هناك دعوى قضائية ضد انتهاكات ارتكبتها الجمعيتان (الوفاق وأمل)... وسيتم وفق الدستور إجراء انتخابات لشغل المقاعد التي خلت بانسحاب نواب الوفاق. (وان الدولة) تشجع كل الجمعيات بما فيها الوفاق على المشاركة في الانتخابات وخدمة الشعب من خلال البرلمان».
أشاع الشيخ عبداللطيف الكثير من الارتياح في نفوس المواطنين البحرينيين، عندما تجاوز، وبجرأة، كل الحواجز الطائفية، وانبرى من فوق منبر جامع عائشة ام المؤمنين كي يتحدث بصوت وطني عال ومسئول، معبرا عن رفضه لأي تجاوز للعدالة، ومطالبا أصحاب القرار في الوقت ذاته بالكف عن أية تجاوزات من شأنها انتهاك الحقوق أو العبث بالعدالة في تعاملهم مع «المتهمين». بهذه الخطوة ينتقل الشيخ عبداللطيف، وبخطى ثابتة من الدفاع عن الطائفة السنية ومصالحها، إلى الدفاع عن المواطن البحريني كي يضمن نيل حقوقه التي يبيحها له الدستور والقوانين والأنظمة المنبثقة عنه.
مما لاشك فيه أن تداعيات هذا الخطاب لن تقف عند حدود الدفاع عن أولئك المواطنين الذي حددهم الشيخ عبداللطيف، بل ستتجاوز ذلك كي ترسل خطابا سريعا للمرجعية الشيعية كي تمد يدها للمصافحة، والتنسيق، والعمل المشترك من أجل العمل سوية لما دعا إليه الشيخ عبداللطيف. النقطة الجوهرية هنا هي ضرورة عدم توقفنا عند من بادر للدعوة، وأهمية تجاوزنا لها كي يتم التنسيق المطلوب، الذي سيشكل الكتلة السياسية الحرجة التي بوسعها الوصول إلى ما دعا له الشيخ عبداللطيف.
على الجانب الآخر، يزيل وزير الخارجية الكثير من القلق الذي ينتاب الجمعيات السياسية، ويزرع مكانه الثقة في نفوسها بتأكيده على ان الدولة لاتزال تلزم نفسها بما جاء في قوانين وانظمة المملكة، التي تخضع لها الجمعيات السياسية، ومن ثم فلا حل لأي من الجمعيتين، اللتين دعاهما أيضا للمشاركة في الانتخابات التكميلية، بوصف ذلك حقاً من حقوقهما الذي، ليس هناك من يمكنه تجريدهما منه، كما لا ينبغي التفريط فيه أيضا. ومن ثم فليس هناك من حجر على أي من تلك الجمعيتين، يمكن أن يحول دون استمرارهما في ممارسة أنشطتهما السياسية، طالما كانت تلك الأنشطة تحت مظلة الدستور، بما في ذلك خوض الانتخابات مرة أخرى.
هكذا إذا يلتقي أحد قطاعات المعارضة والدولة، وتنصهر دعواتهما في بوتقة واحدة تحاول ان تعزز اللحمة الوطنية اولا، وتحافظ على العلاقات البناءة بين المعارضة والسلطة ثانيا. بطبيعة الحال، ورغم تقديرنا لما يعنيه التصريحان من ضرورة على المستوى السياسي، وأهمية على الصعيد القانوني، لكن يبقى كلاهما خطوة أولى لابد منها على طريق طويلة، لا يملك المجتمع البحريني من خيار آخر من أجل اجتيازها، بشكل موحد دولة ومعارضة، إن كان لنا ان نداوي جراح الأحداث الأخيرة التي لاتزال طرية، ومن ثم فهي بحاجة إلى المزيد من العناية التي تكفل لها الشفاء السريع، الذي يسمح لها بالخروج من الأزمة.
عناق الدولة والمعارضة العفوي هذا، يعيد للبحرين وجهها المضيء الذي كادت ان تفقد بريقه خلال الأسابيع القليلة الماضية، ويدعو الجميع ان يشمروا عن سواعدهم، ويهبوا للعمل كي لا يدعوا الفرصة تفوت من بين أيديهم، فيبادروا بالتوجه نحو منصة الوحدة الوطنية التي لابد لها أن تحفر، وبكل ثقة قبر الطائفية البغيضة، اولا، ويحضروا للانتخابات التكميلية التي ينبغي ان توصل إلى قبة البرلمان المزيد من الوجوه الوطنية غير الطائفية ثانيا
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3143 - الجمعة 15 أبريل 2011م الموافق 12 جمادى الأولى 1432هـ