سهل تأكيد الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق البرازيلي سيرجيو فييرا دي ميلو أن مجلس الحكم الذي تم تشكيله أخيرا في العراق يتمتع بصفة تمثيلية واسعة ويشمل جميع الأشكال السياسية والروحية التي قاومت نظام الرئيس صدام حسين على المجلس رغبته في تثبيت وتوكيد دوره كسلطة عراقية في المرحلة الانتقالية عبر الحصول على مباركة الأمم المتحدة له، وهذا ما ينوي فعله عبر ارسال وفد من أعضائه الى مجلس الأمن الدولي. ووفقا للمعلومات فإن أعضاء من المجلس سيتولون زيارة عدد من الدول العربية للحصول على اعترافها به كسلطة عراقية انتقالية. كما سيقوم المجلس بإعادة فتح السفارات العراقية في الخارج وتعيين (قائمين بالأعمال) من دون تعيين سفراء فيها.
وإذا كان يُعتقد على نطاق واسع ان مجلس الحكم سيحظى بالاعتراف الدولي مادامت واشنطن راغبة في ذلك فإن التحدي الحقيقي الذي يواجهه مجلس الحكم هو التحدي الداخلي. فبعد ساعات من إعلان تشكيل مجلس الحكم جرت اتصالات مكثفة في بغداد ومدن عراقية أخرى شارك فيها سياسيون وأكاديميون ورجال عشائر تمحورت حول الموقف من مجلس الحكم، ولعبت الشخصيات التي أقصيت عن هذا المجلس دورا رئيسا في تنشيط الاجتماعات تمحورت حول تنظيم معارضة سياسية في الداخل تقوم بمهمة مراقبة مجلس الحكم وممارسة الضغط عليه في حال وقوعه في الخطأ. وقد نشط في هذا الاتجاه ممثلون لأربعين جماعة سياسية واجتماعية اشتركوا في هذه المداولات، وهي جماعات ظهر معظمها بعد سقوط صدام وكانت تتطلع الى دور سياسي يمثل قوى الداخل ويقوم على رفض ما يصفونه بـ «وصاية قوى الخارج» مع ما كان يعرف سابقا بالمعارضة العراقية لينضم اليهم ممثلو عشائر استبعدوا من العملية السياسية. وقد عبرت هذه الجماعات عما يمكن وصفه بشعور بالخيبة والمرارة. إن وجود مثل هذه المعارضة مسألة يراها البعض ضرورية لكي يكتمل جناحا العمل السياسي السلمي في البلاد، وتبدأ قواعد اللعبة الديمقراطية السلمية التي غابت منذ العام 1958.
إن الاحباط الموجود لدى رجل الشارع من تشكيلة مجلس الحكم تنطلق من هواجس زرع بذور التشطير العرقي والمذهبي في البلاد، ويرى رجل الشارع العراقي في قيام المجلس وفق أسلوب «المحاصصة» الطائفية والعرقية أنه تمزيق للعراق وتوزيعه حصصا طائفية وقومية وتكريس للاحتلال وهيمنته، وهو ما ترفضه غالبية العراقيين بشدة. إذ ان التركيبة النسبية القسرية التي اعتمدت في اعتماد «المحاصصة» ستشكل سابقة خطيرة لا يمكن الفكاك منها في أي ترتيبات مستقبلية، لأن أيا من التنظيمات السياسية أو التكوينات الطائفية والعرقية التي يزخر بها المجتمع العراقي لن تتنازل عن نسبتها التي ترى أنها «حق مقدس انتُزع نضالا»، اذا لم تحاول تحسينها، وهذا كله سيشكل عبئا مضافا على الانتخابات العامة المقبلة التي يمكن ان تسفر عن تشكيل حكومة وطنية كما هو مرجو. والسؤال الذي باتت تطرحه اوساط كثيرة من الشعب العراقي هل سيمتد أسلوب الماحصصة إلى الجهازين التنفيذي والإداري اللذين سيشكلهما مجلس الحكم خلال الايام المقبلة كما هو مفترض.
وإذا كانت تشكيلة المجلس قد أثارت تحفظات غالبية السنة الذين امسكوا بمقدرات الحكم ومقاديره منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة العام 1921 وباتوا الآن يشعرون بعمق خسارتهم بنهاية النظام المخلوع، فإن مرارتهم وشعورهم بالحيف ازدادا نتيجة ما يعتبرونه حصتهم المتواضعة في مجلس الحكم، وقد أكد غير مصدر في الحركات الدينية والسياسية السنية انهم لن يسمحوا بوصول العمائم السوداء الى سدة الحكم في العراق تحت أي ظرف كان. وبالمقابل فإن الشيعة الذين حصلوا على حصة الأسد في مجلس الحكم مازالوا يعتقدون انهم لم يأخذوا ما يعتبرونه استحقاقهم التاريخي. وقد ترجم هذا الاحساس رئيس المجلس الاعلــى للثورة الإسلامية محمد باقر الحكيم عندما قال: «إن الشيعة اذا لم يمنحوا الدور الذي يستحقونه فسينتزعونه بارادتهم». أما آية الله السيد علي السيستاني فإنه دعا صراحة الى إجراء انتخابات مباشرة سواء لاختيار مجلس الحكم او لانتقاء اعضاء الحكومة المقبلة، وهي دعوة تنطوي على قناعة شيعية مؤكدة بأن الانتخابات ستفضي الى عراق يحكمـه الشيعة وهذا ما لا يروق للطوائف الاخرى وما لا تريده واشنطن.
على أية حال تحفظات وسخط رجل الشارع العراقي باتت واضحة من مجلس الحكم الذي عدّ ممثلا لإرادة قوى الاحتلال أكثر من إرادة العراقيين. والتعبير عن هذه الحقيقة كان قائما في رأي رجل الشارع لقرار المجلس الأول الذي اتخذه باعتبار يوم 9 ابريل/نيسان عيدا وطنيا للعراق، مع أن هذا التاريخ وبكل المقاييس يمثل في ذاكرة الشعب العراقي تاريخ احتلال بلدهم وفقدانه استقلاله وسيادته الوطنية.
طبعا هذه الأجواء ستمثل رافعة صعبة لجهة تقييم أداء المجلس في المستقبل، وهذا ما سيشكل التحدي الأصعب وعلى المجلس ان يثبت عكسه
العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ