يرصد المحللون الأميركيون ومراكز الدراسات الحرب الكلامية الدائرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية عن ادعاءات واشنطن لطهران بامتلاك أسلحة نووية، من جهة، واتهام الأخيرة بقضم بعض الأراضي العراقية عبر تحريك بعض المراكز الحدودية بضعة كيلومترات إلى الجانب العراقي، واتهام واشنطن المتكرر أيضا لطهران بالتدخل في الشئون الداخلية للعراق ومحاولة إيذاء قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية، من خلال دعم من أسماهم وزير الدفاع الأميركي دونالد رمسفيلد، «الإرهابيين الأجانب» أو النشاطات الاستخباراتية من جهة أخرى. وتراهن الإدارة الأميركية أو بعضها على ان المظاهرات الطلابية في طهران، وفي كبرى المدن الإيرانية، قادرة على إسقاط النظام في إيران، عدا عن البعض الآخر من الإدارة الذي يرى ضرورة تكثيف الضغوط على الجمهورية الإسلامية، من خلال زجها في اتهامات تتعلق بإيوائها لعناصر من تنظيم «القاعدة» وكانت «واشنطن تايمز»، نقلت عن المخابرات الباكستانية ان مقر عمليات شبكة «القاعدة» قد انتقل من باكستان إلى إيران. لكن غلوبل أنتلجنس (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) اعتبر ان الهدف من كل ما يثار بشأن إيران هو إشاعة حال من التوتر في البلاد لحث المسئولين الإيرانيين على الجلوس إلى مائدة المفاوضات للبحث في المسألة العراقية خصوصا في ما يتعلق بالقضاء على المقاومة في العراق.
وفي سعي لطرح الحلول للمأزق الأميركي في العراقي، اعتبر جورج فريدمان في غلوبل إنتلجنس (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) ان المفتاح الرئيسي لأية استراتيجية في العراق يكمن في إيران... فقد اعتبر جورج فريدمان، ان الوجود الأميركي في العراق، اليوم يحتم على الولايات المتحدة، العمل على تحسين الوضع في ذلك البلد لأنها قد تورطت ولم يعد بإمكانها الانسحاب.
وأشار إلى ان تعيين الجنرال جون أبي زيد، على رأس القيادة المركزية الأميركية يفتح مرحلة جديدة في الحملة الأميركية في العراق، وفي الحملة ضد تنظيم «القاعدة» أيضا. وأشار فريدمان، في هذا السياق إلى ان إطلاق حملات جديدة ضد «القاعدة» يتطلب شن عملية «جراحية» ضد ما أسماها الميليشيات العراقية معتبرا ان عملية مثل هذه لها أبعاد سياسية وعسكرية في آن واحد. فعلى الصعيد السياسي على الولايات المتحدة، أن تبرهن فعاليتها أمام كل معارضيها. أما على الصعيد العسكري فعليها أن تظهر انه بإمكانها أن تستقطب بعضا من قواتها من العراق، في الوقت الذي تبقي فيه قواعدها العسكرية في خطر. وقال فريدمان، ان الولايات المتحدة، قد تضطر إلى القيام بخيارات صعبة في العراق. موضحا ان أمام واشنطن، خيارين: الأول هو إضفاء الطابع الأفغاني على الأزمة العراقية. أي إنشاء معسكرات آمنة خاصة بها، فيما تترك الساحة مفتوحة أمام التطورات السياسية إلى أن يزداد التوتر بين الشيعة والسنة فتنفجر الأوضاع وتنشب حرب أهلية عراقية، ما يتيح لأميركا، فرصة التدخل في أمور الأطراف العراقية المتنازعة من بعيد، والاهتمام من جهة أخرى بعمليات مختلفة أخرى ضد سورية وإيران، أو غيرها من الدول. أما الخيار الثاني بحسب فريدمان، فهو السعي إلى هزيمة «الميليشيات» العراقية عن طريق اللجوء إلى عمليات، عسكرية وسياسية مختلفة.
وقال كاتب المقال ان الحل التقليدي لأي تهديد ناجم عن «الميليشيات» لقوة محتلة، هو في نقل مسئولية «هم» الاقتتال إلى قوة من البلد المحتل. لكنه استدرك فقال إن إيجاد هذه القوة المحلية ليس بالأمر السهل. وإذ لاحظ فريدمان، ان ما يهدد الولايات المتحدة، ليس «الميليشيات» العراقية وحدها وإنما بروز الشيعة في الجنوب، رأى ان المفتاح الرئيسي لأي استراتيجية في العراق، يكمن في إيران. مشددا على انه في حال تم تغيير النظام الإيراني، بسرعة أو في حال تم إجراء تغيير ملموس على الحكومة الإيرانية الراهنة، يمكن للأميركيين حينها الاعتماد على الشيعة العراقيين لإنشاء حكومة عراقية، وتحمل وطأة التمرد العراقي على الاحتلال الأميركي للعراق. وختم فريدمان، بالقول ان الولايات المتحدة، قد تضطر إلى التخلي عن أشياء لا تريد التخلي عنها أبدا.
لكن غلوبل أنتلجنس (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية)، «شكك» في إمكان نجاح هذه الخطط، فقد اعتبر في تقرير، من على موقعه على الإنترنت، ان التيار الإصلاحي في إيران، قد نضج منذ أواسط التسعينات وحتى اليوم وأشعل موجات من الاحتجاج كانت السلطات الإيرانية قادرة دائما على احتوائها. واعتبر ان احتواء تلك المظاهرات لا ينم عن قوة الحكومة الإيرانية بل على الطبيعة الفوضوية لتلك التظاهرات بالإضافة إلى افتقارها إلى قيادة توحدها وتحركها في الاتجاه الصحيح. ونقل المركز في هذا السياق عن مسئولين إيرانيين في السلطة القضائية ان عدد الذين تم اعتقالهم في صفوف المتظاهرين خلال المظاهرات الأخيرة وصل إلى 4 آلاف شخص. غير ان المركز اعتبر ان هذا العدد كبير مقارنة مع عدد المتظاهرين الذين لم يتجاوزوا عدة آلاف.
وعلى صعيد آخر تناول المركز الأسباب التي أدت إلى عدم استمرار التظاهرات الأخيرة طويلا وأهمها بحسب تصنيفه: أولا القمع الذي تعرض له المتظاهرون من جانب السلطة الإيرانية ما جعلهم يستسلمون، ثانيا افتقاد المتظاهرين إلى الدعم من التيار الإصلاحي الإيراني الرئيسي وثالثا الوجود الأميركي في جوار البلاد ما يجعل المسألة الأمنية تحتل صدارة أولويات الشعب الإيراني أكثر من مسألة الإصلاح. إلى ذلك لفت مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية، إلى ان وسائل الإعلام الغربية أساءت فهم أبعاد موجة التظاهرات الأخيرة بعد أن اعتبرتها خطوة باتجاه إسقاط النظام. مشيرا إلى ان الإعلام الغربي ربما تأثر بمسألتين الأولى ثورة العام 1978-1979 والثانية فهمه الناقص للعلاقة بين تيار الإصلاحيين وعلى رأسهم الرئيس محمد خاتمي، والمحافظين ويقودهم آية الله علي خامنئي. وتابع المركز أن غالبية الإصلاحيين الإيرانيين لا يريدون تغيير النظام الإسلامي بل يطمحون إلى الحد من السلطات «الاستبدادية» للملالي التقليديين لافتا إلى ان التيار الإصلاحي ليس تيارا علمانيا بل هو تيار معتدل ضمن الأصولية الإسلامية الإيرانية يحاول مزج الحداثة بالتقاليد إلى جانب وضع تفسير معاصر للإسلام بدلا من تطبيق تصورات «من القرون الوسطى» على الحياة المعاصرة. من هذا المنطلق لفت المركز إلى ان المراقبين الغربيين والأميركيين بشكلٍ خاص يسيئون تفسير أبعاد التيار الإصلاحي معتبرين انه يريد تطبيق مفاهيم غربية على نظام الحكم في إيران، إلى جانب محاولاته القيام بثورة ضد الحكم القمعي في إيران.
وتابع المركز أن المسئولين الإيرانيين يدركون جيدا التصور الغربي لحقيقة الإصلاحيين الإيرانيين ويحاولون الظهور بمظهر المعتدلين الليبراليين أمام المجتمع الدولي لتعزيز الفهم الغربي المبسط لحقيقتهم. وخلص المركز إلى ان التصور الناقص لدى الغرب عن التيار الإصلاحي الإيراني هو الذي يقود الولايات المتحدة، اليوم إلى محاولات إثارة الاضطراب في إيران. غير ان المركز، لفت في الختام إلى ان الإدارة الأميركي لا تريد إسقاط النظام الإيراني في الفترة الراهنة بل تريد إشاعة حال من التوتر في البلاد لحث المسئولين الإيرانيين على الجلوس إلى مائدة المفاوضات للبحث في المسألة العراقية خصوصا في ما يتعلق بالقضاء على المقاومة في العراق.
لابد من التذكير، بأن «واشنطن بوست»، كانت تطرقت في إحدى افتتاحياتها قبل أسبوعين إلى المسألة الإيرانية، وإذ اعتبرت ان التاريخ يعيد إلى أذهاننا قصصا من وسط أوروبا ومن جنوب شرق آسيا عن ثورات شعبية يقودها طلاب لذلك ليس مستبعدا أن يحصل الأمر نفسه في إيران... لكن الصحيفة الأميركية، رأت ان من الأفضل أن تبقى الإدارة الأميركية ضمن إطار الأمم المتحدة في هذه المسألة وألا تستجيب لمن أسمتهم «الشاذين» في داخل الإدارة الأميركية، الذين يدعون إلى شن حرب ضد إيران أو الذين يطالبون بتزويد المعارضة الإيرانية بالسلاح لإسقاط النظام. وتمنت الصحيفة الأميركية، أن يشق الطلاب الإيرانيون طريقهم نحو الحرية حتى لو قرر «الملالي» الإصغاء إلى الحجج التي سيقدمها إليهم البرادعي
العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ