غياب الشرعية: غياب سلطة فعلية حقيقية تنبثق عن إرادة الجماهير واختيار الشعب الحر والسيد والنزيه، تعمل على تحقيق مصالحه وآماله وتطلعاته والقضاء على آلامه وهمومه، وتقديم حلول عادلة ودقيقة لمشاكله وأزماته، هذا الغياب أدى ويؤدي إلى تفاقم أزمة الثقة على كل الأصعدة، وتوتر الأجواء الدائم ووهن العلاقات المختلفة وزعزعة الاستقرار الذي يكون معه الجميع خاسر ولا رابح إلا العدو ومن يتربص بأوطاننا الدوائر.
غياب مرجعية دينية وفكرية: هذا أمر مهم أيضا ساهم في غياب الثقة واضطراب مكانتها في المحيط العام، هو فقدان مرجعية دينية وفكرية وثقافية يشكلها علماء ومفكرون ومثقفون تسمع لهم وتحترم آراءهم كل الأطراف، متحررون من كل أنواع الضغوط ومظاهر النفوذ والعصب، متعالون عن المطامع والإغراءات من هذا الطرف أو ذاك، وظيفتهم الأساسية يرجعون الأمور إلى نصابها كلما طفح كيل الأزمات وارتفعت رايات الخلاف، يضبطون مؤشر البوصلة دائما على الطبيعي، يكونون صمام أمان وصفارات إنذار ورجال إطفاء، كلما رأوا فتائل الفتنة بدأت بالاشتعال، يجرمون وينزعون الصدقية عن كل المغامرين والمقامرين بالأوطان، يسهرون دائما على تلطيف الأجواء وبث روح الاطمئنان والسكينة لدى الجميع، وتمتين حبال التواصل والوفاق والتعايش وإن اختلفت وجهات النظر.
رواج سوق الشائعات: وهذه نتيجة حتمية لكل العوامل التي سبقت، حيث في ظل غياب تقاليد وقواعد متينة تضبط الواقع السياسي وغير السياسي، وانعدام تقنيات العمل السياسي المؤسس المدروس المحترف، وغياب إعلام حر وفعال وقوي وذي صدقية، وتكريس الأحادية والإقصاء، واستمرار حالات الانسداد والاحتقان، وتعويم كثير من المصطلحات والمفاهيم، ونقص الوعي السياسي المطلوب، كلها عوامل مساعدة على رواج الشائعات وازدهار سوقها وتفريخها وتوالدها بشكل كبير وعلى أوسع نطاق، وفقدان المناعة والحصانة الفكرية والثقافية والروحية والأخلاقية.
الأمر الذي ينتج حتما تسميم الأجواء وارتفاع موجات الشك والاتهام والتهكم، وتغيب الحقائق وتعم الضبابية والغموض، وتتصدع صروح الثقة ويأفل بريقها وتوهجها.
هناك جملة من العوامل كفيلة بإرجاع الثقة وبنائها في النفوس وفي الواقع من جديد، ويتم عندها تجاوز الأزمات والمرور إلى شاطئ الأمان بأقل التكاليف وأسلم النتائج، إن التزم الجميع بها وعملوا بمقتضاها وتعاونوا على تحقيقها وتجسيدها عمليا في الميدان، نذكر من بينها:
صدق النوايا وإخلاص المقاصد في السعي لإيجاد الحلول.
التواضع واحترام الآخر وعدم بخسه أشياءه.
التزام مبدئية الشورى وآلية الديمقراطية.
سلامة الصدور من الأحقاد والابتعاد عن سياسة تصفية الحسابات.
التناصح العام وقبول النصيحة والعمل بها.
الحوار الجاد والفعال.
تأصيل وممارسة ثقافة المصالحة والوفاق.
التنازل المتبادل من أجل المصلحة العامة.
مراعاة أدب الخلاف. فتح أبواب الحريات وصيانة حقوق الإنسان، ورفع المظالم على كل الأصعدة. الالتزام بالمبادئ والعمل بالقواسم المشتركة. تجاوز الحزبيات الضيقة وتوسيع آفاق التعايش.
الترفع عن سفاسف الأمور والأنظار القاصرة، والتفكير الجدي والمسئول في الحاضر والمستقبل.
النقد الذاتي والمراجعة الموضوعية من طرف الجميع.
احترام سيادة الأوطان والحرص على استقرارها.
محاربة كل مظاهر الفساد المالي والسياسي والاجتماعي.
الحرص على نزاهة وشفافية العمليات الانتخابية.
تشجيع ثقافة الكفاءة على حساب ثقافة الولاء في تقلد المسئوليات.
انتشار أبجديات ثقافة الدولة لدى الجميع سلطة ومعارضة.
ضرورة التفريق بين الدولة كسيادة ومؤسسات كملك للجميع، والسلطة كأشخاص وبرامج.
فالواجب على المخلصين في أي موقع كانوا، وعلى أي صعيد هم في أقطارنا العربية، والذين يقدّرون فعلا التضحيات التي قدمت في سبيل الحفاظ على هذه الأوطان موحدة آمنة مستقرة ذات سيادة، أن يسترجعوا زمام المبادرة، لإرجاع القطار إلى السكة الطبيعية قبل فوات الأوان، وقبل أن يبلغ السيل الزبى، وذلك بمبادرات شجاعة ومسئولة، تتجاوز كل المزايدات الرخيصة والحسابات الضيقة، تجعل في حسابها فقط مصلحة أوطانها ووحدتها واستقرارها وأمنها وازدهارها، ورفع الظلم والغبن عن شعوبها، وتأصيل ثقافة المصالحة والأخوة والوفاق والثقة والطمأنينة لديها
إقرأ أيضا لـ "جمال زواري أحمد"العدد 3135 - الخميس 07 أبريل 2011م الموافق 04 جمادى الأولى 1432هـ