في حالة من الغضب والهيجان انفعل أحد المراجعين لأحد مكاتب الطيران، إثر خطأ وقع في بطاقة طيرانه وقال للعاملين بصوت عال ومتوتر: وجودكم وعدمه سواء ولا فرق بينكم وبين هذه الكراسي، فتوترت نفوس من سمعه من الموظفين، إلا أن أحدهم رد عليه بلباقة وابتسامة: «كراسي جميلة وحلوة»، تعال هنا وجرب هذا الكرسي الذي أمامي، اجلس عليه ودعني أخدمك ثم أخبرني برأيك فيه.
يجيد بعض الناس التعامل في الظروف الاستثنائية والمتوترة بلغة تبعث على الثقة، وتزرع الاطمئنان وتبدد الهواجس، وتعيد حالة التوازن، ولا تدفع للأسوأ.
لغة قادرة على الاحتواء والجذب والتقريب والحماية وتأطير المشاكل ومحاصرتها وتضيقها ثم الإجهاز عليها بالحلول والمعالجات.
يؤسفني القول إن هذه اللغة قليلة التداول في محافلنا وخطبنا وكتاباتنا، فاللغة الغالبة هي لغة الهياج والتوتر والاتهام والتشكيك والتجريح، وهذه لغة خائرة ومفلسة بامتياز.
ليس مهماً من أين صدرت هذه اللغة، ومن أي عقل انطلقت، وبأي قلم كتبت، كما ليس مهماً أن يكون كاتبها وقائلها محسوباً على الصنف الديني أو الإعلامي أو الثقافي أو السياسي، المهم في الأمر أن هذه اللغة تدفع للتوتر وتعدم فرص المعالجة للأمور والقضايا.
قال لي أحد الأصدقاء من العاملين في مجال التجارة، إن أغلب وظائف مؤسساته ليست من جنسية بلده، وخصوصاً تلك الطواقم العاملة في مجالي الاستقبال والتسويق، لكنهم جميعاً من دول عربية، وحينما لاحظ علامات التعجب ترتسم على وجهي، قال لي: نحتاج لمن تسبق الكلمات الطيبة لسانه، ويكون قادراً على امتصاص ردات الفعل المختلفة مهما قست وتوترت، وهذا غير متوافر في طبيعتنا الجافة لأغلب الناس.
ليس معنى هذا أننا نفتقد اللسان والقلب الطيب بيننا، ولكن نفتقد القدرة - غالباً - على الحديث والتعبير الإيجابي في العديد من قضايانا ومشاكلنا واختلافاتنا.
في الظروف الاستثنائية والمتوترة تقفز لغة الاستعداء بالتوتر إلى نسب عالية جداً، وتدفع إلى بلورة رؤى وتصورات غير حميدة، وأحياناً تجر إلى سبل ذات تضاريس وعرة، ولعلي لا أبالغ إن قلت إن أفضل دافع ومحفز لخندقة الأطراف وبُعدها عن الحلول المناسبة لأزماتها هو تلك الكلمات الخالية من حس المسئولية والمليئة بالتشويه والموغلة في التقريع والإذلال.
هنا تجب الإشارة إلى أن اللغة القاسية وبال في نتائجها ومآلاتها، وقد ورد عن رسول الله (ص) «ما وضع اللين في شيء إلا زانه وما رفع من شيء إلا شانه».
فهل تدفعنا العصبية لتخريب أمورنا؟
أم هو غباء نمارسه تحت نشوة الغلبة وتضخم الذات؟
لقد أعجبني مقال لـ زيد علي الفضيل تحت عنوان «اللغة والإنسان شيء من الروح وقليل من التعقل»، وقد جاء فيه «لم نزل غير مُبالين بما نقول، حيث لم تتشذب عديد من ألفاظنا، وتتطور سياقاتها بشكل خلاق، لتنعكس على حياتنا بصورة مثلى، فاستفاضت بين ظهرانينا ألفاظ الإقصاء والتخوين، ناهيك عن التبديع والتفسيق، بلوغاً إلى حدِّ التكفير في صورته الضمنية والمطلقة؛ وكان من نتائج ذلك تعميق الفجوة بين أبناء الأمة الواحدة، وتشتيت بل تدمير قدراتها المتنوعة» (صحيفة «المدينة» السعودية 13 / 3/ 2011)
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3131 - الأحد 03 أبريل 2011م الموافق 29 ربيع الثاني 1432هـ
عجبتني ما هذة العبقرية
يبدوا ان لك قدرة عظيمة في تحليل المواقف ,فعلا لغة الهياج والتوتر والتشكيك والتهام والتجريح كانت لغة من ظن تحت تاثير النشوة بان الغلبة له فتضخمت ذاته الا انه خبأ نار لغتة .... ونحمد الله ان حفظ البحرين للشرفا فقط وعرى الخائنين
yes
the custmer is always right
عساف خليجي
غرور النفس واحيانا نقص فيها يجعلها تبتعد عن لغة الهدوء وانضباط النفس وخاصة عندما تجد من يسندها ويصفق لها في محيطها اللاعقلاني المعتمد فقط على منطق القوة والتخويف كمن يلوح بعصا في وجه ابنه طيب حاوره بعقلانية وصدق حتى تكسبه والكل يكون رابحا في المعادلة .
جميل
كلام جميل جدا
أفادتنا الكثير
شكرا شكرا مقال يجب أن يطبق في جميع المجالات ..
مقال جميل
عساكم على القوة