العدد 3131 - الأحد 03 أبريل 2011م الموافق 29 ربيع الثاني 1432هـ

المجتمع والنظام السياسي في اليمن ... الفاعلون غير الرسميين في اليمن (1)

إن مفتاح الفهم للفاعلين غير الرسميين يكمن في عملية إعادة إنتاج القوى اللاعبة ضمن عملية صراع لا تحتكم للدستور والأطر القانونية ضمن مؤسسات الدولة، بل من خلال محددات القوة والعلاقات خارج بنية الدولة ومؤسساتها.

ويتجلى ذلك بوضوح في القبيلة، حيث لا تكمن قوة البنى القبلية في ذاتية القبيلة واستعصائها على التحديث والإدماج ضمن كيان الدولة، بل من خلال عملية الصراع السياسي التي تسعى القوة المتصارعة من خلالها - خاصة الحزب الحاكم - إلى إعادة إنتاج القبيلة ومنظومتها الثقافية للاستقواء بها، وجعلها السند الاجتماعي لها. وفي المقابل هناك ضعف شديد في بنية المجتمع المدني وأطره المؤسسية الحديثة، بل هناك إضعاف له انطلاقا من عدم تلاقي مصالحه مع مصالح القوى المهيمنة سياسيا وقبليا.

وهكذا، فبقدر ما تستند النخب السياسية إلى سند قبلي فإنها تضعف من قدر الدولة ومؤسساتها وتحط من هيبتها، الأمر الذي ترتب عليه ولسنوات طوال تقوية المجتمع القبلي وإضعاف لمرتكزات الدولة ومؤسساتها. وهنا فقط ظهر الفاعلون غير الرسميين في المشهد السياسي ضمن عمليات صراع عنيفة تعددت أطرافها ودعواتها ومرجعياتها، ليصبح اليمن دولة فاشلة غير قادرة على فرض وجودها الرمزي والمادي في آن واحد.


أولاً: طبيعة المجتمع اليمني

اليمن كما تعرفه الكثير من المنظمات الدولية ومراكز الأبحاث مجتمع تقليدي دخل مسار التحديث متأخرا، تبرز فيه القبيلة والعشيرة كبنى اجتماعية فاعلة ومقررة وليست مجرد تشكيلات تنتمي إلى الماضي. فبنية القبيلة الاجتماعية تشكل السمة المميزة للتركيب الاجتماعي، وفاعليتها لا ترتبط بالسلوك الفردي فحسب بل بالسلوك الجمعي أيضا وضمن مجالات الفعل السياسي والاجتماعي.

وتعد الأسرة الممتدة هي القاعدة العريضة التي تتكون منها القبيلة، وتشكل الرابطة القبلية العامل الرئيسي والأكثر أهميه في البناء القبلي خاصة في مناطق الشمال والشمال الشرقي من البلاد.

وتتسم العلاقات الاجتماعية في كل من تهامة وتعز وإب وعدن (مناطق الجنوب والوسط والساحل) بالطابع الفلاحي والفردي المعتمد على أساس الارتباط بالأراضي الزراعية والاندماج في إطار السلطة الإدارية والسياسية للدولة المركزية. فالبناء الاجتماعي في هذه المناطق يرتكز على عامل الارتباط والاشتراك في المكان أكثر مما يجمع بينها عامل النسب، أي يرتكز على التنظيم الإداري والإقامة وما يرتبط بها من عمليات الاتصال وتنمية المصالح المشتركة (فؤاد الصلاحي/ ثلاثية الدولة والقبيلة والمجتمع المدني/ مركز المعلومات/2001/ص 38- 42).

عامة يمكن القول إن المجتمع اليمني يتصف بتعدد البنى القبلية والعصبوية الفاعلة التي تناقض نظام الدولة وضوابطها المدنية، في حين نجد أن شكل نظام الحكم ونصوصه الدستورية والقانونية لا تتحكم أو توجه العقل السياسي للمجتمع اليمني، بل لايزال هذا العقل محكوما بقوة الموروث الاجتماعي وثقافته. واللافت أن تعدد البنى القبلية يتقاطع مع التصنيف المذهبي والتواجد الجغرافي إلى حد كبير، فهناك ثلاثة اتحادات قبلية (حاشد وبكيل ومذحج) تمثل الكيانات القبلية الكبيرة في اليمن، أبرزها قبيلة حاشد التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية وغالبية القادة العسكريين.

واليمن بلد شبه متجانس مذهبيا، حيث يسود فيها مذهبان اثنان تقاربا تاريخيا في الكثير من رؤاهما الدينية وتعايشا دون صراعات عدا فترات محدودة، وغالبية السكان هم من أتباع المذهب السني الذين يقدرون بنسبة تقترب من 70 %، ويتركزون في المناطق الجنوبية والساحلية والهضاب الوسطى (انظر دراستنا بعنوان «التحديات الاجتماعية التي تواجه اليمن في عشر سنوات 2006- 2015» صحيفة القدس العربي- لندن- 24، 25 أكتوبر 2006)، وهناك أتباع المذهب الزيدي الذين تقدر نسبتهم بما يقرب من 30 %، تعيش غالبيتهم في المناطق الشمالية. وهناك أيضا أقليتان إحداهما الطائفة الإسماعيلية القليلة العدد التي تصنف كجزء من الشيعة، والأخرى هي اليهودية ولا يتجاوز عدد أفرادها المئات، بعد أن هاجر غالبيتهم إلى إسرائيل في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي ضمن خطة منظمة لتهجيرهم.

وعامة لا توجد مشكلات بين أفراد المجتمع على أساس خلفيتهم القبلية والمذهبية إلا في أوقات الأزمات، حيث تبرز بعض العصبيات لدى البعض استنادا إلى مرجعياتهم، كما هو الحال مع الأزمات السياسية والاقتصادية الراهنة، حيث شاعت أحاديث مع تفشي البطالة والفقر عن الوساطة والمحسوبية وتوفير فرص العمل وفق العلاقات القبلية والمذهبية، دون النظر إلى المؤهلات والكفاءة.

وقد بدأت علامات التبرم تظهر على بعض أبناء القبائل من استحواذ قبيلة حاشد على النصيب الأكبر من السلطة والثروة، ودفع ذلك بأبناء قبيلة «بكيل» لتأسيس تجمع قبلي لهم ضمن إطار تنظيمي رفعوا فيه شعار المساواة مع قبيلة حاشد، كما ظهرت في الوقت نفسه دعوات لإعادة التجمعات القبلية في بعض مناطق الجنوب. وهذا فضلا عن تحدث أبناء الجنوب عن إقصائهم من فرص العمل ومن المناصب السياسية.


ثانياً: بنية السلطة ووظيفتها

اليمن دولة عربية إسلامية ذات نظام جمهوري، أعلن في الشمال العام 1962 عقب قيام ثورة 26 سبتمبر (أيلول)، وأعلن في الجنوب العام 1967 في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد تحقيق الاستقلال من الاستعمار البريطاني، وكلاهما اندمجا في دولة واحدة في 22 مايو/ أيار 1990 وفق عملية توحد سلمي بين كيانين سياسيين.

هكذا ظهرت الجمهورية اليمنية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 23 مليونا تتوزع البلاد على 21 محافظة يتوزع فيها السكان جغرافيا على أربعة مستويات، المناطق الجبلية والهضاب والساحل ومناطق البدو، إضافة إلى الجزر البحرية.

ووفقا للدستور يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية تتوزع السلطات فيه على ثلاث: السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، ثم السلطة التشريعية وأخيرا السلطة القضائية، مع الفصل بينها وظيفيا. غير أن واقع الممارسة يعكس سيطرة كاملة للسلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية على بقية السلطات، حيث يحظى الرئيس بصلاحيات واسعة تفتقد معه السلطات الأخرى لأي دور فاعل ومستقل.

والجدير بالذكر أن التوسع في صلاحيات رئيس الجمهورية جاء عقب الحرب الأهلية في صيف العام 1994، حيث عمد الفريق المنتصر إلى إجراء تعديلات دستورية واسعة لم تحظ بإجماع القوى السياسية في البلاد. ووفقا للدستور ينتخب الرئيس من خلال عملية تنافسية لدورتين انتخابيتين فقط كل منهما سبع سنوات وفقا للدستور المعدل العام 2001

العدد 3131 - الأحد 03 أبريل 2011م الموافق 29 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً