اثارت العلاوات التي مُنحت لأعضاء مجلس النواب حفيظة الكثيرين من المواطنين، بل قل كل المواطنين، إذ اعتبروا هذه الزيادة بمثابة استغلال من عضو المجلس النيابي لسلطاته في اغداق العطايا والنعم والعلاوات على نفسه، وبدلا من ان يكون رقيبا وحسيبا على الاموال العامة صار هو من يتجرأ على هذه الأموال ويغرف منها من دون سند من القانون. وبعض المواطنين ذهب إلى ابعد من هذا حينما اعتبر أن هذه العلاوات والعطايا والمنح بمثابة الرشوة من الحكومة لأعضاء المجلس لاستمالتهم اليها وقيادتهم نحوها فيصبح النواب بذلك جزءا من السلطة التنفيذية.
والسؤال المطروح هو: هل يجوز قانونا ان يحصل اعضاء مجلس النواب على مغانم كثيرة من حساب الخزينة العامة للدولة وبالتالي الاثراء بلا سبب وعلى غير سند من القانون؟ في حين ان المكافأة التي يحصل عليها عضو كل من مجلس الشورى ومجلس النواب محددة سلفا.
الأساس القانوني للمكافأة
لقد تأسست مكافأة اعضاء كل من مجلس الشورى ومجلس النواب بناء على المادة (96) من دستور 2002، التي تقضي بأن (تحدد بقانون مكافأة اعضاء كل من مجلس الشورى ومجلس النواب وفي حال تعديل هذه المكافآت لا ينفذ هذا التعديل إلا ابتداء من الفصل التشريعي التالي). لقد اوجبت هذه المادة على المشرع ان يصدر قانونا بمكافآت اعضاء مجلس الشورى ومجلس النواب يتم فيه تحديد المكافأة وما يدخل فيها وما يخرج عنها، إلا ان هذا القانون لم ير النور ولم نجد له موقعا بين القوانين، فكان ينبغي على المشرع ان يقوم بإصدار قانون مستقل ينظم صرف هذه المكافأة وليس تخصيص عدة مواد ضمن المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب وهي المواد (40 - 41 - 42).
حددت المادة (40) من المرسوم بقانون بشأن مجلسي الشورى والنواب مكافأة كل من عضو مجلس الشورى ومجلس النواب بمقدار ألفي دينار (2000) عن كل شهر وتستحق من تاريخ اكتسابه العضوية بينما حددت المادة (41) مكافأة كل من رئيسي مجلس الشورى ومجلس النواب بما يعادل راتب الوزير إذ قضت بأنه (يتقاضى كل من رئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النواب مكافأة شهرية تعادل راتب الوزير وتستحق من تاريخ اختياره رئيسا) كما ان المادة (42) حددت مكافأة نائبي مجلس الشورى ونائبي مجلس النواب إذ قضت بأنه (يتقاضى كل من نائبي رئيس مجلس الشورى ونائبي رئيس مجلس النواب مكافأة شهرية مقدارها ألفان وخمسمئة دينار (2500) وتستحق المكافأة من تاريخ انتخابه نائبا للرئيس).
لقد حددت المواد الثلاث مكافأة كل من رئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النواب ونائبي رئيس مجلس الشورى ونائبي رئيس مجلس النواب واعضاء مجلس الشورى واعضاء مجلس النواب بصورة قاطعة لا تحتمل التأويل ولا تدعو إلى الشك، فالمكافأة هي مبلغ معين مقطوع لا تدخل فيه اية علاوات أو أية منح ولو ان المشرع اراد اضافة علاوات او منح اخرى على المكافأة لذكرها بالنص، وعلى هذا فكل زيادة على هذه المكافأة مهما تمت تسميتها فهي اثراء بلا سبب وعلى غير سند من القانون واعتداء على الاموال العامة وليس هناك ما يمكن التعويل عليه بأن مثل هذه العلاوات رصدت في الموازنة العامة.
انه من غير المقبول حتى من الناحية الادبية ان يقوم اعضاء مجلس النواب وهم يمثلون ضمير الامة بالتوسل لطلب الحصول على مغانم من جراء تمثيلهم للشعب في المجلس. هذا الشعب الذي منحهم الثقة بالمراقبة وليس التسابق في طلب العطايا والهدايا والمنح، وكان حري بهم رفض هذه العلاوات والمنح حتى ولو قدمت إليهم من دون ان يطلبوها حتى يثبتوا للأمة بأنهم لم يوجدوا في هذا المجلس من اجل الحصول على منافع مادية وادبية لشخوصهم.
اننا عندما نناقش هذا الموضوع ونبحث عن السند القانوني لهذه العلاوات لم ننطلق من باب الحسد وانما ننطلق من المحاسبة والقانون ومنحنا الثقة لهؤلاء النواب عندما صوتنا لهم.
ان النائب الذي يرتضي لنفسه عطايا ولا يحترم القانون ويهمل مطالب الناخبين من حيث تحسين مستواهم المعيشي وينسى هموم الامة فهو غير جدير بالاحترام.
حجب الأوسمة
وقد احسن المشرع صنعا عندما حجب عن النائب الاوسمة والنياشين وغيرها مما يدخل في هذا الباب إذ نصت المادة (100) من دستور 2002 على انه (لا يمنح اعضاء مجلس الشورى أو مجلس النواب اوسمة اثناء مدة عضويتهم). لقد قصد المشرع الدستوري من هذا المنع المؤقت ان ينزه النائب وينيئ به عن الوقوع في اغراءات واحضان السلطة التنفيذية لأن العضو يمثل ضمير الامة والقيام بمثل هذا العمل من صميم اختصاص النائب فالوسام لا يمنح إلا لمن عمل عملا متميزا.
هل العلاوات من قبيل الرشوة؟
اذا كانت تلك العلاوات الاضافية التي انهالت على اعضاء مجلس النواب في جو من الكتمان والتستر ليس لها سند قانوني وتعصف بها ضمائر الامة فهل معنى هذا أن هذه العلاوات بمثابة الرشوة من الحكومة إلى النواب لاستمالتهم اليها اكثر مما هم عليه الآن؟ دعونا اولا نُعرِّف الرشوة كما وردت في المعاجم وغيرها من كتب اللغة، فالرشوة في اللغة هي الجعل، وما يعطى لقضاء مصلحة، وقال القيومي الرشوة ما يعطيه الشخص للحاكم ليحكم له او يحمله على ما يريد، والرشوة في الاصطلاح ما يعطى لإبطال حق او لإحقاق باطل، وعلى هذا فرشوة المسئول عن عمل حرام بلا خلاف وهي من الكبائر وقال الله تعالى: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون» (البقرة 188) فلو دققنا في الامر مليا لرأينا أنه ليس هناك وجه من اوجه الحق يجيز لهؤلاء النواب ان يأخذوا أكثر مما حدده القانون وكل زيادة تأتي من الابواب الخلفية هي من قبيل الرشوة التي تهدف - فيما تهدف اليه - إلى استمالة العضو إلى جانب السلطة وبالتالي اذا كان عضو المجلس من هذا القبيل فيفقد صدقيته امام الامة إذ يصبح منقادا للسلطة ومطواعا لأوامرها سهل الانقياد لأن السلطة اشترت ضمير هذا النائب بهذه العطايا والهدايا التي ليس له حق فيها وإنما هي من اموال الخزانة العامة.
الخلاصة
ونخلص مما تقدم إلى ان الركون إلى السلطة وطلب ودها والتقرب اليها ليس من اخلاقيات النائب الذي يمثل ضمير الامة التي منحته الثقة ليعبر عنها ويمثلها في المراقبة والحاسبة، كما ان العلاوات والمنح التي منحت للنواب ليس لها سند قانوني يجيزها وانما كان هدفها هو استمالة النواب - كما ذكرنا - وبالتالي السيطرة على ضمائرهم، ونعتقد أن من حق الامة محاسبتهم حسابا عسيرا في المرات التي سيرشحون انفسهم فيها للانتخابات المقبلة لأن المحاسبة في حقهم واجبة والسكوت عن فعل كهذا لا يجوز حتى يتبين الحق من الباطل، كما اننا نعتقد بأن السلطة التشريعية خرقت القانون وتجاوزته وهي الحامية لهذا القانون، فكيف تستقيم الامور القانونية (اذا اتاك الالم من بطنك)؟
العدد 313 - الثلثاء 15 يوليو 2003م الموافق 15 جمادى الأولى 1424هـ