«رجعونى عينيك لأيامي اللي راحوا
علموني أندم على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ماتشوفك عينيّه
عمر ضايع يحسبوه إزاي علَيَّ
أنت عمرى اللي ابتدى بنورك صباحه»...
هذا مقطع استهلالي من أغنية «أنت عمري»، التي كتب كلماتها أحمد شفيق كامل، ولحنها الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وشدَت بها سيدة الغناء كوكب الشرق أم كلثوم، في منتصف الستينيات من القرن الماضي. المهم في هذه الأغنية أنها جاءت بناء على طلب خاص من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر من قمة الغناء العربي أم كلثوم، وقمة التلحين العربي حينها محمد عبدالوهاب، وإذا لم تخنّي الذاكرة، فقد صدر، حينها، عدد مجلة من «المصور»، أو «آخر ساعة» المصريتين، وعلى غلافه الخارجي صورة القمتين وتحتهما بالخط العريض «لقاء القمة». وبالفعل كانت الأغنية إحدى قمم الإبداع والأداء الفني العربي، حيث حرص عبدالوهاب على أن تكون مقدمة الأغنية مقطوعة موسيقية غنية طويلة، ألهبت مشاعر المستمعين، استنجد فيها عبدالوهاب بكل طاقاته الإبداعية. ولم تكن أم كلثوم بأقل من ذلك فكانت قمة متألقة في الأداء، فصدحت حتى أخذت بألباب من في مسرح سينما قصر النيل. وكما قيل حينها، كان عبدالناصر يحاول أن يسجل سبقاً فنياً مصرياً يرد فيه على كل من حاول حينها اتهام ثورة يوليو 1952، بدهورتها لمستوى أداء الحركة الفنية المصرية، وفي المقدمة منها فن الغناء.
لكن هناك رواية سياسية أخرى انفردت بها مجلة «المجلة» السعودية، في الثمانينيات، في الملف الذي خصصت معظم صفحاته للكشف عن العلاقة بين أجهزة المخابرات العربية والفن، حيث اعتبرت «المجلة» أن «فكرة لقاء يجمع بين عبدالوهاب وأم كلثوم خرجت من أقبية الاستخبارات العامة المصرية وهي التي أوحت للزعيم جمال عبدالناصر للضغط على الطرفين من أجل إتمام ما أسمته الصحافة الفنية المصرية آنذاك بـ «لقاء السحاب» في كناية عن لقاء قمة التلحين مع قمة الغناء، والسبب حسب المجلة نفسها أنه في خضم الحرب الباردة آنذاك مع العدو الصهيوني ورغبة مصر في تقوية زعامتها للتيار القومي العربي، أرادت المخابرات المصرية حدثاً استثنائياً يشد الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج إلى راديو «صوت العرب» فلم تجد أفضل من مشروع أغنية تجمع هرمين لا يلتقيان إلا كما تلتقي السحب في السماء، والحقيقة أن الذين عاصروا هذا الحدث أكدوا ما يزكي هذه الرواية فقد سبقت إذاعة الأغنية دعاية لم تسبق أغنية في تاريخ الغناء العربي بل واستمرت إذاعتها شهوراً وشهوراً». إذاً كما قرأنا استعانت المخابرات المصرية بالفنانين من أجل حل مشكلة من مشكلات مصر، أو بالأحرى العرب، السياسية، ولم يكن هناك أفضل من «قمة السحاب» تلك لتحقيق ذلك الغرض «القومي»، بغض النظر عن موقفنا من المخابرات العامة المصرية، أو ثورة يوليو الناصرية.
تحضرني هذه القصة، ونحن نواجه، دون أي استثناء، المأزق السياسي الذي تعيشه البحرين اليوم، منذ أحداث «دوار اللؤلؤة»، حيث يحاول الكثير منا البحث عن حل ينتشل البحرين من هذا المأزق، بعد أن دخلت البحرين نفق «الحل الأمني»، الذي قد يستغرق مجرد ثلاثة أشهر، لكن ليست هناك أية ضمانات، ولا حتى مؤشرات تحول دون تمطيه كي يبقى لما يزيد عن تلك الفترة. لذا لابد من البحث عن مخرج غير تقليدي يساعدنا على تقليص فترة الحل الأمني، والإسراع في تنفيذ الحل السياسي.
ولربما يكون أفضل الحلول التي ترد على البال اليوم، هو لقاء قمة فوق السحاب بين أعلى مرجعيتين سياسيتين/ دينيتين بحرينيتين في آن، وهما الشيخ عبداللطيف المحمود، والشيخ عيسى قاسم، انطلاقاً من ثقتنا بالمكانة العالية التي يحتلها الاثنان، كل على حدة، في صفوف طائفتيهما. نقول ذلك بعد أن أخذت الحالة السياسية البحرينية تتجه، شئنا أم أبينا، واعترفنا أم أنكرنا، نحو «التخندق الطائفي»، من جهة، وفي طريق شبه مسدود على المستوى السياسي من جهة ثانية. وكما يبدو في الأفق، لم يعد في وسع أي تنظيم سياسي مدني أن يخاطب الطائفة السنية، وعلى مستوى واسع النطاق، ويفترض استجابتها له، أن يتجاوز الشيخ عبداللطيف المحود، والأمر كذلك بالنسبة للشيخ عيسى قاسم عند الحديث عن التوجه نحو الطائفة الشيعية.
ربما يستفز هذا الطرح الكثير من القوى الليبرالية والعلمانية، وقد يثير حفيظة أعضاء المؤسسة التشريعية في مجلسي الشورى والبرلمان، وقد يغضب أعضاء مجالس إدارة العدل من منظمات المجتمع المدني، ومن غير المستبعد أن يكون فيه بعض التحدي للسلطة التنفيذية، لكنها جميعاً، ودون أي استثناء فشلت في تقديم الحل السياسي المطلوب لانتشال البلاد من أزمتها الحالية. من هنا لم يبقَ هناك من ورقة يمكن لعبها في ميدان الصراع السياسي اليوم أفضل من الورقة الدينية.
لذا نناشد قمتي الطائفتين، أن يعضّ كل واحد منهما على جراحه، بل جراح طائفته، ويضع جانباً نسبة عالية من كبريائه، ويتوجهان، بقلوب صافية، إلا من حب البحرين، التي لا يشك أحد في تملكه لهما. ولذا ينبغي أن تكون مصلحة البحرين، كوطن أولاً، ومجتمع مدني ثانياً، فوق كل المصالح، ومستقبلها السياسي قبل أي مستقبل آخر لأيٍّ من الطائفتين.
لا ينبغي أن يثير مثل هذا الطرح حفيظة أيٍّ من القيادات الدينية الأخرى، في كلتا الطائفتين، فالحديث هنا هو محصلة الجمع بين المكانة الدينية، والثقل السياسي، ومن ثم فهو لا يفترض أن ينظر له على أنه انتهاك لمكانة الزعامات الدينية الأخرى، ولا تحدٍّ لقيادات التيارات الوطنية الديمقراطية السياسية. فما أثبتته الأحداث الأخيرة أن هاتين الشخصيتين، وحدهما، دون غيرهما قادرتان، كل في صفوف طائفته، على تحريك شارعه في الوقت الذي يحدده، وبالحجم الذي يحتاجه
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3128 - الأربعاء 30 مارس 2011م الموافق 25 ربيع الثاني 1432هـ
كاتبٌ مميز
لن أخفيك سيدي أنني صرتُ أنتظر مقالاتك بشغف
يروق لي طرحك وأفكارك
ومع احترامي لما قاله الأخوة وماكرروه عن كون المشكلة ليست بين السنة والشيعة
فأنا أقول
أنها وبكل أسف صارت حربًا معلنةً طائفيةً بامتياز، ولايمكن الخروج بحلول للأزمة السياسية إلى عبر تخطي هذا النفق المظلم..نتمنى أن تعود النفوس إلى رشدها، وأن تجد العقول لها في الاتزان مستقرًا فقد بلغت القلوب الحناجر!
بوركت أستاذنا
فعلا
مايوجد بيينا شرخ طائفي هذي كلها فبركات الحكومه عشان يكوون عذر الى استخدام العنف ؟؟؟ ضد الشعب وعمره مانفع طريق الامني ولاكن الاسلووب الصحيح اهوو السياسي
اخوان سنة وشيعة
استادي العزيز اعرف جيدا انك مخلص لهذا الوطن ولكن انت تعرف جيدا ليس هناك شرخ وازمة طائفية
(طبعا لن ينشر كالعاده)
الكاتب الموقر: الأصلاح مطلب لاعوج فيه.. لكن لنترك المحاباه جانبا".. ما يسمي بالمعارضه أرادت الأستأثار بكل شئ و لم تستعوب(الي الآن) بأن هناك كتله- مهما صغرت او كبرت- لها حقوق أيضا". الوفاق لم توفق لتسير بالبحرين نحو الأصلاح.. سارت نحو العنصريه الأستفراديه.(طبعا لن ينشر كالعاده)- بالمناسبه هل رأيت مقابلة الشاعر و مافعلوه بالشرطه "الأسري"؟؟
لدينا خامات طيبة في كلا الطائفتين
لدينا خامات تتميز بالطيبة وبالمحبة والقبول لدى كل الأطراف ومكانتها المقبول حتى عالميا.
هذا هو مجالها الآن لكي تتحرك ولكي تستغل ما آتاها الله من جاه ونفوذ في إصلاح ما أفسدته
الأيام الخالية
بادرة موفقة
حل ممتاز لما يتعلق بمشروع الفتنة الطائفية على مستوى الشعب بكلتا طائفتيه .
لكننا في الواقع نواجه مشكلة سياسية , الحكومة قطب الرحى فيها .
حس وطني
ان الحس الوطني الداعي الى توحيد الضفوف هو سمة واضحة في جريدة الوسط اليوم فبعد مقالك الرائع يا اخي الفاضل كان عمود د الجمري عن وحدة القلوب وهذا جل ما نتمناه و تتمناه البحرين في هذه المرحلة بالذات . والله فانا الان ارفع القبعة لكما .
الخلاف ليس بين السنة والشيعة
المقترح الذي يطرحه عزيزنا الكاتب منطلق من حرص شديد ومحبة لجميع البحرينيين لكنه للأسف يحرف القضية عن مسارها الصحيح من خلاف سياسي بين الحكم وجزء من المحكومين إلى خلاف أهلي بين المحكومين أنفسهم وهذا ما كانت بعض أطراف السلطة تسعى إلى ترويجه لتتخلص من مسئوليتها ولتبرر استخدامها للعنف بحجة حفظ السلم الأهلي، ثم ماذا لو لم يتفق المحمود وقاسم فالنتيجة ستكون حتما تعميق الإنشطار المجتمعي الذي كانت ولازالت تحاول السلطة إحداثه ضمن سياسة فرق تسد
حبيب الهملي
والله يبتها
اوافقك الرأي اخي الفاضل نحن في امس الحاجة لهذا اللقاء ليس فقط لطرح حلول للقضايا الامنية و انما لرأب الصدع الطائفي الذي حتما لم و لن ينتهي بانتهاء الثلاثة شهور المقبلة
اننا يا عزيزي نواجه الان اخطر ما يمكن لمجتمع مدني ان يواجهه ولن تكفي الجهود الفردية التي يحاول ان يبذلها قلة قليلة من هذا الطرف او ذاك او حتى كثر من عقلاء هذا الوطن . اعتقد بانك و بالغامية (يبتها وما ايبها الا ارجالها) مبادرة الاستعجال في لقاء السحاب ربما يكون هو الخطوة الاولى ولعلنا بعدها نتسارع في الخطى لانقاذ ما يمكن انقاذه