قد يتساءل البعض: هل ثمة اختلاف في الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي في النظم الوراثية عنه في النظم الجمهورية؟ يظهر التحليل الأولي أن هناك على الأقل ثلاثة أنواع من الاختلافات:
الأول: البعد التاريخي، إن النظم الجمهورية في المنطقة العربية هي نظم حديثة العهد، فجميعها يرجع إلى مرحلة ما بعد انتهاء الاستعمار، بخلاف النظم الوراثية في المنطقة العربية، فجميعها يرجع إلى مئات السنين. وترتب على هذا البعد التاريخي أن النظم الوراثية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المجتمعات، ومن نضالها الوطني، ومن تطورها الاقتصادي والاجتماعي.
الثاني: البعد الديمغرافي في النظم الجمهورية العربية، فإن النخبة المسيطرة قليلة العدد، فهي تتضمن الرئيس وبطانته ووزراءه وبعض النخب الاقتصادية أو الفكرية (من رجال الأعمال والمثقفين والسياسيين والإعلاميين) الذين ارتبطوا به، وهم في كثير من النظم الجمهورية لا يزيد عددهم عن بضع مئات تحسب على أصابع اليد الواحدة. أما النظم الوراثية، فإن أعدادها كبيرة لأنها ارتبطت بالتطور الديمغرافي في نفس المنطقة، ومن ثم فإنها ترتبط ديمغرافياً بالمجتمع وتركيبته الديمغرافية.
الثالث: البعد الديني والطائفي، ذلك لأن النظم الجمهورية ينتمي رئيسها في معظم الأحوال إلى أصحاب الديانة أو الطائفة السائدة (السنة أو الشيعة أو المارون في لبنان)، وإن كان هناك استثناءان بارزان هما حالتا العراق وسورية. أما النظم الوراثية فإن المسئولين فيها موزعون بين طوائف المجتمع كوزراء ورجال أعمال وسياسيين وإعلاميين ومفكرين ورجال دين، وتنتمي الشريحة العليا فيها إلى إحدى طوائف المجتمع أو إلى أحد أديانه السائدة، وهذا ينطبق على معظم الدول ذات النظم الوراثية.
ما هي دلالات هذه الفوارق والاختلافات؟ يمكننا القول إن هناك ثلاث دلائل واضحة:
الأولى: ارتباط النخبة الوراثية الحاكمة بنسيج المجتمع وكيانه الديمغرافي والعقائدي والاقتصادي، ومن ثم فإن حصولهم على السلطة ارتبط بالتطور التاريخي لتلك الدول.
الثانية: النظم الجمهورية تعد قياداتها نبتاً هامشياً في المجتمع، فلو أخذنا صدام حسين، أو حسني مبارك أو بن علي أو علي عبدالله صالح أو القذافي أو حافظ الأسد ونجله بشار، فإن جذورهم تنبع فقط من كونهم مواطنين أفراداً في الدولة وشاء القدر لسبب أو لآخر أن يصلوا إلى قمة السلطة، سواء نتيجة الانتماء للقوات المسلحة أو للحزب السياسي الحاكم الوحيد والمسيطر.
الثالثة: إنه من المفارقات العجيبة، أن النظم الوراثية العربية تظهر إحساساً بالمجتمع ومواطنيه ومعاناتهم، فإذا حدثت مطالبات تجد أن استجابتهم أسرع وأفضل من النظم الجمهورية، وهذا ما حدث في البحرين والسعودية وعمان والمغرب وغيرها، في حين أن المفترض أن يكون العكس هو الصحيح.
وترتب على ذلك مفارقة أكثر غرابة أن النظم الجمهورية العربية نسيت طبيعتها، وتحولت إلى نظم وراثية أو شبه وراثية سواء في سورية أو مصر أو ليبيا أو تونس أو اليمن أو العراق أو غيرها. لأن قادتها كما سبق الإشارة وصلوا للسلطة دون تهيئة ثقافية وسياسية في معظم الأحوال، ومن ثم عضوا عليها بالنواجذ ولا يرغبون في تركها إلا بإحدى الحسنيين (الإطاحة بهم أو المعونة الإلهية المنقذة) ويعملون على توريثها، بخلاف المفترض من المفهوم الجمهوري.
ولعله من المفارقات غير المنطقية في التحليل السياسي والاجتماعي أن تجد أن الحالة الاقتصادية لمواطني الدول الوراثية أحسن من مواطني الدول الجمهورية، حتى أن الدول الجمهورية الغنية بالنفط أحوال شعبها سيئة لا تختلف كثيراً عن مواطني الدول الجمهورية التي ليس بها نفط، مثال حالة شعب ليبيا وبخاصة في بنغازي وحالة الشعب العراقي وغيرها، بعبارة أخرى أن حالة نهب الثروات الوطنية في النظم الجمهورية أكثر وأوسع نطاقاً من نظيراتها في النظم الوراثية.
ولذلك فإن الإصلاح في النظم الجمهورية ليس أمامه من وسيلة سوى الإطاحة بالرئيس، وأعوانه وبطانته وحزبه وكتابه وإعلامه، لتغلغل هؤلاء في بنية النظام وإفسادهم للمجتمع بأسره.
في حين أن التطور الديمقراطي في أوروبا حوّل معظم الدول الوراثية إلى جمهوريات، وأدى ذلك لعدد من الكوارث ليس أقلها قيام الحروب النابليونية التي استمرت زهاء مئة عام، والحربين العالميتين اللتين قادتهما ألمانيا النازية الهتلرية رغم بدايتها الصحيحة في جمهورية فيمار العام 1919م، في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن سرعان ما وصل هتلر بأسلوب ديمقراطي وحوّلها إلى نظام قمعي إرهابي نازي عنصري، وإيطالية الفاشية. وهذه التجارب كبدت دولها وأوروبا، بل والعالم بأسره خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3127 - الثلثاء 29 مارس 2011م الموافق 24 ربيع الثاني 1432هـ
تلميع xتلميع
هل لك بزيارة قصيرة لقرى البحرين لكي ترى بعينيك وتسمع بإذنيك كيف الحالة الاقتصادية لمواطني الدول الوراثية يعيشون في رغد
عجبي