إنني مع الثوار في معاناة بعضهم أو أسرهم أو أصدقائهم من هذا الجهاز، كما أنني معهم في بالغ الغضب للفساد الذي ساد بوجه خاص خلال الثلاثة عقود من حكم الرئيس مبارك، وبالأخص العقدين الأخيرين، وينبغي بل أطالب بضرورة استرداد الأموال المنهوبة والمتواجدة في مصر أو في الخارج ليس فقط من الرئيس السابق وأسرته، بل من أعوانه وأصحابه وحواريه ووزرائه وخلصائه، فهذه أموال الشعب المصري وليست أموالهم الخاصة، وانا أطالب بمحاسبتهم وفقا للقانون على الجرائم وتبديد ونهب أموال الشعب واعتبارها غنيمة لهم ولمحاسبيهم ولكن بعيدا عن روح الانتقام أو الثار وإنما وفقا للقانون والقواعد الحضارية فلا ينبغي أن يكون سلوك الثوار مثل سلوك خصومه وإلا فقدنا الميزة الأدبية والأخلاقية التي تجعلنا اسمي منهم ولنا في سلوك القائد المسلم العظيم صلاح الدين الأيوبي الذي عفا عن قادة الصليبين رغم أنهم أذاقوا جنوده اشد أنواع القتال ضراوة وكما أننا نستذكر بمناسبة ما يتردد في بعض الصحف حول حصول الرئيس السابق أو ابنه على نسبة من سعر بيع الغاز المصري ونسبة من إيرادات قناة السويس ونحو ذلك أقول نستذكر واقعة في صدر الإسلام بالغة الدلالةً عندما عاد أحد كبار الصحابة وكان قائدا لجيوش المسلمين في تلك الغزوة في العراق وقدم الغنائم للخليفة العادل عمر بن الخطاب، وقال: «هذه أموال المسلمين وهذه هدية لي»، فطلب منه عمر وضع جميع الأموال في بيت المال، وقال قولته المشهورة «أفلا جلست في بيت أبيك وأمك لتنظر هل يهدي إليك أم لا»، هذا هو الإسلام استرداد الأموال المنهوبة وليس الانتقام من المخطئين بل معاقبتهم دون افتئات على حقوقهم الإنسانية كمواطنين. وأنا أقول ذلك بصراحة لأنني لم أكن طرفاً، يوما ما والحمد لله، في الفساد، ولم استفد من حكم الرئيس السابق، ولا من وزرائه، وإنما كنت موظفاً في بيروقراطية الدولة لديه كفاءة ومؤهلات علمية تم الاستفادة بها في حدها الأدنى، بل إن أحد الوزراء هو وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي منع نشر مقالاتي في الأهرام لأنني كنت شديد النقد لسياسته في فرض ضرائب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة وإعفاء الأغنياء بالغي الثراء منها وفقا لقواعد العدالة الضريبية، وكنت أهاجم قانون الطوارئ وأطالب بإلغائه، وأطالب بمعاقبة الفاسدين والمنحرفين، وأنشر ذلك في صحيفة الأهرام طوال السنوات العشر الماضية، وهذه مقالات منشورة وفي أهم صحيفة مصرية ومن ثم ليس في ذلك ادعاء البطولة الآن. كما انتقدت بعض مواقف رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري وسجلت ذلك في مراسلات رسمية لوزارة الخارجية عندما كنت سفيراً في الصين، ووجدت له ممارسات ومعلومات خاطئة فيما يعرضه ويتحدث عنه من اتفاقات مع الصين كانت شكلية وبلا مضمون حقيقي. وكتبت مقالاً طالبت الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق عندما تم تعيينه رئيسا للوزراء بعدم السير وراء المهرجانات التي كانت تعقدها حرم الرئيس السابق وعدم سير الوزراء وراء رئيس الدولة أو حرمه في كل مناسبة وتركهم أعمالهم تتعطل، مستشهداً بالبروتوكول الصيني، وذلك في مقال بعنوان رسالة لرئيس الوزراء الجديد حول قواعد البروتوكول الصيني ونشر في صحيفة «الأهرام» العام 2001م. إنه في اعتقادي كمواطن يعيش بنبض أفراد مجتمعه ويلتحم دائماً بأبناء مصر في الريف وفي المدينة ومن مختلف الطبقات والفئات أن الأولوية الأولى ليست للهدم وإنما للبناء، ليست للانتقام، وإنما للتسامح مع إنزال العقاب اللازم على من سرق ونهب، لأن هذه حقوق الشعب والمجتمع، إن الثورة ليست لتدمير المؤسسات بل للحفاظ عليها وإعادة تصحيح مساراتها. إن من يهدم الأهرام باعتبارها من تراث الفراعنة الكفرة أو نحو ذلك من التراث الفرعوني يسيئ إلى وطنه وتاريخه وشعبه ودينه والبشرية جمعاء باعتبار أن تراث الحضارات هو تراث للإنسانية بأسرها وليس لدولة واحدة أو لشعب واحد وليس ذلك من الإسلام وليس ذلك من الثورية، إنه عبث. إن البناء هو الأصعب وهو محك الثورية الحقيقية. أقول هذا وأنا أكتبت عدة مقالات عن ثورة 25 يناير/ كانون الثاني أشيد بها وبشبابها وبجيشها وبشعبها، ولكن عندما تحدث أخطاء فلابد أن ننبه إليها، وإلا فإن مصر ستتحول من ديكتاتورية رأس المال واستبداد حسني مبارك إلى ديكتاتورية الشباب واستبداد القادة الجدد. إن مصر هي الباقية، وشعبها هو الباقي عبر العصور، أما الاستبداد والظلم فمصيره إلى زوال، وهذا ما ينبغي أن تحرص عليه، وهذا هو الإسلام وهذه هي الثورية، وهذه هي الوطنية، إن أكبر إنجاز لثورة 25 يناير، هو الإطاحة بحسني مبارك وأعوانه وحزبه ووزرائه ورجال الأعمال الفاسدين، ولكن ليس كل مصري فاسد، وليس كل رجل أعمال فاسد، وليس كل وزير سابق فاسد، فالشرفاء هم الأغلبية والمنحرفون أقلية.وهنا ينبغي أن نشير إلى حديث مهم للنبي الكريم عندما قال» انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال الصحابة «عرفنا كيف ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما» فقال لهم النبي «أن تكفوا يده عن الظلم» هذا هو الإسلام الصحيح القائم على مفهوم الدين النصيحة لله ولرسوله وعامة المسلمين وخاصتهم وهو يختلف عن سلوك المسلمين في هذه الأيام إذ ينصر الفرد منا أبناء عشيرته أو قريته أو دينه أو طائفته حتى لو كان مجرما وارتكب أعمالا يعاقب عليها القانون إن شباب ثورة 1952م، كانوا انقياء طاهرين عندما قاموا بثورتهم، كذلك شباب ثورة 25 يناير، ولكن المفسدين ورفاق السوء وأصحاب الأغراض والمصالح نافقوهم وتملقوهم وأدخلوا فيهم الغرور وهو من نقاط الضعف البشرية، وأخشى أن يكرر رفقاء السوء، وأصحاب المصالح نفس الشيء، مع شباب ثورة 25 يناير، فيا أيها الشباب حكموا عقولكم ولا تحكموا عواطفكم في تصرفاتكم ومواقفكم.فثورتكم العظيمة لا ينبغي أن تلوث ومن ثم فان حكم التاريخ لن يسامحكم كما لم يسامح غيركم والله يوفق مصر وشعبها وثوارها ويعيد مجدها وعظمتها، ويعزز مسيرتها الحضارية الإنسانية .
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3114 - الأربعاء 16 مارس 2011م الموافق 11 ربيع الثاني 1432هـ