من ينظر إلى البحرين اليوم تنتابه نوبة من التشاؤم، تفقده نسبة عالية من الثقة التي زرعتها في نفسه برامج مشروع الإصلاح السياسي، وتغرس عميقاً في تفكيره نزعة استسلامية يائسة، تحاول أن تجرده من حقه المكتسب في الدعوة للتغيير والتمرد على ما هو خاطئ. مصدر هذه الموجة العوامل التالية:
1. إعلان حالة الطوارئ، ودخول الجيش كطرف مباشر في الصراع، وفرض قانون يقترب من تلك التي تفعل أثناء حالات الطوارئ، وهو أمر في غاية الخطورة، حيث يصعب اليوم التكهن بالفترة الزمنية التي ستستمر البحرين خاضعة فيها لهذه القوانين، خاصة وأننا لدينا تجارب عربية مأساوية، الأولى في مصر، حيث استمر العمل بقانون الطوارئ منذ العام 1979، والثانية في الجزائر التي بقيت تئن تحت ذلك القانون ما يقارب من نصف قرن.
وإذا ما تجاوزنا أجواء الإرهاب التي تشيعها حالة وضع البلاد تحت قوانين الطوارئ، والإخصاء السياسي التي تولدها، سنجد أمامنا العقبات الأخرى التي تضعها تلك القوانين أمام خطط التنمية، وفي وجه التدفق المباشر للرأسمال الخارجي، والسمعة الدولية السيئة التي ستوصم بها البحرين كدولة تعلن دخولها تحت مظلة قوانين الطوارئ على الصعد الأخرى ثقافية كانت تلك السمعة، أم ترفيهية.
لذا فعلى المواطن الذي يعيش تحت تلك القوانين، التي ستكون قمعية بطبيعة الحال، أن يهيئ نفسه للدخول في نفق مظلم، يصعب التكهن بطول الفترة الزمنية التي ستنقضي قبل الخروج منه، مما يشيع حالة التشاؤم التي نتحدث عنها.
2. وصول الصراع السياسي بين الجسم الأساسي من المعارضة، والمقصود بها هنا الجمعيات السبع، أو الأساسية منها، إلى طريق مسدود، والطرف الثاني منها الصراع والذي هو السلطة التنفيذية. وليس هناك دليل أقوى من وصولهم إلى هذه النقطة، من عدم جلوسهم إلى طاولة الحوار المباشر، واكتفاء الطرفين بالحوارات شبه المموهة والسرية، من خلال الوفود، المباشرة وغير المباشرة، المتبادلة أو التصريحات العلنية عبر وسائل الإعلام المختلفة المحلية منها والإقليمية، بل وحتى العالمية.
خطورة المرحلة التي وصل إليها الصراع هي تحوله إلى ما يشبه «حوار الطرشان»، الذي يتخندق فيه كل طرف وراء مواقفه المعلنة، دون أن يكلف نفسه، بوعي أو بدون وعي، التمعن في تلك المواقف، من أجل رؤية ما هو مشترك بينها وبين ما يطرحه الخصم، ومحاولة الوصول إلى ما هو مشترك بين تلك الأطراف.
هذه السكونية غير القابلة للحركة تفرض على المواطن حالة من اليأس من إمكانية وصول الأطراف إلى ما من شأنه حلحلة الأمور والتقدم نحو الأمام.
3. طغيان التلاسن الإعلامي، الذي بات يترجم إلى ممارسات عملية على ساحة الصراع، تكبل كل طرف من أطرافه، وفقاً لما صرح به هذا المسئول أو ذلك القائد، على هذه المحطة أو تلك القناة.
لقد أصبح التسابق الإعلامي بين المحطات الفضائية، واحداً من أهم العوامل المحركة للصراع، والمؤججة له، حتى بات المواطن ضحية سهلة للوسائل الإعلامية تلك، التي تفننت في شد أعصاب المشاهد، وأتقنت الاستفادة من قوانين الحروب الإعلامية، حتى في نطاق الدولة الواحدة، وبين مختلف الأطراف، معارضة كانت أم سلطوية.
سيادة الإعلام، وتسييرها للصراع، أو حتى الحوار، يفقد أطراف الصراع الكثير من المرونة التي يحتاجونها، ويخضع مواقف أطرافه لنتائج التسابق الإعلامي، بدلاً من أن يكون العكس، حيث تسخر أطراف الصراع «المحركات الإعلامية»، لصالح برامجها السياسية.
هذه السيطرة الإعلامية، غير الطبيعية أو المنطقية، التي تفقد أطراف الصراع نسبة عالية من الاستقلالية التي تحتاجها، هي التي تشيع اليأس في صفوف المواطنين، وتبث اليأس في نفوسهم.
مقابل كل تلك العوامل التيئيسية المتعددة، ربما يحتاج المواطن إلى شحنة من الأمل تمده بشيء من التفاؤل الذي أصبح المواطن، ومعه المعارضة في أمسّ الحاجة إليها.
المسألة الثابتة والمضيئة وسط كل المتغيرات التي ولدها الصراع المحتدم اليوم في البحرين، هي أن التغيير قادم، وأن دم الشهداء الذين سقطوا، والذين يحتمل سقوطهم خلال الأيام القليلة القادمة، لن يذهب هدراً، فكائنا من يكون الذي سيتولى مقاليد السلطة اليوم في البحرين، لا يمكنه، وليس في وسعه القفز على ما جرى منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011.
لقد حفرت الجماهير البحرينية، بطوائفها كافة، وقواها السياسية مجتمعة، أخدوداً عميقاً أمام كل من يحاول أن يعود إلى الوراء، أو يسعى إلى إعاقة خطوات حركة المجتمع البحرينية المتسارعة نحو الأمام. ربما يكون الثمن باهظاً، وقد تكون هناك بعض الأخطاء، لكن ما ينبغي التأكيد عليه هنا، هو استحالة عودة الأمور في البحرين إلى ما هو أسوأ.
من سيحاول أن يرسم معالم الاستراتيجية القادمة، لابد له إن هو أراد تحاشي تجدد الانفجارات، أن يؤمن بأن إمكانية العودة نحو الخلف باتت مستحيلة. هذا ما تفرضه قوانين التاريخ، وما تدافع عنه عناصر التغيير نحو الأمام.
موجة التغيير الموضوعية، والمؤكدة، والقادمة لا محال، هذه، هي التي تمدنا جميعاً بما نحتاجه من أمل وتفاؤل وسط البحر المتلاطم من موجات التشاؤم التي يحاول البعض أن يروج لها.
ليست البحرين مصر، ولا هي تونس، لكنها تبقى البحرين التي يحق لها أن تطالب بالتقدم وتضحي من أجل التغيير، الذي ينبغي بقدومه جميعاً. لكن مثل هذه النظرة التفاؤلية لا يمكنها إلا أن تكون حذرة، عندما يؤخذ في الاعتبار كل الظروف المحلية والإقليمية والعالمية المحيطة بها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3113 - الثلثاء 15 مارس 2011م الموافق 10 ربيع الثاني 1432هـ