العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ

يومٌ دامٍ آخر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقال الجمعة قبل الماضي (25 فبراير/ شباط 2011)، ذيّلته بعبارة: «اختتمت مساءً مراسم فاتحة الشاب عبدالرضا بوحميد، الشهيد السابع في حركة فبراير، جعله الله آخر الشهداء، وجعل أحزان عائلته آخر الأحزان». ولم نكن نتمنى أن يتكرّر أمامنا مشهد يومٍ دامٍ آخر كالذي شهدناه أمس.

يجب الاعتراف بأن الأوضاع في البحرين تأخذ طريقها إلى مسارات لم تكن محسوبة للكثيرين. فمنذ السابعة صباحاً أمس، تنهال الاتصالات بشأن المستجدات، حيث وقفت جماعاتٌ شبابيةٌ وسط الشارع أمام المرفأ المالي، وتدخلت قوات الأمن، وخلال أقل من ساعةٍ، انقلب المشهد إلى مواجهة، حاولت فيها قوات الأمن إجلاء الشباب وفتح الشارع حسب بيان الداخلية. واستمر الوضع في التدهور ككرة النار خلال الساعتين التاليتين.

حين تلقيت الاتصال الأول لم أتبيّن خطورة الوضع، وفي الاتصال الثاني علمت أن الزميل محمد المخرق أصيب وكسرت كاميرته ونقل للمستشفى، فقفزت بسرعةٍ إلى «النت» ويدي على الهاتف النقال أقرأ رسائل الاستغاثة من الشباب المقيمين بدوار اللؤلؤة. بقيت لأكثر من ساعةٍ أقرأ ما أرسله الزملاء من قصاصات أخبار سريعة من مواقع مختلفة.

عند التاسعة والنصف خرجت باتجاه قسم الطوارئ بمستشفى السلمانية، لأشاهد النتائج المباشرة لحصاد السياسة المر. المسافة إلى المستشفى خمس دقائق، لكني قطعتها بالسيارة أمس في خمسين دقيقة بسبب الزحام. كانت كل الطرق مزدحمة، والعشرات، رجالاً ونساءً، يتوجهون إلى المستشفى أو دوار اللؤلؤة مشياً على الأقدام.

على بوابات المستشفى مجموعاتٌ من الشباب يترقبون من أسمَوْهم «البلطجية»، لمنعهم من الدخول. موقف الطوارئ كان مزدحماً بالناس، حيث يطغى العنصر النسائي، وأغلبه من الشابات، فللمرأة البحرينية حضورٌ طاغٍ في حركة فبراير... للأمانة والتاريخ.

منذ اللحظة الأولى للوصول، كان الطوارئ يعيش حالة طوارئ فعلاً، أعادت للذاكرة صور يوم الخميس الدامي والجمعة الأسود. يومها كان يتم إدخال المصابين للأسرّة بالداخل، أما أمس فقد افترش المصابون الأرض، وأحضرت المفارش لهم بعدما فاض المستشفى بهذه الأعداد.

كانت السيارات المدنية تدخل تباعاً، تفرغ حمولتها من الجرحى وتنصرف بسرعة. أول شخص شاهدته رجلٌ في الأربعين، كان غائباً عن الوعي، وحمله أربعة من الشباب وأدخلوه للقسم. وتوالت المشاهد التي تذكّرك بأفلام الحرب، عشرات الشباب ممددين على الأرض، تحيط بهم الطبيبات والممرضات والأطباء، وبعض النسوة يروّحن عليهم بقطع الورق. كان بعضهم يعاني من اختناق وصعوبة في التنفس، وبعضهم يعاني من حروق وضع لمعالجتها بودرة بيضاء، وبعضهم يتقيأ ويرتعش جسمه.

خلال نصف ساعة، تدفقت أكثر من ثلاثين سيارة مدنية، وسيارتا إسعافٍ أو ثلاث، تقل شخصاً أو شخصين. تعرّفت على بعضهم، كبار سنّ وعمّال كادحون وناشطون سياسيون وطلاب مدارس وجامعيون.

عند الحادية عشرة، وصلت أخبار عن انسحاب قوات الأمن من منطقة الدوار والمرفأ المالي بعد مواجهات عنيفة. وبعد ثلث ساعة تقريباً وصل خبرٌ عن عودة المعتصمين إلى المرفأ مرةً أخرى. في تلك الفترة بدأت تصل أخبارٌ أولية عن هجوم مئة وخمسين ملثماً على جامعة البحرين، مسلّحين بالآلات الحادة والهراوات والأخشاب وقضبان الحديد، وأن أمن الجامعة فقد السيطرة على الوضع فانطلقوا يهاجمون الطلبة الذين تحلّقوا حول الطالبات لحمايتهن.

في اتصالاتٍ لاحقةٍ تبيّن أن المهاجمين قاموا بتكسير كراسي وزجاج نوافذ بعض الأقسام وسيارات بعض الطلبة، وسقوط بعض الجرحى بعد مهاجمة مسيرة طلابية في الحرم الجامعي. وجمعية «الوفاق» تحمّل وزارة الداخلية مسئولية إيقاف المعتدين بالأسلحة البيضاء على طالبات وطلبة جامعة البحرين. وعند الثانية تقريباً دخلت سيارات إسعاف الجامعة لنقل الطلبة المصابين.

الاتصالات الحديثة تنقل لك الأخبار لحظة وقوعها، ففي الحادية عشرة والنصف استخدم مسيل الدموع والرصاص المطاطي في قرية المقشع، وبعد قليل خبر إعلان الاتحاد العام للعمال عن إضراب مفتوح، والجمعيات السياسية تدعو للاستجابة مع الدعوة. ونتلقى رسالة من زميلنا صادق الحلواجي عن تعرضه لإصابة بطلقة مطاطية في رجله أثناء تغطيته للأحداث، ويطمئننا بأنه بخير.

وصول المصابين إلى السلمانية ومراكز صحية أخرى، استمر حتى المساء، حيث تعرّضت بعض القرى إلى هجماتٍ من جماعاتٍ مجهولة اصطلح الأهالي على تسميتهم بالبلطجية.

في المساء، وفي أحد برامج «الرأي الواحد» التي اشتهر بها التلفزيون الرسمي، اعترف رئيس الجامعة بـ «عملية اقتحام مجموعةٍ من البلطجية للجامعة»، وأعلن عن إيقاف الدراسة حتى إشعار آخر. واعترف معاونه بوقوع خمس إصابات فقط، معتبراً ذلك إنجازاً كبيراً للجامعة. وبعد دقائق معدودةٍ اتصلت ممرضةٌ لتوضح أن عدد الإصابات التي أُودِعت في المستشفى العسكري (حيث تعمل) بلغت 78 حالة، ما يوضح مدى نزاهة ودقة الإعلام الموجّه الذي أصبح أداةً رئيسيةً في سياسة التحريض والتأزيم.

الإصابات أمس كبيرة جداً، قدّرتها بعض الجمعيات السياسية بما يتجاوز 983 حالة؛ كان نصيب السلمانية منها 895 حالة حتى الخامسة مساءً، بينها جريحان بآلات حادة، وحالتا فقدان للبصر بإحدى العينين، وأربع حالات في العناية الخاصة، والأسوأ من كل ذلك أن من بينهم 112 امرأة، وهو ما يحدث لأول مرةٍ في تاريخ البحرين قبل وبعد الاستقلال.

شعب البحرين، هذا الشعب الغارق في السياسة حتى شحمة أذنيه، يشاهد ما جرى ويجري على الشعوب الشقيقة في تونس ومصر واليمن وليبيا، ويردّدون بيت السيدة الشاعرة الخنساء: «ولولا كثرة الباكين حولي... على إخوانهم»!

آخر وأهم الأخبار الخارجية: عمان تمنح البرلمان صلاحيات تشريعية ورقابية وتشكل لجنة لتعديل الدستور؛ وإصابة العشرات في اشتباكات مع قوات الأمن المغربية في الدار البيضاء؛ والبيت الأبيض (الولايات المتحدة) يدين بشدة العنف في اليمن والبحرين، ويحض على ضرورة «إظهار ضبط النفس»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 45 | 1:11 م

      يا سيد

      يا سيد , أطلب منك و بحق جاه جدك بأن تتأكد من المعلومات التي تنشرها , بعض و سائل الأعلام عندنا طائفيه أي نعم و الكل يعرفها , فلا تكون مثلهم.
      اخوك و ابن عمك من القضيبيه بحريني أو بحراني سمني كما شئت فلا فرق عندي.

    • زائر 44 | 12:25 م

      الصدق يحتاج إلى دليل عليه

      نأمل أن لا تكون الأيام الدامية لم تأت بعد فصِدْق النوايا ليس بالأقوال خصوصاً إذا ما كانت كل الدلائل تعاكس الأقوال,فلا أصدق الأقوال والمليشيات المتبلطجة تهاجمني في عقر داري والنظام يحميها ويفتح لها الطريق,ولا أصدق والنظام يستدعي الجيوش ليضيع دمنا بين القبائل,ولا أصدق وإعلام النظام يمهد لقتلي بكل وحشية وبانعدام أخلاق لا أظن أن التاريخ عرف أحقر أو أبشع أو أحط منه من حيث الكذب والتدليس والتزوير وقلب الحقائق,ولا أصدق ووردتي تقابل بالرصاصة وسلميتي تقابل بالعنف والوحشية,ولا أصدق ما لم يطمئن قلبي.

    • زائر 43 | 10:38 ص

      3 مجازر في فترة زمنية قصيرة ........ ام محمود

      تستدعي وقفة وتساؤل عن أسباب استخدام القوة المفرط جدا والغير معقول .. تجاه أبناء الشباب الأعزل .. خائفون يا سيد في حال فشل الحوار الوطني أن تتأزم الأمور أكثر وتزيد التصادمات خاصة مع دخول قوات من مجلس التعاون
      امريكا لا تدعو الى ضرورة ضبط النفس في اليمن والبحرين بالعكس هي أعطت الضـــــــــــوء الأخضر للقضاء على المظاهرات والاحتجاجات (مهما كلف الامر وبجميع الطرق)
      المسموحة والغير مسموحة

    • زائر 42 | 9:48 ص

      الى الزائر رقم 11 مع التحية

      اقول لك ياخي بأن العين اوسع من الدار وحياك الليله تعشه عندنا ونام فأنت وغيرك و على مدى 20 عاما من التأزيم لم يرشك احد بماء وماتراه من تجمع لشباب قلالي ماهو الا خوف اهلها من الفئة الضالة وعبث العابثين الذي من المفروض ان لاتقبله لاأنت ولاغيرك من العقلاء فنحن واهالي سماهيج والدير جمعتنا المحبة والأخاء والبحر سنين عديدة.

    • زائر 41 | 8:41 ص

      كفاية كفاية

      كفاية يا جماعة كفاية. قاعدين وحاطين على التلفزيون والإذاعة أنها عين واحدة وموالية للحكومة من وراى الكمبيوتر والصحف! تبون تقولون إنه طائفي ومنحاز عشان تآخذون الحجة عليه!! صار للتلفزيون والإذاعة مرات ومرات ويطالبكم بالحضور والتحدث بس ترفضون وتتقولون عليه! ليش ؟ يعني بس اتشوف عيوب الناس وما تشوف عيوبك. الشعب واعي وانت وامثالك ......فقط. اذا عندك كلام مقنع قوله أو اصمت كفاية تأجيج

    • زائر 36 | 6:27 ص

      ام علي

      شكرا لكم

    • زائر 30 | 4:01 ص

      الغريب يا غريبة

      هو الذي يستخدم الرصاص لقتل الابرياء وهو الذي يجب ان يجهز تبريراته ليوم غد. ماذا سيقول عندما يسأل غداً هذا السؤال: بأي ذنب قتلت؟تسلم يا قاسم.

    • زائر 29 | 3:58 ص

      بارك الله في الكتاب الاحرار

      كما تعودنا منك ايها الحر المصداقية و عدم اللف و الدوران...

    • زائر 26 | 3:24 ص

      كالجسد الواحد

      سيد قاسم.. إنّ واجبًا عليك أنْ تتحدث يومًا ما عن الملحمة البطولية التي سطرها أهالي القرى البارحة عندما وقفوا بوجه الشياطين المأجورين عند مداخل القرى وعلى كل طريق يمكن أنْ تتسلل منه أحقادهم!!.. نعم، وقفوا صفًا واحدًا بنيانًا مرصوصًا جسدًا واحدًا.. وخاب الجبناء وخابت ظنون من أمرَّهم..
      (السنابس، الديه، جدحفص، سترة، عالي، توبلي، جد علي، سماهيج، عراد، المالجية، كرزكان.. وغيرها) بيّضوا الوجه ورفعوا الرأس وسودوا وجوه أولئك وطردوهم إلى مزبلة التأريخ ولا كرامة!!

    • زائر 20 | 3:10 ص

      مناشدة

      احنا اهالي سماهيج والدير مانقدر نسلك الطرق العادية للخروج لعراد او المحرق بسبب المخابرات والبلطجية على الطرق وبمساندة القوى الامية هب هذه دوله لو باب الحاره واذا ماشوفون حل احنا راح ناخذ حقنا بايدينا

    • زائر 19 | 2:59 ص

      بلطجية الجامعة

      بلطجية الجامعة الدين اجضروا بالباصات و اسلحتهم البيضاء وصلت مع الاسعاف كما كان واضحا علي التلفزيون. اشكالهم كانت واضحة وعرفنا جليا الي اي فئة ينتمون كما ان الطلبة انفسهم تعرفوا عليهم . شكلك لا تتابع تلفزيون البحرين ولكن الله علي الظالم اينما كان فهو يمهل ولا يهمل

    • زائر 18 | 2:51 ص

      بنت البلد

      اتق الله يا كاتب والله ثم والله انت محاسب امام الخالق وليس الخلق فجهز تبريراتك عساها تنفعك

    • زائر 15 | 2:18 ص

      نسيت شي يا سيد

      صحيح ان تلفزيون البحرين اعترف ان الهجوم من البلطجية بس مو مجنسة
      حطوها على المعتصمين
      ما يدرون ان المعتصمين معروفة وجوهم
      والمجنسين مميزة وجوهم

    • زائر 11 | 1:03 ص

      ام علي

      اي خيووووتي دمستانيه
      صح الخبر طرشوو لي في البي بي
      فيديووو يوم اهله يودعونه ):
      تقطع قلبي واني اشوفه

    • زائر 8 | 12:43 ص

      إستفسار من دمستانيه

      هل خبر إستشهاد الشاب
      علي إبراهيم الدمستاني صحيح ؟

    • زائر 5 | 11:55 م

      زادت الأيام الدامية

      كنت أمس في الدوار وشاهدنا دخان مسيلات الدموع والسيارات التي تنقل المصابين وكانت بعض النساء يصرخن ويبكين بصوت عال وبعضهن تعرضن للإنهيار لشدة التوتر خاصة بعد سماع ما حدث في الجامعة.لكن لم نعرف عما حدث على الجسر وإطلاق الرصاص الوحشي على العزل حتى عودتنا للمنازل وطبعاً ليس من تليفزيون العين الواحدة...........

    • زائر 4 | 11:26 م

      احترقت الاوراق

      الظاهر ان اوراق الحكومه احترقت كلها , خاصتا بعد زحف الحشود الى الدوار , وكانت الداخليه معوله على الفتنه والبلطجيه , هناك اخبار ان تم الاهالى كونت لجان لحماية المناطق وتم بالفعل اصطياد 3 من هالبلطجيه والعدد راح يزيد لان شعب البحرين واعي بسنته وشيعته واحنا الشيعه راح نحمي ديار اخوانا السنه من هذه البلطجيه اذا استدعى الامر .

    • زائر 3 | 11:19 م

      5 من الجامعة والباقي من شارع الملك فيصل

      عاد هذي لعبتك اللحين يا قاسم حق اللف والدوران كأن السلطة هي اللي افتعلت المشاكل كلها امس في شارع الملك فيصل والجامعة . اولا ......... مسئولي الجامعة قالوا صح 5 اصابات والممرضة قالت 78 بس مو كلهم من الجامعة مو انتوا المشكلة ما تحسبون اصابات رجال الأمن

    • زائر 2 | 10:37 م

      عاجل جدا

      اتمنى من اعماق قلبي ان يكف تلفزبون البحرين عن الشحن الطائفي، كما ارجو منكم السماح بمشاركتي.

    • زائر 1 | 9:21 م

      نريدها .. ولا تريدها الحكومة .. أن تكون سلمية سلمية

      كل الدلائل والحقائق ليوم أمس تشير إلى مدى وعي المواطن ، وفي المقابل تدين الطرف الآخر ذو الرأي الواحد كما هي عينه دائما ، حيث أنه لا يرى إلا مايريد أن يراه .
      شاهد عيان في المرفئ قال : حدثني ضابط على كتفه 3 نجوم وقال اطلب من الشباب أن يتركوا المكان واتفق معه على أن تبتعد قوات الأمن أولا. فقال هذا الضابط أعدك وعد شرف ، وماهي إلا ثواني معدودة وقليلة جدا حتى بدأت القوات تطلق كل ماهو موجود لديها من أسلحة . وتصوير الفيديو المنتشر أكبر دليل على ذلك .. والحكم للعقلاء

اقرأ ايضاً