العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ

سباق آخر طاغية (1)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

محمد الزناتي - كاتب من المغرب، والمقال يُنشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org 

على مدى شهرين ونصف تزايد الاهتمام بشكل كبير وواضح بالتحولات التي تعرفها المنطقة العربية. وتعددت الآراء والاستنتاجات حول هذه الظاهرة في ظل عالم يشهد تطوراً عميقاً ومتسارعاً، وطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت الدول العربية كلها معنية - بما فيها الدول الخليجية الغنية بالنفط والمغرب - بهذا التحول.

ولا أود تفويت هذه الفرصة لإبداء الرأي فيما يحصل حولنا ولاستخلاص الدروس من التجربتين الرائدتين، فلا أحد يختلف حول كون العالم العربي، ومنذ زمن بعيد، يمر بفترة عصيبة تتزامن المصالح الأجنبية المتزايدة مع انهيار الإرادة المستقلة ووجود الفساد والظلم الداخلي.

لقد تحولت الكثير من الأنظمة العربية إلى وكلاء لواحدة أو أكثر من القوى الأجنبية المهيمنة. وتوهم الحكام العرب أنهم يؤدون خدمات جليلة لهذه القوى، والتي بدورها عليها أن توفر لهم الغطاء والدعم، أما الشعوب البئيسة فقوانين الطوارئ والإرهاب والدساتير التأليهية كفيلة بتأديبهم وترويضهم.

وهذا الشعب الذي أبعد واستبعد وقف ينظر صامتاً ومتأملاً إلى حكومات شكلية لا تحكم، وبرلمانات مزورة لا تراقب وقضاء منقوص لا يعدل. ينظر إلى هذا المشهد وهو يدرك أن السلطة والثروة متمركزة في أيدي عائلة واحدة يتحرك حولها بضع عائلات من رجال «البيزنس».

يتفرع عن هذه الدائرة الضيقة، أعيان وإقطاعيون وأقلام مأجورة وكبار رجال الأمن والمخابرات، وأسماء حزبية… أنظر إلى الثروة ومن يستحوذ عليها تتعرف سريعاً على النظام السياسي السائد، فالثروة هي غاية استبداد الطاغية. والشيء الوحيد الذي لا يستوعبه الطغاة هو صمت الشعب. فالشعب على حد قول ديكارت عندما يصمت فهذا يعني أنه يستجمع عناصر حركته، فصمت الشعوب صمت مخادع.

لقد أثبتت الثورتان المجيدتان أن هذه الشعوب كانت تغلي فوق صفيح ساخن وتعيش مرحلة ما قبل العاصفة، العاصفة التي دمرت سفينة القبطان مبارك. وهناك سفن عربية أخرى تبدو كبيرة ومتعالية ولكن تسير بمحركات إما انتهت صلاحيتها أو تدور في هياكل غير مزيتة. وسياسة الدول كملاحة السفن تحتاج إلى قبطان محنك له تجربة غنية في فن الملاحة، ولكن السفينة تحتاج هي الأخرى ليس فقط إلى محرك قوي ولكن إلى قدر كبير من الانتظام من ناحية تزييت وتشحيم المحركات.

ومع غرق كل سفينة تلوح لنا في الأفق سفينة جديدة تشق طريقها بثبات. ورغم أنها مصنوعة على عجل وتتقاذفها الأمواج، لكن الشيء المؤكد أنها لن تغرق وسوف ترسو على الشاطئ في النهاية.

ومع كل سفينة جديدة تنزل إلى المرفأ، يتعزز أسطول الحرية العربية. ومع كل دورة من دوراته حول العالم تنضم إليه سفن جديدة، ولقد توقع مارك بالمر في مؤلفه الشهير «تحطيم المحور الحقيقي للشر: كيف نطيح بآخر طغاة العالم» أن يكون عام 2025 آخر سنة لآخر طاغية. وعلى هذا النحو، فإن أسطول الحرية العربية سيستكمل تشكيلته في أقصى الحدود قبل عام 2025. وهذا يعني أن الأنظمة العربية الاستبدادية صلاحيتها ستنتهي قبل هذا الموعد، وهذا ما يفسر في اعتقادي سباق الشعوب العربية المحموم مع الزمن.

وليس هناك شعب عربي يرضى على نفسه أن يسجل عليه التاريخ أنه كان آخر من التحق بأسطول الحرية، فآخر من يلتحق ربما سوف يتم تحنيطه وحفظه في صندوق زجاجي تحت يافطة: آخر طاغية في العالم.

ولكي تتمكن الشعوب العربية من ربح سباق آخر طاغية في العالم، عليها أن تستخلص الدروس والعبر من ثورتي تونس ومصر، وقد ارتأينا أن نقدمها إلى القارئ العربي أكان حاكماً مستبداً أو ثائراً كالآتي:

الدرس الأول: عندما خرجت الشعوب العربية في تونس ومصر إلى الشارع كان لديهم إحساس عميق بأن كرامتهم وحريتهم لم تحترم قط. ولم يكونوا متأكدين من أن انتفاضتهم سوف تحدث كل هذا التغيير. لكنهم أصبحوا الآن على يقين بأن الأوضاع التي كانوا مذعنين لها أصبحت من الماضي. والدرس الذي يجب أن يستوعبه كل من يسير على نهج المستبدين المخلوعين، أن الشعوب لا تريد إلا الحرية والديمقراطية التي تستدعي أن نترك الفرد يردد بطلاقة ومن دون وصاية وتوجيه أنا أفكر إذاً أنا موجود، لا أن نحجر عليه ونلزمه بالتخلي عن حريته الفردية ليهتف للزعيم مطيعاً.

الدرس الثاني: ما يلفت الانتباه في الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها كل من تونس ومصر، هو دور الشارع العربي في صنع التغيير. فهو بكل المقاييس قوة متغيرة حقيقية. والسؤال حول المفهوم الجديد للشارع العربي يتحدد من خلال فهم كيف تم هذا التغيير وما هي الوسائل الجديدة المتبعة؟ فالشارع العربي أصبح قوة تعبر عن إرادتها ولا أحد يدعي أنه يمثله فهو ليس مُلكاً لأحد أو فئة بعينها. فالشارع يرفض، في الوقت ذاته، الأنظمة الحاكمة وجُلُّ الأحزاب القائمة أيّاً كان لونها، وهذا ما شاهدناه في تونس ومصر. فهذا الشارع الذي وقف لا يرد وهو يتلقى لكمات الحكومات الاستبدادية، ولغط الأحزاب، قال كلمته وأظهر قوته وإن كان لم يستخدم بعد كل عضلاته. فالحركة الاحتجاجية في مصر تتغذى من كل المآسي والظلم الذي أذاقه مبارك لشعب مصر. ولو كان الأمر محصوراً فقط على الإخوان لما تأخر النظام في استخدام قانون الطوارئ البغيض وأذرعه الطويلة أمن الدول، والأمن المركزي، الذي اعتبر دائماً خط دفاع أول للسلطة، للبطش بكوادر وقواعد الجماعة. إن النظام في مصر واجه نوعاً جديداً من المعارضة غير المعتادة، واجه شباباً سئموا من حياة الذل والمهانة وهم يرون الفساد وقد أصبح له عقل يفكر ولسان ينطق

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً