يبدو أن البعض غير مكترث أو مدرك بما فيه الكفاية لطبيعة الوضع في البحرين التي أصبحت محط أنظار الأعداء والأصدقاء على حد سواء. فالمتتبع للتقارير التي تنشرها بعض مراكز البحوث وخاصة تلك المرتبطة بالاستخبارات الأجنبية، كمؤسسة ستراتفور (ذات التوجه اليميني سياسياً)، التي يديرها جورج فريدمان والمتخصصة في التحليل والاستقراء السياسي، يدرك ما يخبأ لمنطقتنا من نوايا سيئة تستثمر التأزم الحاصل في البحرين كنقطة انطلاق لتصفية حسابات إقليمية وعالمية ولإعادة صياغة مجمل الأوضاع في المنطقة بما يخدم أهدافاً خارجية.
إن التقرير الأخير الذي أصدرته هذه المؤسسة الخطيرة من حيث ارتباطاتها بأجهزة استخباراتية عالمية اعتبر الأحداث الجارية في البحرين هي أكثر خطورة من الأحداث في ليبيا فيما يتعلق بتأثيراتها على المستوى العالمي. فالوضع في ليبيا يحمل بعداً اقتصادياً أكبر من جهة احتمال توقف الإمدادات النفطية... أما الوضع في البحرين وفقاً لتقرير ستراتفور فله بعد عالمي وإقليمي مرتبط بالانسحاب الأميركي المتوقع من العراق في نهاية هذا العام، وما يترتب عليه من فراغ تعتبر إيران هي الدولة الأكثر تأهيلاً لملئه بطريقتها الخاصة وذلك بعد أن تخلى العرب عن العراق لأنه تبنى نموذجاً يسمح بتغيير نظامه السياسي بطريقة سلمية, وهو النموذج الذي لا ترتضيه بقية النخب الحاكمة في عالمنا العربي.
وهذا التحول يعني انحساراً تدريجياً للنفوذ الأميركي في المنطقة يتطلب بدوره احتواءً للنفوذ الإيراني ولكن بطرق أخرى بديلة عن المواجهة العسكرية أو الاقتصادية والتي قد يكون من بينها اعتراف لأيران بنفوذ سياسي واقتصادي في المنطقة.
ويتطرق تقرير ستراتفورد إلى الأبعاد الخارجية للأحداث في البحرين فيعتبر أي تغيير راديكالي محتمل للوضع السياسي هو بمثابة دعوة لتدخلات خارجية من دول محيطة ترى في هذا التغيير خطراً على أوضاعها الداخلية وذلك لأسباب تتعلق بالتركيبة الديموغرافية والمذهبية في بعض دول الجوار، ما يعني تدحرج كرة الثلج لتشمل تدخلات أخرى معنية بصراع المصالح والنفوذ.
وفي وضع كهذا تصبح المصالح الأميركية الممتدة من اليمن، التي تشهد صراعاً خطيراً, حتى منطقة الخليج، في خطر حقيقي ليس بوسعها الدفاع عنها بالطرق العسكرية المعتادة بسبب أوضاعها السياسية والاقتصادية، وكذلك بسبب الاختلال النسبي لتوازن القوى في المنطقة وخاصة بعد تقليص الوجود الأميركي في العراق.
وفي وضع كهذا تعاد صياغة قواعد اللعبة التي تختلط أوراقها وقد تصبح الفوضى والعنف هما سيدا الموقف كما حصل في دول أخرى.
ويخرج التقرير باستنتاج مفاده أن الصراع في البحرين هو أكثر تعقيدا، وأن المخاطر المترتبة على الفشل في إدارته هي الأكثر خطورة مما يتصوره البعض.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع التحليل الوارد في هذا التقرير الذي يركز على مخاطر تخفيض التواجد الأميركي في العراق فإنه ليس بوسع أحد، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي, أن يتجاهل طبيعة الأخطار المحدقة بنا جميعاً حكاماً ومحكومين، ما يتوجب على الجميع اتخاذ مواقف مسئولة تأخذ في الحسبان المصالح الوطنية من أجل حماية بلدنا من الأخطار المحدقة بها.
وفي هذا السياق يستوجب على الطرف الشعبي أن يوحد صفوفه بالاتفاق على مرجعية واقعية للحوار لا تلغي أو تستثني أحداً، بل تعير اهتماماً خاصاً للجغرافيا السياسية في المنطقة والتي ليس بوسع أي مبتدئ في العمل السياسي أن يتجاهلها.
إن الإرهاصات التي خرج بها البعض علينا مؤخراً تدفع في الاتجاه الذي توقعت المؤسسة المذكورة حدوثه، وخاصة أن مثل هذا الطرح المتعلق باستحداث نظام جمهوري مدعاة لتفكك قوى المعارضة التي لا تتطابق أجندة غالبيتها مع هذا الطرح. كما يتسبب في انحسار التعاطف الدولي للمطالب المشروعة للمواطن البحريني والمتمثلة في العدالة وحكم القانون. وهذا الانحسار هو ما تراهن عليه قوى التطرف ودعاة الحل الأمني التي تتعزز مواقعها بمثل هذه الإرهاصات.
وعلى الجانب الرسمي نشير إلى المقابلة الأخيرة التي أجراها تلفزيون البحرين مع صاحب السمو ولي العهد التي جدد فيها الدعوة لطرح كل الأمور على طاولة الحوار، وإلى عدم تبديل الاستبداد باستبداد آخر، إلا أن ما لفت الانتباه هو تمسك المحاورة بأدوات قديمة تعتبر سبباً من أسباب التأزم القائم, ألا وهو مقولة «هم ونحن» التي شطرت الوطن ومهدت للفتنة والاحتراب الفئوي. فقد حاولت المحاورة دفع سموه إلى مواقف تبطل الهدف من طلته الإعلامية، وتتقاطع مع وجهة نظره بوجوب زوال الاستبداد وذلك عندما سألته إن كان توظيف البحرينيين في جهاز الشرطة سيكون على حساب الفئة الأخرى في تأكيد لمعزوفة قبيحة يسمونها «هم ونحن».
إن تفكير عقيم كهذا ينتابه ذعر من استيعاب مواطنين في وظائف دنيا في جهاز متخم بالأجانب، وهو بذلك غير قادر على استيعاب مبدأ المواطنة المتساوية لأنه تعايش مع الاستئثار والإقصاء الذي أوصل الوطن إلى حافة الهاوية. لهذا السبب يحبذ البعض بقاء الاستبداد لأنه يرى في الإصلاح مساساً بامتيازات ليست فئوية فقط بل شخصية أيضاً تتم على حساب الآخر حتى في محيط الفئة الواحدة. وفي وضع كهذا تصبح أزمة البحرين مستعصية ما لم يقتنع بعض من أوكلت إليهم مسئولية وطنية بأن الوطن لجميع المواطنين يتساوون فيه في الحقوق والواجبات وفقاً لدستور يوازن بين السلطات، ويفعّل آليات الرقابة والمساءلة. حينها ينحسر التطرف وتختفي من تلفزيون العائلة الواحدة أسطوانة مشروخة اسمها هم ونحن، فيتوحد الوطن وينجو مما تخبأ له الأقدار
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 3110 - السبت 12 مارس 2011م الموافق 07 ربيع الثاني 1432هـ
ليت الجميع يعلم
ان الوطن للجميع لنا وللاسرة الحاكمة ايضا، لا يمكن ان يكون جزاء الاسرة الكريمة منا ذلك
اتفقنا على المطالب ولكننا اختلفنا على الاساءة لرموز الوطن