إعمالاً لمبدأ «الحرب خدعة» بدأت تسيطر على الشارع البحريني مع الأسف حرب مخفية غير معلنة للأخبار والأكاذيب والإشاعات، وسوق سوداء للأفكار نصب أصحابها أنفسهم حكاماً دون الناس فأطلقوا الأحكام وخونوا وبالغوا وتعدوا، وكلهم شركاء جميعاً في طعن الوطن وتعميق جراحاته.
دون أن ندري من الذي بدأ، ومن أين بدأه، وجدنا أنفسنا جميعاً وسط دوامة تشتت الانتباه. ففي بداية الأحداث البحرينية المتأزمة الأخيرة كانت بؤرة الصراع تجمع بين المعتصمين أو المتضامين معهم، وبين السلطة، وكان الحديث سياسياً، فهناك مطالب سياسية وهناك دعوة للحوار، وكان النقاش الذي يشغل بال الجميع يدور حول هاتين النقطتين، مشروعية المطالب، وجدوى الحوار أو اشتراطاته. وحتى الدعاوى التي كانت تنطلق من جهات مجهولة لتخوين المعتصمين من جهة، أو لحث على عدم الثقة بالسلطة من جهة أخرى، كانت كلها نقاشات سياسية تصب في إطار الأزمة السياسية التي نعيشها في البحرين جميعاً.
غير أننا أصبحنا اليوم نحتار إلى أين نوجه أنظارنا، وما الذي يجب أن نراه، وكيف نراه.
هل ننظر إلى الدوار أم إلى الفاتح، إلى مدينة حمد أم إلى البسيتين، إلى المدارس الثانوية أم إلى دوار الرفاع؟
أصبح التحدي الأكبر أمام أي فرد منا هو الوصول إلى حقيقة ما يجري على الأرض، فقد أصبحت الحقيقة تتلون بألوان مختلفة لأن العيون تلونت، وحتى لو شهد شخصان ما يجري بأم أعينهما وأبوها وأختها، فسوف تخضع هذه الحقيقة لعملية التلوين ذاتها، التلوين النابع من درجات كبيرة من الشحن والتحريض.
والوصول إلى حقيقة ما يجري يتطلب عملية عصيبة من الفلترة لفائض متناقض من الأخبار والمعلومات التي ترد من كل مكان والتي سهلت وسائل الاتصال الحديثة تبادلها لحظياً.
ما حصل يوم الجمعة الماضي في مسيرة الديوان الملكي شاهد كبير على هذا النوع من الحرب الإعلامية والنفسية التي تزداد آثارها عمقاً يوماً بعد يوم في نفوس أبناء الشعب الواحد، فالحدث واحد لكن الكل نظر إليه بعينه وفسره بالطريقة التي يريدها.
المتظاهرون رأوا أنفسهم يرسلون رسالة سياسية بطريقة سلمية، وبعض أهالي الرفاع اعتبروا هذه المسيرة استهدافاً شخصياً لهم، لحدودهم الجغرافية ولقناعاتهم السياسية، والمشكلة تتعقد أكثر لأنها انتهت بشكل عنيف وهو الأمر الذي يفتح باباً للكراهية لم يكن هناك داعٍ له لو نظر الجميع للموضوع بنفس النظرة.
قبل ليلتين فقط من مسيرة يوم الجمعة، استضافت أحد بيوت الرفاع العامرة عدداً لا يقل عن خمسين امرأة للتباحث بشأن الشحن الطائفي وكيفية مواجهته. انطلقت هذه المبادرة الوطنية الراقية من سيدة رفاعية لتجمع السيدات المتزوجات بين الطائفتين الكريمتين في البحرين، وهنّ كثيرات بالمناسبة، وتناقشن في الطريقة التي يمكن من خلالها مجابهة الشحن الطائفي الذي أصبح يهدد أمنهن الشخصي، وسلامة أسرهن وأبنائهن.
لقد وجدت هذه السيدات في الأصوات الشاذة التي تشحذ سكاكينها في مواجهة أفراد الوطن خطراً داهماً يستهدفهن شخصياً، وعزمن على رفع قضايا جنائية ضد هذه الأصوات تشتكين من الضرر الذي لحق بهن وبعائلاتهن جراء ذلك.
تلك صورة لابد من التركيز عليها وسط كمية الأخبار المغلوطة والإشاعات. لقد عكس هذا اللقاء الصورة الحقيقية لمدينة الرفاع الجميلة الراقية بتاريخها العريق وأهلها الأصيلون الطيبون المسالمون، الذين لا يقبلون بشق الصف الوطني أو أن يصبوا الزيت على نار الطائفية. هذا ما حدث في البسيتين أيضاً، وهذا ما يحدث في مناطق متعددة يصرّ أهلها على التمسك بأيادي بعضهم البعض، وهو التحدي الذي يعتبر في هذا الوقت بالذات أكبر وأصعب حتى من مواجهة الرصاص بالصدور العارية.
الحرب خدعة، والخُدَع اليوم في هذا المفترق التاريخي كثيرة، وهدفها الرئيسي هو أن نكره بعضنا البعض. ولذلك فإن كل من يرسل رسالة أو يطلق هتافاً أو يرفع شعاراً أو يبادر مبادرة تحرّض على الكراهية، أو يكذب أو يبالغ في نقل حقيقة ما، أو يتسرع في نشر خبر دون التأكد منه، أو ينشر الإهانات أو يتفنن في إطلاق الإشاعات، فإنه يساهم من حيث يدري أو لا يدري في تعزيز خدعة الحرب.
جنبنا الله تعالى وإياكم أيَّ نوع من أنواع الحروب في هذا الوطن الجميل الذي لا يستحق منا إلا المحبة
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 3110 - السبت 12 مارس 2011م الموافق 07 ربيع الثاني 1432هـ
وأي نكهة في حياة لا وحدة وطنية فيها
وأي نكهة في حياة لا وحدة وطنية فيها ولا عمل ولا مسؤولية ؟ إنها والموت سيًّان . إنه لمن غير المعقول أن يفني المواطن زهرة شبابه في اللعب والانشغال بالمظاهر والهتافات والحفلات والأحقاد والأنانية والانحراف عن التوعية الإسلامية .، ثم تراه صبوراً على الفتنة و التفرقة والقسوة والتنافر والألعاب الدنيوية غير المفيدة ساعات طويلة بل أعوام طويلة بينما يفقد الصبر ولا يتحمله في العمل الوطني مدة ساعة أو أقل .
الحق واضح
الأمور واضحه, وانت اللي امحيره نفسش
شكرا
شكرا استاذة ندى نحن نحتاج لصوت مثل صوتك في هذه الغيمة الكثيفة
المشكلة.
كلا الطرفين يظن أن "فريقه" هو الخير المطلق, و الآخر الشر المطلق. عقلية "الفرقة الناجية" ستكون هلاكنا!
شكرًا
شكرًا للكاتبة على كتابتها المقالات في المواقع والصحف الامريكية شكرًا و الف شكر