سئم المواطن من طول فترة الانتظار، وفقد الأمل في مشاهدة حوار جاد ومثمر ينتشل البحرين من أزمتها الراهنة، ويحول دون انزلاقها نحو النفق المظلم الذي يتربص بها. ما يعيشه المواطن اليوم، يشبه إلى حد بعيد مسرحية عبثية تستهتر بشعور ذلك المواطن، وتتحدى مشاعره. ففيما ينتظر الجميع «الحوار»، يشاهد المواطن الوفود تهرول ذهابا وإيابا بين أطراف يخمن ذلك المواطن انها ستكون طرفا في ذلك الحوار. مثل تلك الصورة تثير الكثير من التشاؤم في نفسية ذلك المواطن، وتشيع المزيد من الإحباط في سلوكه السياسي، الباحث عن تلك الحلول الاستراتيجية، وليس العرجاء، التي يطمح إلى الوصول إليها كي تنقذه من المصير المظلم المحدق به.
هذا على المستوى العام، اما على المستوى الخاص، وفيما يتعلق بأوضاع المعارضة السياسية، فهناك شيء من عدم الاستقرار الذي يتسرب إلى داخلية ذلك المواطن جراء تضارب الشعارات التي باتت تطرحها مختلف أطراف المعارضة، والتي كانت أكثر تراصا قبل ثورة «دوار اللؤلؤ»، منها اليوم. من هنا فلذلك للمواطن كل الحق في أن يكون فريسة سهلة للمخاوف التي تجتاحه. فمن يمعن النظر في شعارات المعارضة، والتي يفترض أن تعبر بشكل مكثف عن برامجها، سيجد من بينها من يرفض الحوار جملة وتفصيلا، وإلى جانبها، ومن بين صفوف المعارضة أيضا، من يضع شروطا قاسية تسبق موافقته الجلوس إلى طاولة الحوار، وفي نهاية القائمة نجد من أبدى استعداده للحوار، دون قيد ولا شرط. هذا الشريط العريض من البرامج التي تصل في حالات معينة إلى درجة التضارب، هي التي تبث في نفسية المواطن، ذلك الإحباط الذي أشرنا له، وترغمه على الدخول في حالة سوداوية تقع على المعارضة انتشاله منها.
لاشك ان لكل واحد من هذه الأطراف المعارضة التي نتحدث عنها أسبابه الوجيهة التي تدعم المنطلقات التي يلتزم بها، وتحدد مسيرته، وتنسجم مع رؤيته للتغيير الذي يطمح ان يراه في البحرين. لكن ذلك ليس ما يصبو المواطن إلى التوقف عنده او تقويمه، فما يرسخ في ذهن ذلك المواطن، وتصطدم به عيناه عندما يحاول أن يرسم صورة المعارضة التي يطمح ان تنال ثقته، وتحمل مطالبه، هي، وهو امر يؤسف له، مجموعة من القوى المتصارعة سياسيا، المتشرذمة تنظيميا، والمتنافسة جماهيريا. وأكثر ما يخشاه ذلك المواطن، هو أن تستفيد القوى المتصدية لأية مشروعات أو خطط من شأنها أن تأخذ بيد البحرين من واقعها المأساوي إلى آخر تتوافر فيه مقومات المجتمع التي تناضل قوى المعارضة من أجل تحقيقه، من هذه الحالة السلبية التي تعيشها المعارضة. وإذا ما انطلقنا بأنه ليس هناك مناص من جلوس الجميع إلى طاولة المفاوضات، والدخول في جلسات الحوار المطلوب، وإذا ما اتفقنا على أن شعور المواطن مرتبط بقواه المعارضة، وأن دوره محصور في صفوفها فقط، فإن الخطوة الأولى على طريق العمل من أجل انتزاع المزيد من المكاسب لصالح ذلك المواطن، هو تشكيل قوة سياسية تمثل الشارع البحريني، وتعبر عن مصالحه، وتحمل همومه، وتناضل من أجل انتزاع حقوقه.
ولكي يتمكن هذا التنظيم الوطني من تأدية دوره على النحو الأفضل، فلابد من توافر الشروط المحلية المواتية التالية:
1. بروز تنظيم وطني عام، وشامل، يستقطب مختلف أطياف المعارضة، ويكون ممثلا لأهدافها العامة المتفق عليها. ومن الضرورة بمكان ان يحتفظ هذا التنظيم بالمرونة السياسية التي تبيح له نسج العلاقات الإيجابية المطلوبة مع التنظيمات الأخرى كافة، بما يبيح له تمثيلها، دون ان يكون بديلا لها.
2. اقتناع المعارضة البحرينية، دون استثناء لأي منها، بضرورة وجود أكثر من شكل واحد يحمل أهداف تلك المعارضة. بشكل أوضح، وطالما أن هذا التنظيم الوطني لا يسعى لأن يكون بديلا لأي من التنظيمات القائمة اليوم، إذ لابد أن يحتفظ كل تنظيم باستقلاليته التي يحتاجها، ويواصل مسيرته التي لا يريد أن يوقفها، شريطة ألا يتعارض أي منها في إطارها العام مع تلك التي ترسم معالم ذلك التنظيم، فمن الضرورة بمكان تحديد الأشكال النضالية، والأطر التنظيمية التي تنسق العلاقة بين هذا التنظيم الوطني العام من جانب، وكل من تلك التنظيمات الأخرى بشكل مستقل او في مجموعات متقاربة، إذا اقتضى الأمر ذلك.
3. البدء في وضع الأطر التنظيمية، والمنطلقات السياسية التي لا يستغني عنها أي تنظيم وطني عام يستقطب كل القوى، وتنضوي تحت لوائه، دون ان تنصهر في بوتقته، جل القوى الأخرى. وهنا لابد من أن تتميز تلك الأطر والمنطلقات عن تلك التي يلتزم بها أي من التنظيمات القائمة اليوم. ومن الضرورة بمكان حرص هذا التنظيم الوطني على عدم تناقضه مع أي منها، وبالمقابل ان تحرص تلك التنظيمات على التناغم مع تنظيمها الوطني واتساق خطواتها مع خطواته.
لاشك ان الوصول إلى مثل هذه الصيغة المتطورة من العلاقات التي نتحدث عنها بحاجة إلى نظرة استراتيجية واسعة الرؤية، بعيدة المدى، قادرة على تجاوز العقبات التكتيكية الصغيرة التي من الطبيعي ان تعترضها، وتحاول ان تكون عقبة في طريقها.
وإذا ما حاولنا استرجاع تاريخ البحرين، والاستفادة القصوى من تجاربه، فليس هناك أفضل ما يناسب المرحلة الحالية من هيئة اتحاد وطني، على ان ترتدي حلة جديدة تتناسب والمرحلة القائمة، وتكون قادرة على التفاعل الإيجابي مع كل عناصرها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3109 - الجمعة 11 مارس 2011م الموافق 06 ربيع الثاني 1432هـ
القوى الساسية متوحدة و لها سياساتها و خياراتها القوة.
إسمح لي أن أقول بأن مطلب الحوار، و الذي لابد منه في نهاية المطاف ليس مكرمة أو رحمة من السماء، أنما هي دعوة وجهت للضرورة القسوى لإيجاد مخرج من هذا المأزق السياسي و الذي أوجدته السلطة نفسها. و المعارضة في البحرين ناضجة جدا" و متفوقة جدا" و متراصة في مطلب تهيئة الأرضية للحوار و هي أرسلت طلباتها و رؤيتها في اساسات هذا الحوار للسلطة و هم ينتظرون الجواب من السلطة لبدء الحوار. نحن نتكلم هنا عن فطاحل في السياسة و ليس إناس عاديين، لهم تاريخ مجيد في العمل الوطني و يعرفون الأمور جيدا".
رد على الكاتب
ليس كل من مسك قلما وورقه اعتبر نفسه محلل سياسيا باستطاعته الخوض في هذا المعترك وللعلم فإن المعارضة متحدة وليس هناك أي اختلاف والسياسة بحر واسع ليس له حدود مع احترامنا الشديد للكاتب ولكن يبقى رأي ونحن نحترم الآراء
خوف
كم كنا خائفين من مسيرات الجمعة ؟؟
ان حدوث مواجهات بين الحكومة و اي من الاطراف و سقوط ضحايا لهو امر محزن و لكنه اهون الشرين ! فتصور اخي الفاضل لو وقعت ضحية من اي من طرفي النزاع بيد النعنت الطائفي ! تصور اخي الى اين ستأخذنا تلك الاجندة .
قلق
نعم اخي الفاضل لقد بات لدينا قلق كبير من عدم وضوح اجندة و برامج المعارضة ! انا ومنذ لحظة اقتحام الدوار و اصطف مع مطالب الدوار و لكني الان اصابني قلق كبير من غموض مطالب المعارضة ؟ هل سنحصل على حريات من جهة و نفقد الكثير من حرياتنا من جهة اخرى؟؟؟؟؟
ما هي الأسباب التي تحول دون الولوج بالحوار؟
هو سبب واحد ما فتأ يردده معظم أفراد الشعب, و انت يا أستاذي العزيز تدركه جيداً!!
مع وافر التحية