تتزايد مشاعر القلق في أوساط الحكومة الأميركية وخصوصا وزارة الدفاع (البنتاغون) من أن التطور النوعي في عمليات المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأميركي ينبئ عن أنها تواجه حرب عصابات منظمة تستهدف استنزافهم. ويقول خبراء عسكريون ان الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها قوات الاحتلال الأميركي تنم عن تنسيق وتطور في التكتيكات المستخدمة ما يثير توقعات بأن تواجه قوات الاحتلال حرب عصابات كاملة، وأن ما ذكرته البنتاغون عن عمليات التمشيط التي تقوم بها قواتها في العراق ضد ما تسميه «فلول وبقايا» نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين قد يتحول إلى معركة آخذة بالاتساع ضد قوة متنامية ومنظمة يمكن أن تبقي عشرات الآلاف من القوات الأميركية منشغلة لعدة شهور.
وفي الوقت نفسه فإن مسئولي البنتاغون يصرون على أن قوات الاحتلال في العراق ليست متورطة في حملة ضد حرب فدائية وأن القتال لا يزال مقتصرا بصورة أساسية على مناطق السنة شمال غربي بغداد وأنه يتم إحراز تقدم في أماكن أخرى من العراق. وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال ريتشارد مايرز في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية فوكس نيوز «إن هناك عملا كثيرا رائعا قد تم إنجازه وان جزءا كبيرا من البلاد مستقر نسبيا».
غير أن عددا من الخبراء العسكريين وأعضاء في الكونغرس الأميركي يعربون عن القلق بشأن التطورات في العراق. ويجادل بعض الضباط في البنتاغون في معرض إعرابهم عن القلق في مجالسهم الخاصة بان حجم الانتشار العسكري الأميركي في العراق الذي يزيد عن 160 ألف جندي غير كاف لحماية القوات الأميركية ناهيك عن خطط «السلام وإعادة الإعمار» وتقوم هيئة أركان القوات الأميركية بإعادة دراسة متطلبات القوات الأميركية في العراق. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن ضابط أميركي كبير قوله «إذا تحدثت إلى الموجودين في العراق فإنهم سيقولون لك إنها حرب مدنية هناك. وكلهم يقولون إن ما لدينا من القوات ليس كافيا لحفظ السلام» وقال العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية «سي إن إن» «إننا نقاتل الآن في العراق حربا فدائية». أما العضو الديمقراطي في المجلس كارل ليفين الذي عاد أخيرا من بغداد فقال «إن قواتنا منتشرة بشكل متباعد للغاية ويجب علينا أن نطلب من الدول الأخرى إرسال قوات بما في ذلك فرنسا والمانيا والهند ومصر». وأضاف في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية «إن بي سي»، «إنه لأمر غامض بشكل مطلق بالنسبة إليّ أنه لم يطلب من حلف الناتو نشر قوات من الدول الأعضاء في العراق»
غير أن من غير الواضح إن كانت القوات الأجنبية التي قال مسئولو البنتاغون أن دولا أجنبية قد تعهدت بإرسالها إلى العراق ستأتي بالعدد المتوقع وهو 30 ألفا وخصوصا إذا اشتد القتال في العراق. وقال العقيد المتقاعد في سلاح المارينز الأميركي جون بول، «إن ذلك يعني أن الوضع أخذ يتصاعد إلى حرب فدائية»
وقد زاد عدد القتلى من جنود الاحتلال الأميركي على 212 بمن فيهم 73 قتلوا منذ الأول من شهر مايو/ أيار الماضي. ويقول جنود أميركيون في مواقع ثابتة مثل نقاط التفتيش على الطرق والمراكز الأمامية في المدن العراقية إن الهجمات ضدهم أوسع بكثير وأكثر إصرارا مما تعكسه أرقام الإصابات.
وأعرب بول عن القلق من أن هدف هجمات المقاومة العراقية ليس إلحاق الهزيمة بالقوات الأميركية بقدر ما هو استفزاز هذه القوات وأن الهدف هو شن حرب استنزاف ما يؤدي إلى إصابات كافية لكي يستخدم القادة العسكريون الأميركيون «يدا ثقيلة بصورة متزايدة» وبهذه الطريقة فإن قوات الاحتلال الأميركي ستبعد عنها بصورة أتوماتيكية الجمهور المحلي.« اذ يستهدف المقاومون العراقيون إلى «دفع قواتنا إلى المبالغة في رد الفعل ما سيثير تمرادا شعبيا بسبب بعض الحوادث التي يوجدها ردنا المبالغ فيه»
وهذه المخاوف تثير قضية معنويات الجنود الأميركيين والتي تبدو منخفضة بصورة خرافية بين أعضاء فرقة المشاة الثالثة وبين بعض الاحتياط ما سيؤثر على كسب عقول وقلوب الشعب العراقي. ويغلب على هؤلاء الجنود التفكير بالمغادرة وهو أمر قد يجعلهم يفقدون بسرعة السيطرة على الوضع التكتيكي، ويقول أحد خبراء المشاة «إنك إذا تصرفت ككئيب أو خائف أو منحط المعنويات فإن من الصعب أن تدعي أننا محررون» وتؤكد صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أن «قوات الاحتلال الأميركي في العراق تواجه عمليات انتشار متمددة وسط الخطر والحرارة والمجهول بشأن الاحتلال وهي تعاني من معنويات منخفضة وصلت في بعض الحالات إلى الحضيض» وقالت الصحيفة انه في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس بوش عن تعهد «كبير وطويل الأمد» في إعادة إعمار العراق فإن ذلك الجهد بالإضافة إلى السرعة الكبيرة التي تتم فيها العمليات العسكرية الأميركية في العالم لها كلفها بالنسبة إلى أفراد القوات الأميركية. وإن بعض أفراد القوات الأميركية المحبطة في العراق يكتبون رسائل إلى النواب في الكونغرس لكي يطالبوا بإعادة وحداتهم إلى الولايات المتحدة. وقالت إحدى هذه الرسائل التي كتبها جندي في الجيش الأميركي في العراق «إن معظم الجنود سيفرغون حساباتهم المصرفية لمجرد تذكرة طائرة للعودة إلى أرض الوطن».
ويأتي هذا التذمر في الوقت الذي يقوم فيه القادة العسكريون بإعادة تقييم حجم القوات المطلوبة للإبقاء على احتلال العراق اذ يتوقع أن يرسل قائد القيادة المركزية الجديد الجنرال جون ابوزيد تقريره بهذا الشأن إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في منتصف الشهر الجاري
العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ