العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ

عندما يغمس الإصبع الرسمي في الجرح المعيشي... المقشع مثالا

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ما أجمل التواصل عندما يكون دقيقا في مراميه، وأهدافه، وتطلعاته، وانسانيته، ويكون اشد جمالية وصدقية عندما يتلمس مواضع الألم التي يعيشها الناس. ويقترب من احاسيسهم ومشاعرهم وما يعانونه من خناق اقتصادي كبير، وازمة مالية كبيرة تكاد تأتي على البقية الباقية من تنفس بقائهم المعيشي.

ان زيارة سمو ولي العهد إلى المنطقة الشمالية وزيارته تحديدا إلى العوائل البائسة والفقيرة في قرية المقشع، كان بمثابة غمس «الاصبع الرسمي» في بعض مواضع الجرح المعيشي والاقتصادي البحريني.

ببؤبؤ العين كان ينظر سموه إلى حجم الفقر المتكدس في هذه المواضع الفقيرة وصورة تلك المرأة التي كانت تحكي له قصتهم مع الفقر، وماذا فعلت بهم ليالي البوس، وصورة أولئك الفتيان الذين كانوا يقولون له سر عدم عملهم إذ كان الراتب الشحيح وراء ذلك، فعلى قول أحدهم «70، 80 دينارا كراتب لا يمكن لها أن تؤهل شابا مثلي اقتصاديا».

هذا الموقف التفقدي يعتبر موقفا صائبا، ويصب في طريق تلمس اوجاع الطبقة الفقيرة في المجتمع البحريني خصوصا بعد تآكل الطبقة الوسطى وانحدارها هي الأخرى نحو الاقتراب من الطبقة الدنيا. فنسبة الفقر في البحرين تصل في أقل التقارير إلى 40 في المئة ما يستدعي ملاحقة رسمية جادة للسيطرة عليها وعلى آثارها.

ان ولوج شخصية بهذا الثقل إلى بيوت متصدعة بهذا الحجم لابد أن يكون له انعكاس ميداني واقتصادي على مستوى المملكة، ولعلها تكون البادرة الأولى التي نرى فيها مسئولا بهذا الحجم يمتلك الشجاعة الرسمية في اقتحام مواقع بائسة بهذا الحجم في المجتمع البحريني، ولا شك أنه سيكون لها مردودات ميدانية، وهذا فعلا ما توقعه الكثير من المراقبين لهذه الزيارة، إذ جاءت نتيجتها الأولى، مبادرة جريئة ذات بصمات انسانية اجتماعية اثلجت قلوب الجميع، وذلك عندما جاء الأمر الملكي بالبدء بشكل فوري بتطوير القرية بحيث تكون قرية إسكانية نموذجية يتمتع أهلها بكل الخدمات الحديثة ومتطلبات العيش الكريم.

ان مثل هذه المبادرات أكنّا نصفها بالحقوقية أو الانسانية يجب أن بل ونثمّنها تثمينا يليق بحجمها، فهي بوادر خير لا تعكس انفعالا آنيا لموقف انساني تراجيدي لحظي، بل هي مبادرات تأتي - وهذا رهاننا - في سياق مشروع عظمة الملك الذي جاء في ضمن أولوياته رفع معيشة المواطن، والعمل على ايجاد ثقوب أخرى في جدار البؤس المعيشي الممتد عبر أحزمة فقر وعوز تناثرت على خريطة البحرين الاقتصادية فلربما ينهد هذا الجدار أو يعتريه بعض التصدع فـ «المقشع» ليست سوى قرية واحدة من قرى، والعائلات المتشظية من جمر الفقر ما هي إلا عوائل من مئات ممن لا يزالون تحت خط الفقر، هذا عدا الكثير من العوائل البحرينية اللاتي تحسبهم أغنياء من التعفف. فمبادرة ولي العهد التي تكللت بموقف معيشي ميداني قام به الملك مبادرة تستحق الشكر والتقدير والإصرار أكثر بفتح القنوات وتعزيز العلائق المجتمعية والاقتصادية، وحتى السياسية مع اصحاب القرار السياسي ويجب أن تعمل جميع القوى السياسية - كما هي ارادتها - على دعم الجوانب الاقتصادية أيضا من مشروع الملك لأن الناس يهمها كثيرا أن تؤهَّل اقتصاديا وان تتنفس ولو قليلا في حياتها الاقتصادية. لهذا ينبغي علينا كقوى مجتمعية وسياسية أن نعمل في هذا الاتجاه أيضا وأن نخطف المبادرة الواحدة تلو الأخرى بتشجيع الدولة والشد على يدها، والتحالف معها في سبيل تعزيز ايقاع اقتصادي معيشي يتناسب مع مناقبية وصف الخليجي بذي المستوى المعتدل معيشيا على أقل التقارير.

ان اقامة مثل هذه المشروعات العمرانية جاءت في سياق اقتصادي بحت وفق ارادة رسمية ساعية إلى تقوية علاقتها وتمتين تواصلها مع المجتمع، وهي جزء من ثمرة التواصل الذي بدأ يتعزز بعد مرحلة الميثاق، وهو نتاج طبيعي لأي ايقاع مشترك وسطي قائم على تلمس المواقع المشتركة بين السلطة والمجتمع، والباحثة عن مواقع اللقاء، وموضع الالتقاء بين كلا الجانبين، وهذا عين ما صرح به سمو ولي العهد وما أكد عليه القريبون من المشهد بمن فيهم الشيخ عيسى أحمد قاسم، وتلمسه ايضا الموطنون في ذلك.

وهذا ما يجب أن نركز عليه في المرحلة المقبلة، الوحدة الوطنية، مد جسور الثقة، التركيز والاصرار على القواسم المشتركة والتعاون الدائم على تقريب وجهات النظر في الأمور والقضايا المختلف عليها.

وهذا عين ما ركز عليه الجميع فسمو ولي العهد قال: «علينا أن نتعاون على الخير، وان نعمل على بناء هذه المناطق، وكل مناطق البحرين، واذا استطعنا ان نجتمع على ذلك فنحن بخير لأن المصلحة العامة والمصلحة الفردية في هذا الوقت لهؤلاء الأشخاص ضرورة ملحة، ونأمل من الله أن يوفقنا». كما وأن سمو ولي العهد أكد في ذات الحديث على مسألة التلاقي على القواسم المشتركة التي أصحبت حاضرة في مجمل المقابلة السريعة التي أجريت معه عندما قال: «نحن اجتمعنا على الخير وليس على الاختلاف».

وهي نقطة جديرة بالاهتمام، كيف نستطيع أن نؤسس ثقافة مجتمعية ورسمية تعمل على تعزيز أولوية القواسم المشتركة، وتعمل على تقريب وجهات النظر في القضايا المختلف فيها بل والعمل على ترشيد الاختلاف واخلاقيته. فالاختلاف طبيعة انسانية فرضتها العقول المختلفة والآفاق المتنوعة والإرادات غير المتوازية ايضا، ولكن ما هو غير طبيعي الخروج عن الايقاع المتزن الموضوعي المعقلي، او الخروج على أدب الاختلاف.

وان ما يشهده المراقب من ايقاع متزن، أو يقترب من ذلك لدى المجتمع البحريني يصل إلى اطمئنان طبيعة المستقبل الذي سيتشكل في المستقبل القريب.

وثقافة التواصل هذه هي عينها التي قرأت من خلال اللقاء الودي والحميم من قبل كلا الشخصيتين (سمو ولي العهد والشيخ عيسى قاسم) حيث اضفى اللقاء ارتياحا كبيرا لدى الشارع العام ليقين الشارع أن مثل هذه اللقاءات تضفي ظلالها على المجتمع البحريني. ذلك اللقاء الذي وصفه الشيخ عيسى قاسم بـ «اللقاء الودي... وهي جلسة ودية وتدل على أحاسيس طيبة، وإنها تنم عن الاحساس بضرورة التلاقي الشعبي والحكومي على آراء من شأنها المحافظة على مصلحة البلد».

وختاما نقول: ان الرهان دائما على مواصلة فتح مزيد من قنوات الاتصال بين السلطة والمجتمع، ويجب أن يعمل كلا الطرفين على ذلك، رحلة ميمونة وموفقة بكل المقاييس وهي بداية غيثٍ ان شاء الله

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 31 - الأحد 06 أكتوبر 2002م الموافق 29 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً