في ضوء الأزمة السياسية التي دخلتها البحرين منذ إلغاء دستور العام 1973 بقرار صادر في 14 فبراير/ شباط 2002، وحتى انفجرت الأوضاع في 14 فبراير 2011، وما تلاها من أحداث متلاحقة، وصلت إلى حد قيام كل من قوات الأمن وبعض وحدات الجيش بقتل وجرح العديد من المواطنين بالرصاص الحي والانشطاري والمطاطي.
وبقراءة المشتركات بين التجمعات البشرية التي كانت في مركز الفاتح الإسلامي، والمسيرة التي دعت إليها الجمعيات السياسية إلى دوار اللؤلؤة، فإن الكل قد أجمع على الإصلاح الدستوري، دون أن تظهر المساحة المشتركة فيما يتفق عليها التجمعان، عدا ما أشارت إليه قوى المعارضة من وجوب أن يكون الإصلاح جذرياً وواسعاً، ولا شك أنه، وبقراءة أدبيات المعارضة، فإن هذا الإصلاح الذي ظهرت علائمه في بعض أدبياتها، يتمثل في الملكية الدستورية، وتداول السلطة من خلال الحكومة المنتخبة، وأن يكون مجلس النواب المنتخب كامل الصلاحيات دون أن ينتقص صلاحياته، أو يوقفها أو يعقب عليها مجلس الشورى المعين من جانب الحكم.
ولاشك أن هذه الدائرة من الإصلاحات السياسية والدستورية تتمثل في موضوعات دستورية من بينها صلاحيات مجلس النواب، بوصفه ممثلاً عن الشعب الذي هو، وهو وحده مصدر السلطات جميعاً، بحسب ما يقضي به الدستور وميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه شعب البحرين بما يشبه الإجماع.
ورغم أن التجمع الذي كان بمركز الفاتح الإسلامي لم يبين ماهية التعديلات الدستورية التي يراها، إلا أنه لا يمكن الحديث عن أي تعديلات دستورية إلا ويدخل من بينها مسألة المجلسين، النواب المنتخب من الشعب والشورى المعين من الحكم.
ودون النظر لما سبق أن أبديناه من رأي في الطريقة التي تم بها إصدار دستور 2002، ومدى انسجامه، من عدمه، مع التطمينات والعهود الرسمية من مستويات الحكم المختلفة، التي رافقت التصويت على مشروع ميثاق العمل الوطني 2001 والتي صدرت من كل من سمو أمير البلاد آنذاك وسمو ولي العهد ورئيس لجنة إعداد الميثاق، والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الميثاق لا تنفك عنه، وقد اختلطت إرادة المصوتين على الميثاق بها وكانت تحت بصرهم وهم يقرون الميثاق، بنسبة تقترب من الإجماع، من كتلة انتخابية بلغت 90 في المئة ممن لهم حق التصويت.
وبطيِّ المسافة عن طريقة إصدار دستور 2002 الذي أفضنا فيه وأفاض غيرنا من القانونيين وكذلك الخبراء الدستوريون، وعلى افتراض سلامة دستور 2002 من العيب في طريقة إصداره، والفرض غير الواقع، فإنه يصحّ التساؤل في ضوء ما تقدم من واقع آلت إليه البحرين: هل يمكن الإصلاح الدستوري للأحكام المنظمة للسلطة التشريعية التي أنشأها دستور 2002، وذلك من خلال دستور 2002؟
وسوف نجيب على هذا التساؤل من خلال نصوص دستور 2002، وما عليه التفسير الرسمي لنصوص الدستور، وذلك من خلال الواقع العملي.
وقد أجاب دستور 2002 في المادة (120/ج) منه على ذلك، ليكون منطلق الإجابة، إذ جاء في النص أنه «لا يجوز اقتراح تعديل المادة الثانية في هذا الدستور، كما لا يجوز اقتراح تعديل النظام الملكي ومبدأ الحكم الوراثي في البحرين بأي حال من الأحوال، وكذلك نظام المجلسين ومبادئ الحرية والمساواة المقررة في هذا الدستور».
وللحديث عن الإصلاح الدستوري عن طريق إدخال هذه الإصلاحات بطريق التعديل الدستوري، ينبغي التوقف عند موضوع الآلية التي يمكن من خلالها التعديل، والمدى الممكن تعديله بموجب نصوص الدستور.
ولن نتوقف عند الآليات التي رسمها الدستور 2002 بشأن ما قد يلحقه من تعديل، بل سوف نتوقف عند المدى الممكن تعديله بموجب نصوص دستور 2002 نفسه. فعادة ما تقرر الدساتير أنواعاً من الحظر، إلى جانب الإجراءات التي تقرر في تعديلها ما يجعلها دساتير جامدة، بخلاف الدساتير المرنة، كالدستور القطري القديم، فإنها تقرر حظراً لتعديلها، ويختلف هذا الحظر، فقد يتضمن الدستور حظراً زمنياً، كأن ينص على عدم جواز تعديله خلال فترة معينة، كدستور البحرين للعام 1973 الذي ألغي، تحت ستار التعديل بدستور 2002 وفق قراءة أحادية لميثاق العمل الوطني، حيث نص دستور 1973 على عدم جواز تعديله قبل مرور خمس سنوات من تاريخ العمل به كما حظر تعديل أحكامه فيما يتعلق باختصاصات الأمير في حالة النيابة عنه، وأحياناً يكون الحظر بسبب ظروف معينة كالدستور الفرنسي للعام 1946 الذي منع تعديل أحكامه طالما أن قوات أجنبية تحتل إقليم الدولة أو جزءاً منه.
وهناك نوع آخر من الحظر، وهو الحظر الموضوعي، بأن يحجز المشرّع الدستوري موضوعات معينة، ويحظر على السلطة التي تعدل الدستور، وما يسمى في الفقه الدستوري بالسلطة التأسيسية الفرعية، المساس بموضوعات معينة، وقد تضمّن دستور 2002 قائمة من الموضوعات التي لا يجوز اقتراح تعديلها، وتتمثل حسب نص المادة (120/ج) المشار إليها فيما يلي:
• المادة الثانية من الدستور التي تتعلق بلغة ودين الدولة.
• النظام الملكي.
• النظام الوراثي.
• نظام المجلسين.
• مبادئ الحرية والمساواة المقررة في الدستور.
وقد ثار في الفقه الدستوري سؤال عن القيمة القانونية للنصوص المانعة من تعديل الدستور، حيث ذهب بعض الفقه إلى بطلان الحظر النسبي من الناحية القانونية؛ مستندين في رأيهم إلى أن الدستور هو قانون قابل للتغير والتعديل في ظل الظروف المستجدة، وأن السلطة التأسيسية الأصلية ليست بأعلى من السلطة التأسيسية الفرعية لتمنعها من ممارسة حقها الطبيعي في التعديل، في حين ذهب رأي آخر في الفقه الدستوري إلى أن النصوص المانعة من التعديل صحيحة قانوناً وواجبة الاتباع؛ لأنه إذا كان صحيحاً أن جميع السلطات مصدرها الأمة، فإن استعمال هذه السلطات لا يكون إلا على الوجه المبين في الدستور، ومن ثم لا يجوز تعديل الدستور إلا وفقاً للإجراءات التي بيّنها الدستور، وفي نطاق الحدود التي رسمها.
وذهب فريق ثالث من الفقه الدستوري إلى التمييز بين نوعين من الحظر، وهما الحظر الزمني والحظر الموضوعي، وقرر البعض الآخر من فقهاء القانون الدستوري في هذا الاتجاه أنه لا قيمة قانونية لأي حظر موضوعي مطلق، في حين أن الحظر الزمني يعتبر سليماً ويتعين الالتزام به قانوناً، و ذهب البعض الآخر في هذا الاتجاه إلى عكس ما ذهب إليه الرأي الأول
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ
رد على التصحيح
هل عيب ان يطالب الانسان بتعديلات دستورية
ام هو و فخر
تصحيح فقط
أهل الفاتح لم يطالبوا بتعديلات دستورية ومن أين أتيت بذلك...
يرجى منك كقانوني تحري الدقة في الخطاب.. فنحن هنا ونعرف مطالبنا..