جودو
سجيننا يحفر ثغرة في الباب
لكي يراك قادماً من خلل الضباب
حين تعيد للأم، وللمدينة الشباب
من خلف كل دمعةٍ داميةٍ حزينه
والأم والمدينة
ترقب «جودو» تستعد للخلاص
تحبل من أحزانها الحراب والرصاص
فمرحباً بالجوع والدموع
هذه مقاطع من قصيدة كتبها الأديب اليمني عبدالعزيز المقالح في العام 1969 يخاطب فيها مؤسس مسرح العبث صامويل بيكيت من خلال مسرحيته «في انتظار جودو» التي كتبها في العام 1947، والتي تدور أحداثها حول مجموعة من الشخصيات التي حاول بيكيت أن يصورها في صورة ساخرة على أنها «شخصيات معدمة مهمشة ومنعزلة تنتظر شخصاً يُدعى (جودو) ليغير حياتهم نحو الأفضل»، لكن بيكيت بعد استطراد عبثي على مدى فصلين من الرواية تخللهما الكثير من «اللغو والأداء الحركي والحوار غير المتواصل لا يأتي جودو أبداً»، يعمد أن يترك القارئ في حالة من الحيرة التي لا تعطي المسرحية لمن يقع فيها أي جواب.
الأهم من البعد الأدبي/ الإبداعي الذي يحيط بالمسرحية، هناك أيضاً العنصر السياسي الذي تغلفه، إذ يستطيع من يريد أن يتلمس الجوانب السياسية في تلك الرواية، حيث، كما يقول مروان العياصرة في صحيفة «الوقت» البحرينية بأن فكرة الرواية تتلخص «في شخصيتين ترتحلان إلى مكان ما في انتظار الوصول المرتقب لـ (جودو) ولكنه لم يأت بعد... ولعلهما يصلان إلى مرحلة من اليأس لكنهما لا يغادران، شيء ما يبقيهما على قيد الانتظار الصعب».
أما مروى العبدلله، فتلخص مراجعتها النقدية للرواية في تساؤل فيه الكثير من نبرة التحدي فتقول «فمن هو جودو هذا؟ أهو المنقذ، أم الشافي أم من يجعل الحلم حقيقة؟ من هو؟ أهو الأمل، الفرح، السعادة؟... أهو الطفل الذي جاء لهم بعدة أخبار متناقضة، مرّة يقول إنه سيجيء، ومرّة يقول إنه لن يجيء اليوم؟ أهو (بوزو) القوي المستعبد لـ (لاكي) المستعبد الراضي باستعباده؟.. أهو الزمن الذي يحطم البشرية شيئاً فشيئاً، ويقودها، وهي ساهمة لاهية، لتشرب من كأس الموت؟ أم هو العبث: حيث لا شيء يحدث ولا أحد يجيء».
المسرحية ذاتها يستعين بها الكاتب السوداني زهير السراج لتشخيص ما كان يجري في السودان قبل التصويت على «استقلال الجنوب»، فنجده يقول «الشعب السوداني كله الآن في حالة انتظار لما ستسفر عنه الكثير من القضايا الشائكة والمعقدة على رأسها قضية الوحدة والانفصال... ومع الانتظار هنالك حالة حوار غير مفهوم وكلام لا رابط له يدعو للضحك والسخرية، يدور بين أطراف المجتمع الذي يعيش حالة من البؤس والاكتئاب... وضع أشبه بمسرح العبث... المثال الأبرز لهذا المسرح هو ما كتبه عملاق الكتابة العبثية الإيرلندي الأصل (صمويل بيكيت)، وعلى الأخص مسرحيته الشهيرة (في انتظار جودو أو غودو) التي كتبها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية... تتميز المسرحية بأنها ليست ذات بداية أو نهاية وإنما هي سيل من الكلام بين بعض البؤساء من دون رابط أو حبكة مسرحية أو أحداث ذات توقيت مكاني أو زماني، الشخصيتان الرئيسيتان في المسرحية هما (جوجو) و (ديدي) اللذان يدور بينهما حوار غير مترابط، بينما يقبعان تحت شجرة في انتظار (جودو) ليخلصهما من الوضع المأساوي الذي يعيشانه... أمّا (جودو) فلا يعرف أحد من هو وأين هو وماذا يعمل».
هناك الكثير من المشاهد التي تستحق التوقف عندها في مسرحية «في انتظار جودو»، نختار منها هذا المشهد الحواري بين استراجون وفيلاديمير تحت الشجرة:
«ينظر استراجون باهتمام إلى الشجرة، ماذا نفعل الآن ؟
استراجون: ننتظر. فلاديمير: نعم، ولكن بينما ننتظر. استراجون: ماذا لو شنقنا أنفسنا؟. فلاديمير: على فرع من فروع الشجرة ؟ (يتجهان صوب الشجرة) لا أثق في قوة احتماله... استراجون: بإمكاننا دائماً أن نحاول. فلاديمير: هيّا إذن. استراجون: بعدك. فلاديمير: لا... لا... أنت أولاً. استراجون: لماذا أنا؟. فلاديمير: أنت أخف منّي. استراجون: بالضبط. فلاديمير: لست أفهم. استراجون: استخدم ذكاءك، ألا تستطيع؟. (يستخدم فلاديمير ذكاءه) فلاديمير: أما زلت عاجزاً عن الفهم؟»...
هذه الرؤية التقليدية لعبثية المسرحية تقابلها رؤية عصرية جسدها المخرج السوري عبدالكريم حلاّق عندما قال «عفواً بيكيت»، فالانتظار «عند استراجون مستحيل، لقد اقتنع الرجل بأنه لا يجدي، وبالرغم من ذلك بقي واقفاً في ساحة الانتظار لإقناع فلاديمير بلا جدوى الانتظار».
تبرز مثل هذه المقاطع أمام عيني المواطن البحريني اليوم، كلما جاء الحديث عن «الحوار»، الذي يبحث عنه الجميع تماماً كما ورد في مسرحية بيكيت «في انتظار جودو». نحن بانتظار الحوار الذي نأمل جميعاً أن نراه يتحقق. يريد المواطن أن يرى أطراف الحوار وقد تحلقوا حول طاولة واحدة يحكمها هدف واحد هو «حب الوطن»، وتسير نقاشاتها على طريق واحد هو الذي يوصلها إلى ما هو في مصلحة الوطن.
وليس هناك من إشارات لعبثية التلكؤ في الحوار أكثر من تلك التي أبرزها بيكيت في مسرحية «بانتظار جودو» فهل يكون مصير البحرين مصير من كانا ينتظران جودو؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3097 - الأحد 27 فبراير 2011م الموافق 24 ربيع الاول 1432هـ
انتظروا .. و انا معكم منتظرون
و سيُعلم غداً من الذي هو أشدُ بأسا و أطول نفسا
يجب عمل "المستحيل" لإنجاز و إنجاح هذا الحوار.
البحرين لا تحتمل كل هذا، سواء كانت السلطة أو المعارضة، و المعارضة وضعت أرضية لهذا الحوار بمجموعة شروط، فلتنفذ السلطة ما وضع من شروط و هي صعبة نوعا" ما لكنها ما إتفق عليه و إجمع عليه في الميثاق الوطني و أيده الشعب جميعا"، فعل "المستحيل" أفضل من الوقوع في مآزق أشد مما تعانيه السلطة، و التعويل على القوة المادية أمام إرادة شعب بأكمله هو مراهنة خاسرة حتما"، نرى إنقاذ وطننا هذا بيد السلطة و حدها، فهي من بيدها جميع الأوراق، و شعب البحرين لا يبدي أي تساهل في حقوقه اليوم.