اسمحوا لي أن أتحدث في مقال هذا اليوم شخصياً ومن القلب، على الرغم من أنني لم أكن يوماً من محبي الحديث الشخصي عبر الأعمدة والمقالات.
لطالما شعرت في تواطؤ عاطفي بالتماهي والاندماج مع البحرين، حتى أنني صرت أشعر بأنني هي، وأنها أنا، غابت الفواصل بيننا. ربما كان السبب هو أنني قضيت سنوات ليست بالقليلة أدرس في الخارج في أكثر من بلد، فوجدتني دون أن أقصد «سفيرة غير رسمية» لأشخاص من كل أنحاء العالم لم يقابلوا من البحرين غيري ولم يشاهدوها إلا من خلال عيني. وجدتني فجأة ودون سابق تخطيط مرادفاً في أذهان من عرفني لهذه البلاد التي أحبها، حتى صرت عندما أنظر في المرآة أرى انعكاسها بدلاً من صورتي.
كثيراً ما شعرت بأن هذه الجزيرة الصغيرة تشبهني كثيراً، شخصيتها تشبهني، ملامحها تشبهني، كثيراً ما كنت ألومها مثلما ألوم نفسي، ثم أعود للتصالح معها.
كثيراً ما كنت أعتب عليها، مثلما أعتب على نفسي، ثم لا أتمالك نفسي لأصفح عنها وأسامحها. فترات الخصام الاستثنائية لا تدوم طويلاً بيننا، لأنني أعرفها جيداً من الداخل، إنها أنا.
هي بسيطة ومعقدة، قوية وضعيفة، باردة وملتهبة، حزينة لكنها تكبر على الأحزان دوماً، ورغم كل شيء كانت دوماً مليئة بالحياة وبالأمل بشكل كان دائماً يبهرني، ويقوّيني.
عوّدت نفسي أن أستوعب جميع الأفكار والأطياف مثلما كانت حبيبتي البحرين تفعل، واقتنعت على الدوام بأن جزءاً من جمال هذه الجزيرة وجاذبيتها هو أنها تستوعب الجميع وتمثل الجميع.
اسمحوا لي اليوم فقط أن أخص حبيبتي البحرين لنفسي، أن أتملكها وأتحدث بلسانها بعفوية.
كانت حبيبتي البحرين ترتجف يوم الخميس قبل الماضي، أحسست بارتجافتها بين أضلاعي. هل كانت صدفة أن تكون شرفة غرفتي مطلة على ساحة قريبة من دوار اللؤلؤة حيث كان المعتصمون نياماً؟
هل كانت صدفة أن أصحو فجراً على أصوات الطائرات وأسمع الطلقات، هل كنت أحلم؟
بقيت أرتجف صمتاً بين اليقظة والنوم، ما حدث هزني من الأعماق، فأصبحت عاجزة عن الحركة، كلياً.
لم يكن في جسدي حركة غير أطراف أصابعي التي كانت تضغط بخفة على أزرار جهاز البلاكبيري متنقلة بسرعة ولهفة لم أتعودهما بين المواقع لمعرفة أي أخبار عما يحصل في الخارج، على بعد أميال فقط من حيث كنت أستلقي بصمت.
فقدت القدرة على النطق، حرفياً ليومين، احتراماً لصمتها، حبيبتي التي لطالما استوعبت الجميع لم يكن يمكنها أن تستوعب أن يجري ما جرى في يوم من الأيام على أرضها الآمنة اللطيفة المسالمة.
احترمت صمتها عندما بدأت تحاك القصص وتلفق التهم، وصرت أراقب معها ما يجري، حبيبتي الصبية بدأت تشيخ من منظر الدماء وأصوات الرصاص وآثار الدبابات التي لم تتعودها أرضها. لكنني لمحتها صامدة وصابرة، بل إنني لمحت بريق الحياة الذي تعودت أن أراه مطلاً من عينيها كلما تأزمت عليها الأمور.
غير أن ذبولها تضاعف لاحقاً، بعد أن بدأ الصغار «عمراً وعقلاً» في زرع الفتن وإشاعة التحريض الطائفي. حبيبتي تعرف أن باب جهنم قد انفتح في وجهها من هنا، فكيف تلملم هكذا جراح بعد أن ينتهي كل شيء؟
هل نعاني فعلاً مأزقاً طائفياً؟ فالخلاف سياسي والمأزق سياسي، المطالب سياسية والخطاب الرسمي سياسي، المعتصمون في دوار اللؤلؤة يرددون شعارات سياسية، والخارجون في مسيرات الولاء رددوا أيضاً شعارات سياسية. الكل يتحدث تحت شعار الوحدة الوطنية و «إخوان سنة وشيعة»، لماذا نتحدث اليوم بلغة معالجة الطائفية إذاً وكأننا نعاني من حرب أهلية؟ لماذا نغرق في محاولة دفاعنا عن علاقتنا مع بعضنا البعض وكأننا جميعاً متهمون؟
لماذا ننسى بأننا صنيعة هذه الأرض الحبيبة التي علمتنا بأننا فعلاً جسد واحد، فصار أمراً واقعاً لسنا بحاجة إلى إثباته في كل مرة تتأزم فيها الأمور؟
جميعاً، لا تجرحوا حبيبتي أكثر بسكاكينكم، فالمطالب السياسية المرفوعة مشروعة والتظاهر السلمي مشروع والحوار والتفاوض السياسي أيضاً مشروع بل ومطلوب جداً في هذا الوقت الحرج.
إن خلع النظارة الطائفية البغيضة التي تم توزيعها لتعمي الناس عن هذه الحقائق الثلاث أمر على درجة كبيرة من الأهمية في هذا الوقت، هكذا علمتنا حبيبتي البحرين التي تراقبكم جميعاً بصمت لكنها تسجل في كل حجر من أرضها ما تفعلون، فرفقاً بها
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ
يالله
نعم اختي العزيزة البحرين كبيرة وكبيرة باهلها وحرام الي يصير فيها من شحن طائفي بغيض الهدف منه مصالح شخصية ضيقة .
فعلى الحكومة النظر بعين في كل الاتجاهات كي تضع الحل المناسب لهذه الازمة التي عصفت بالبحرين وهو تنفيذ مطالب الشعب الاصيل المشروعة واعطاء الشعب دور في قيادة البلد وليس تهميشة فهذا مطلب الجميع دون استثاء
صباح الخير
اعجبتني تلك الكلمات
اما عن مأزقا طائفيا .. فهم ينافقون انفسهم يتفوهون بعبارات من غير قناعة ..
فعالهم تنافي الوحدويه التي ينادون بأسمها سواء في "مسجد الفاتح او على شاشة العائلة الواحده"
تحياتي لك اختي العزيزة
اختي الكريمة "ندى"
ليس أرفق على البحرين من أهلها "سنّة و شيعة"!!
فلا تديري الطرف يا اختي عن المولّد الحقيقي للطائفية البغيضة.