العدد 3095 - الجمعة 25 فبراير 2011م الموافق 22 ربيع الاول 1432هـ

العرب بين خصوصية الهوية والتغيير...!

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

دهام حسن - كاتب سوري، والمقال يُنشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org» 

لكل إنسان، لكل مجتمع هويته التي تعبِّر عن خصائصه مع ما يحمل من طابع الخصوصية لهذا الفرد أو المجتمع أو ذاك، وهذا الأمر سبق أن أكده ابن خلدون عندما يقول: «لكل شيء طبيعة تخصه»، لكن ما ينبغي قوله هنا هو أن هذه الهويّة رغم خصوصيتها غير ثابتة، ولا تبقى على حال واحدة، فهي في تبدّل وتغيّر وتطوّر مستمر من مرحلة اجتماعية إلى مرحلة أخرى، والإنسان أكثر تطوراً من سواه، فهو يختلف عن سائر الكائنات الأخرى على وجه البسيطة من نبات أو حيوان أو جماد في هذه المزية... فالإنسان هو سيرورة من التفاعلات الكثيرة من وعي وإرادة وثقافة وعلاقات وصراعات ومؤثرات كثيرة... إلخ.

لهذا نقول هنا علينا أن نتفق أولاً على أن الإنسان مخلوق اجتماعي يولد ويحيا في بيئة اجتماعية ما، فهويته بالتالي تتغير وتتطور بتغير وتطور المجتمعات تاريخياً، فليست هناك هوية ما دائمة وثابتة لا للفرد ولا للمجتمع، بل تكون هذه الهوية بطبيعتها الخاصة منفتحة لخصوصيات أخرى تغتني بها جراء التواصل والترابط والعلاقات وأيضاً التلاقح معها، دون تغافل ربما عن عناصر أو عوامل أخرى تساهم بهذا القدر أو ذاك في بلورة الشخصية الفردية والمجتمعية، وبهذا فالشخصية الفردية والخصوصية المجتمعية في تغير وتجدد دائمين.

جاء البحث عن الهوية في أسئلة رواد النهضة، وما زال السؤال ذاته مطروحاً إلى اليوم، وهذا دليل أكيد على أن الهوية كانت وما زالت تعيش حالة أزمة دون وضوح، فلم يزل المجتمع العربي يعاني من التمزق والتخلف، فلا ثقافة يمكن أن يتحصن خلفها المرء، ولا تنمية اجتماعية أو اقتصادية تذكر، وما زالت أحزمة الفقر تطوّق أعداداً هائلة من البشر، وهنا غير مجدية المباهاة بالأجداد والغناء بالتراث، فهذه الحال كمن يقف على أطلال دارسة ينشد معلقة امرئ القيس «قفا نبكي...».

إن الميراث القديم ينبغي أن يتم إشباعه فهماً ودرساً ومن ثم البناء عليه بعقلانية ووعي وجسارة، دون اعتباره سقفاً نتطلع إليه محسورين دون التفكير بتجاوزه، فالماضي المجيد لن يعود وبالتالي ينبغي أن يكون حافزاً للاختراقات لا مثبطاً للهمم، ومبعثاً للبكاء، لا بد من الانفتاح لحاضرنا الضاج بمسائل عديدة، إننا اليوم بأمَسّ الحاجة إلى فكر حر نقدي عقلاني تنويري، به نعالج الواقع، نعالج الأزمة، ونستشرف بالتالي المستقبل، لا بد من امتلاك المعرفة، لا بد من حرية في الفكر وقبول الاختلاف، لا بد من معركة تنوير العقل، وتحديث الواقع، لا بد لنا من تجاوز الأبنية المشيدة في الواقع العربي بمختلف المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية، وفي سائر المجالات أو المنظومات الأخرى من سياسة واقتصاد ومجتمع.

منذ حملة نابليون على مصر في أواخر القرن الثامن عشر، وإصلاحات محمد علي في القرن الذي تلاه، جاء الاحتكاك والصدمة بين الواقعين، العربي المتخلف، والغربي المتحضر، بين ثنائية التحضر بمنجزات علمية في المجتمع والاقتصاد والتقانة يضاف إليها الاستعمار الغربي، وبين التخلف والتبعية العربية... حتى بعد أن تم التحرر وتحقق الاستقلال بقيت التبعية هي السارية للفروق الكبيرة بين العالمين الغربي والعربي.

الفكر الغربي كما لاحظنا وتابعنا جمع بين، التقدم الحضاري والعدوانية، بهذا الصدد نقول وبصراحة، لا يمكن لنا المشاركة في معركة الحضارة إلا إذا ما تغلبنا على ترددنا وتقاعسنا وفكرنا الراهن، لابد أولاً من وعي واقعنا ثم السعي الحثيث لتغييره وتطويره وتجاوزه نحو واقع أفضل...

بعد أن تم الجلاء وتحقق الاستقلال، جاءت الصدمة ثانية وهذه المرة من أنظمة وطنية استبدادية ذات الطابع المملوكي بتعبير المفكر محمود أمين العالم، حيث جاء التحرر لجماً للتنمية المجتمعية، وهيمنة للفكر السلفي، وزعيقاً للفكر القومي المفعم بالمشاعر الطفولية الجياشة، ومن خلفه اليسار بالطوق السوفياتي، لتنتهي هذه الهبّة السلفية والقومية بهزيمة يونيو/ حزيران.

لهذا جاء من يقول إن الفكر العربي المعاصر هو امتداد لأصول الفكر الفقهي، فقد تعددت أنماط الحكم، فأخذ الطابع الديني السطحي هنا، والقومي من حيث الشكل هناك، مع تلوينات يسارية، وأيضاً الحكم مع نزوع طائفي، أو ربما راود بعضهم الشكل الخلافي (الخلافة) في الحكم الوراثي دون صحابة، مع جند من الموالاة والحجّاب، وثروة متدفقة معينها لا ينضب، وأفلحت النظم في استمالة نخب ثقافية لتكون أبواقاً تسوغ لها كل ارتكاباتها، وتُشرْعنُ للنظم ما هي عليها من أشكال الحكم، أي تضفي على الحكم طابع الشرعية، فظل النظام هنا يجتر ليعيد إنتاج الوعي السائد ويستمر الماضي في الحاضر، وفي هذا الإطار راحت النظم العربية المختلفة تعمد لفرض شكل من الفكر على الواقع العربي عبر الدولة، فهي كعادتها حكمت بالعسكر، وأخذت تسن قوانين وتشريعات تصب كلها في اتجاه حصر السلطة بأيدي حفنة صغيرة، ويقسر الناس على التعود وقبول هذا الشكل من الحكم أو التحكم، وأيضاً استخدمت وسائط وأبواقاً مختلفة من الإعلام ومناهج التعليم وسواها من وسائل المعرفة.

تمّ عقد ندوات عديدة من قبل أهل الفكر للإجابة على السؤال عن أسباب التخلف، وهل ثمة أزمة، والدعوة لتجديد الفكر في الوقت ذاته، فمنهم من رأى أنها أزمة حضارة، فرَدَّ من يقول بأنها أزمة البرجوازية الحاكمة، ومن أن الحاضر هو استمرار للماضي، وأزمة البنية الأيديولوجية للفكر القومي، مع ضعف التواصل العربي العربي والعلاقات البينية، فحجم التبادل التجاري والاقتصادي فيما بينها لا يتجاوز ثمانية في المئة، ناهيك عن مسائل أخرى كغياب الديمقراطية وفقدان الحريات والتعدي على حقوق الإنسان، انعكس علاوة على ما ذكرناه على النمو الفكري سلباً، ودفعه نحو تبعية دائمة، فالتنمية عادة تتم في نظم تبنى وتؤسس عادة بمشاركة ديمقراطية واسعة، وتتمثل بتيارات سياسية متعددة تتمثل في السلطة...

دون أن ننسى أن التنمية تتأثر أيضاً بواقع العالم وانعكاساته على الواقع العربي، جاء هذا التأثير واضحاً ولاسيما بعد انهيار المنظومة السوفياتية، وما حصل من خلل في التوازن العالمي وهيمنة القطب الواحد الأميركي بالتوازي مع ثورة التقانة ولاسيما في مجال المعلومات والاتصالات، والسعي لتهميش العالم الثالث، وترسيخ تبعيته واعتباره عالماً هامشياً ليس سوى امتداد للعالم الرأسمالي.

ما المطلوب منا إذاً عمله في الحالة الراهنة على صعيد مختلف التيارات السياسية؟

أرى لزاماً على هذه التيارات كافة تقوية النقد والعقلانية، والدعوة إلى الديمقراطية وتنمية المجتمع المدني والنضال ما أمكن لتحقيق وتوسيع دائرة الحريات العامة ويكون هذا بمواجهة الدولة كما قلنا بثقافة نقدية تبين أن تردي أوضاع المحكومين هو مسئولية الدولة، وتترتب بالتالي على النخب الثقافية مسئولية إيجاد مخرج للخروج من الواقع الراهن المزري والمأزوم، لا بد من بناء كتلة ثقافية مخلصة واعية، فالشعوب العربية من حقها مجاوزة التخلف، فالتخلف ليس قدر هذه الشعوب، لا بد من مواصلة السير على طريق التقدم والحرية والديمقراطية، والتمتع بكنوز خيرات أوطانها، والمساهمة في مسيرة التقدم نحو عالم أرحب وحياة، أفضل، وإنسان أوفر علماً ومعرفة وتقدماً.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3095 - الجمعة 25 فبراير 2011م الموافق 22 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً