في كل مرحلة من مراحل تطور الشعوب، تستجد على مداولات الناس بعض التعبيرات التي يفرضها التطور التاريخي للمجتمع المعني، فنجد المواطنين يتداولون فيما بينهم عبارات تعكس نسبة عالية من الأفكار التي تسيطر على سلوكهم وتتحكم في الآليات التي تنظم العلاقات المتبادلة فيما بينهم.
وقد ينظر البعض الآخر بسذاجة إلى ذلك التداول، ويرون فيه قضية ثانوية عند الحكم على مستوى التطور، لكن الأمر الأكثر خطورة مما يتوهم ذلك البعض، ذلك أنه عندما تكون تلك التعابير سلبية أو تحمل مدلولات سلبية، تصبح، في حالات كثيرة، بمثابة العصي القادرة على إيقاف دوران عجلة تطور ذلك المجتمع، إن لم تؤدِّ إلى تدميره.
هذا يرغمنا اليوم في البحرين على مراقبة التعبيرات التي نستخدمها فيما بيننا، وأن ندقق في الألفاظ التي نتداولها.
بالطبع هناك أيضاً بعض التعبيرات الأخرى ذات المدلول الإيجابي التي ننصح بترويج استخدامها.
نبدأ بالتعابير الإيجابية مثل «غوغلها»، وهو تعبير غالباً ما نسمعه عندما يستفسر أحدنا عن معنى لبعض المفردات، أو يحاول الحصول على معلومات عن بعض الأمور، إذ غالباً ما ينبري أحد الجالسين، داعياً المستفسر بـ «غوغلة» ما يبحث عنه. وهو تعبير منحوت من محرك البحث «غوغل» الذي أصبح اليوم قريباً جداً من الموسوعة المتنقلة المتعددة اللغات، والمزودة بقاموس يصاحبها عند الحاجة للترجمة. لكن ذلك ليس بيت القصيد، بقدر ما أردنا الإشارة إلى تشجيع استخدام مثل تلك التعابير، فليس هناك من يرفض استخدام التعبيرات «البناءة» التي جلبها لنا احتكاكنا مع الإفرازات الإيجابية للمجتمعات الأخرى.
ما نحذر منه هو عكس ذلك تماماً، وهو ما بتنا نسمع تكراره خلال الأسابيع القليلة الماضية، وعلى وجه الخصوص منذ مطلع شهر فبراير/ شباط 2011، عندما بدأت تشيع في مجتمع البحرين الصغير، تعبيرات تسود المحادثات المتبادلة بين المواطنين البحرينيين البسطاء مثل: «نحن» و «هم»، والمقصود هنا تشخيص إحدى الطائفتين «السنية» و «الشيعية» للأخرى.
هناك أيضاً تعبيرات مثل تلك التي تحذر من احتمال اندلاع «حرب أهلية» أو «طائفية» يتقاتل فيها أهل البحرين.
رويداً رويداً بدأت هذه المفردات الغريبة تدخل أدمغتنا، وتتسلل بخبث إلى عقولنا، كي تتحكم، في مراحل لاحقة لا قدر الله، في سلوكياتنا، بعد أن تصبح من المداخل الثابتة في قاموسنا.
قبل تناول سلبيات تداول مثل هذه المفردات، ينبغي لنا التأكيد على حقيقة مهمة ونعمل على ترسيخها عميقاً في نفوسنا وسلوكياتنا على حدٍّ سواء، وتلك هي أن البحرين مجتمع غني بتعايش طائفتيه، «السنية» و «الشيعية»، ولكي نكون أكثر صراحة من ذلك، ليس من حق أيٍّ منهما ادعاء عمقها التاريخي أكثر من الأخرى، أو التوهم بأحقيتها في الاستئثار بامتيازات وطنية أو اجتماعية أكثر من الأخرى، كائناً ما تكون الأسباب التي تسوقها تلك الطائفة المدعية. ويشهد تاريخ البحرين الحديث، كحد أدنى، وبكل بفخر على احتضانه الطائفتين بالكثير من العدالة والمساواة القائم على التسامح فيما بينهما.
ومن يحاول أن ينكر ذلك، فهو يحاول أن يلوي رقبة التاريخ، أو يشوّه مساراته.
في ضوء الاقتناع بهذه الحقيقة، ننتقل إلى تناول خطورة تداول تعابير مثل «هم» و «نحن». فمتى ما تساهل الأهل، وخصوصاً الوالدين، وغضّا الطرف عمن يستخدم هذين التعبيرين من أبنائهما، فهما، بوعي أو بدون وعي، يساهمان في شق وحدة هذا المجتمع، ويشعلان فتيل الحريق الذي يهدد بالتهامه.
وعندما يشيع هذان التعبيران على ألسنة أبنائنا، دون أن يكون هناك من يردعهم، فنحن، بقصد أو بدون قصد، نزرع بذرة الطائفية عميقاً في نفوسهم، ونرسخ هذه المفاهيم في صفحات قواميسهم، ومن ثم فليس من حقنا، في مراحل لاحقة مطالبتهم بالكف عن استخدامها، أو زجرهم عند تعاملهم بمقتضى مدلولاتها.
نعود بعد ذلك إلى تعبير «الحرب الطائفية» أو «الحرب الأهلية» الذي يستخدمه البعض منا دونما استيعاب لمخاطره القادمة.
مرة أخرى لابد من التأكيد على أن مقومات اندلاع «حرب أهلية» أو «طائفية» غير قائمة، ولا توفرها التربة البحرينية، وبالتالي فليس هناك ما يبرر استخدام هذه الفزاعة لتمرير مشروعات أخرى، أو للترويج لأفكار هدامة. من الجريمة مماثلة الأوضاع القائمة في البحرين اليوم، بتلك التي يعيشها المجتمع اللبناني للتأكيد على احتمال اشتعال حرب طائفية كتلك التي أكلت الأخضر واليابس في المجتمع اللبناني، فلكل منهما خصائصه التي تميزه عن الآخر، ومن ثم فالمماثلة ساقطة أصلاً، ولا تملك أية مقومات النجاح. لكن عندما نسامح بعضنا بعضاً في استخدام مثل تلك التعبيرات والتحذير منها، حينها تتحول تلك التعبيرات إلى ما يشبه القناعات التي يصعب، فيما بعد، إزالتها من تفكيرنا، هذا إن لم نوافق على المشاركة في إثارتها عملياً على أرض الواقع، إثباتاً لما حذرنا منه. من هنا تنبع خطورة هذا التعبير، وضرورة الكف عن ترديده.
تعبير خطير ثالث هو أن المجتمع البحريني، هو بمثابة الطير الذي لا يستطيع التحليق بجناح واحد فقط، تعبيراً عن كون قيام كل طائفة مقام أحد الأجنحة، وهذا أيضاً تعبير خاطئ وخطير نحذر منه وندعو للكف عن استخدامه. البحرين مجتمع واحد يغرد بألحان فئاته المجتمعية المختلفة التي لا تفقدها تمايزاتها الاجتماعية أي شيء من عناصر وحدتها القائمة على رسوخ عناصر «مواطنتها»، الممتدة عميقاً في تاريخ هذا الوطن.
فهل كفَّ من يردد تلك التعابير الخطرة عن الترويج لها، واختار عوضاً عن ذلك، تلك الأخرى الأكثر تحضراً وفائدة للمجتمع البحريني الذي ينوء اليوم تحت عبء الكثير من التحديات التي تكاد أن تقصم ظهره.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3092 - الثلثاء 22 فبراير 2011م الموافق 19 ربيع الاول 1432هـ
الظائفية
لا توجد في البحرين نبرات الطائفية وإنما يوجد من يستخدم الطائفية لشخصة، وقد رأينا بأم أعيننا أن الوزراء المسؤولين كيف يذهبون الى أطياف معينة ويتغافلون الأخرى، يامرون بإطلاق سراح السجناء لأجل تجمع معين وليس لعيونكم أيها الطائفة، أي يوجد استخدام للطائفية ولا يوجد احترام للجميع أصلا، فالمجتمع واحد والمستخدم متنوع ناقم
هم و نحن.
كان ولدي الصغير بالأمس يلعب اونلاين على أحد مواقع الألعاب التي يستصحبها محادثات مع اللاعبين.. ففاجأني بسؤال ..ماما صديقي يسألني هل أنا سني أم شيعي.. قلت له يا ماما قل لصديقك أنك مسلم و بحريني وكفى.. لم أربي أبنائي على هذا..
استاذي العزيز ..
الشمس يراها الجميع "حتى من لا يرغب برؤيتها"