سجل عدد من المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والسكر والذرة والأرز ومعظم الخضروات والفواكه ارتفاعاً حاداً في أسعارها على امتداد السنوات الأربع الماضية. وتشير التوقعات إلى استمرار هذه الزيادة في السنوات القادمة.
وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر اعتماداً على مستورداتها من المواد الغذائية أكثر من أية منطقة أخرى من العالم والأكثر تأثراً بهذه الأزمة وانكشافاً أمامها مما يفاقم هذا الوضع عوامل ثلاثة متداخلة وهي زيادة أسعار المواد الغذائية عالمياً، والزيادة السكانية المهولة في عدد السكان بسبب تدفق العمالة المهاجرة، وانخفاض إنتاجها في بعض المواد الغذائية المهمة بسبب استنزاف المياه الباطنية أو تدهور نوعيتها.
وتشير إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن معدل أسعار المواد الغذائية قد شهد تذبذباً بين صعود وهبوط لكنه في المعدل ارتفع من 122 درجة العام 2004 إلى 214 العام 2008 ثم هبط إلى 140 في مارس/ آذار العام 2009، ليعاود الصعود بسرعة في النصف الثاني من العام 2010 بعد هبوط حاد في إنتاج وصادرات الحبوب بسبب حرائق روسيا وأوكرانيا والجفاف في استراليا والفيضانات في أكثر من بلد.
كما أن التحول إلى استخدام الكحول المستخلص من السكر والزيوت النباتية كمصادر للطاقة وخصوصاً كوقود للسيارات، قد اقتطع من الإنتاج المخصص للاستهلاك البشري. وهناك عامل آخر وهو المضاربة على أسعار العديد من المواد الغذائية في صفقات البيع والشراء الآجلة، وخصوصاً في ظل الكوارث الطبيعية التي تؤثر على الإنتاج مثل الحرائق والجفاف والفيضانات والعواصف.
أزمة الغذاء في الجزيرة العربية:
تجد دول الجزيرة العربية نتاج ذلك في مأزق، حيث إنها ستجد نفسها غير قادرة على تأمين حاجتها من الغذاء. وقد عمدت دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاستمرار في دعم بعض السلع الغذائية الأساسية، وتأمين احتياطي من السلع الغذائية، وخصوصاً القمح، وزيادة الاستثمار في المشاريع الزراعية بما في ذلك الاستمرار في دعم الإنتاج المحلي لبعض المنتجات كالقمح. كما أن السعودية تقود باقي دول المجلس في التوجه للاستثمار في مشاريع زراعية عملاقة في بلدان زراعية، وخصوصاً الهند وشرق آسيا. وتشير دراسة لمركز الخليج للدراسات في دبي الى ما يلي:
1- تعتمد دول مجلس التعاون على 60 في المئة من وارداتها من المواد الغذائية لسد احتياجاته من الغذاء، ومن المتوقع أن يتضاعف سكان دول المجلس في الفترة ما بين 2000 إلى 2030.
2- تعتمد الزراعة في دول مجلس التعاون على المياه الباطنية غير القابلة للتجدد، فالسعودية مثلاً لن تصبح قادرة على توفير مياه الري الجوفية، حيث ستنزف هذه المياه بحلول 2060.
3- استمرار الارتفاع في كلفة المواد الغذائية المستوردة مما يشكل عبئاً على موازناتها.
كيف تتفاعل دول مجلس التعاون مع هذه الأزمة؟
1- توجهت دول مجلس التعاون للاستثمار في مشاريع زراعية عملاقة في عدد من الدول مثل السودان والباكستان والهند وشرق آسيا وشرق إفريقيا.
2- التوجه إلى أسواق جديدة كمصادر لوارداتها الزراعية مثل البرازيل وجنوب إفريقيا والأرجنتين والتي لا تدعم صادراتها الزراعية إلى جانب المصادر التقليدية مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
3- الاستخدام الاقتصادي للمياه المحدودة المتوافرة للزراعة وذلك بالاعتماد على أنواع محسنة من المحاصيل، والقليلة الاستهلاك للمياه، وتطوير تكنولوجيا الرأي وغير ذلك.
هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها مصاعب ومخاطر عديدة. فهناك معارضة متزايدة في بعض البلدان للاستثمارات الخليجية في مشاريع زراعية عملاقة من قبل عدة أطراف ومنها المزارعين والذين يعتبرونها منافساً غير متكافئ معهم والمسئولين والبرلمانيين المحليين الذين يعتبرون ذلك نوعاً من الاستعمار أو الاستغلال.
كما أن هناك توتراً متزايداً من قبل المزارعين وبالتحديد الشركات الزراعية العملاقة كما في السعودية والتي تنتج القمح والخضراوات والأعلاف بأسعار مدعومة من قبل الدولة وتوفير تسهيلات مالية وغيرها واستغلال للمياه الجوفية القابلة للنفاذ.
إن توجه الدولة لوضع ضوابط على أي من هذه العوامل، مثل رفع الدعم لأسعار المنتجات الزراعية أو تخفيض القروض أو تحديد الاستهلاك من المياه، سيدفع أصحاب الشركات الزراعية العملاقة ومعظمهم من أصحاب النفوذ لصدام مع الحكومة.
لقد آن الأوان لدول مجلس التعاون الخليجي أن تضع استراتيجية جدية ضمن استراتيجية عربية لضمان الأمن الغذائي بما ينمي القدرات الأنتاجية الزراعية العربية المستدامة ويصون الموارد المائية والبيئة وذلك بحاجة لمقال آخر.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3085 - الثلثاء 15 فبراير 2011م الموافق 12 ربيع الاول 1432هـ
محمد السيد ناصر
مقال مناسب في الوقت المناسب