4 - كشفت الثورة الشبابية المصرية الغطاء عن الكثير من خفايا العلاقة التي طورها، وعمل على إخفائها، نظام مبارك، والتي تنظم صلاته مع العدو الصهيوني، الذي لم يستطع (العدو الصهيوني) أن يخفي مخاوفه، في حال حصول أي تغيير، مهما كان طفيفاً في طبيعة النظام «المباركي».
فمنذ الوهلة الأولى لانطلاقة الثورة، وقبل أن يتبلور أي من معالمها الراديكالية، وعندما كانت مطالبها محصورة في الدعوة لبعض أشكال الإصلاح، وجدنا تل أبيب تسارع إلى الإعلان عن موقفها الصريح المعادي لها، والمنحاز لنظام مبارك، والمتمسك كما يكرر دون أية مواربة، بكل ما تم التوقيع عليه مع «مبارك»، والمحذر من عدم القبول بأية محاولة للتغيير، مهما كانت ضآلة ذلك التغيير.
ومن يتابع تصريحات العدو الصهيوني، يستطيع أن يلمس، وبسهولة، استعداد إسرائيل للتدخل، في حال اضطرارها لذلك، ليس للدفاع عن «نظام مبارك»، وإنما لحماية المعاهدات التي وقعاها سوية. هذا يجعل تل أبيب تقف في موقع المتوثب للانقضاض في حال أتت الرياح بخلاف ما تشتهي سفن العدو الصهيوني.
5 - عرت الثورة الشبابية المؤسسات الدينية المصرية، التي لم يتوانَ بعض قادتها عن تقدم الصفوف، كي يبرروا للنظام سياساته، ويشككوا في نوايا تلك الثورة، ويطعنوا في مبررات اندلاعها.
ربما من المبكر اليوم أن تلتفت الثورة نحو هذه المؤسسات للرد على تصريحات قادتها، كي لا تلوي رقبتها، وتحرف مسيرة قواتها عن طريقها الإستراتيجي الذي تسير فيه. لكن ذلك لا يعدو كونه إجراءً مؤقتاً، لا نتوقع له أن يستمر طويلاً، إذ لابد أن يأتي يوم الحساب، وتأتي ساعة المراجعة التي ستوضع حينها النقاط فوق الحروف، ويوضع كل فرد أو مؤسسة، بغض النظر عن مكانته السياسية أو الدينية، في الموقع الذي يستحقه.
6 - أعادت الثورة الثقل الذي كانت تتمتع به مصر في الوطن العربي، بعد أن فقدت مصر نسبة عالية منه في أعقاب حرب يونيو/ حزيران 1967، وجراء الهزيمة التي تعرضت لها القوات المسلحة المصرية على أيدي العدو الصهيوني، وضاعف من ذلك التراجع، ذلك الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط في بداية السبعينيات، وما أدى إليه ذلك الارتفاع من إعطاء الثقل لدول صغيرة، لا تمتلك من مقومات ذلك الثقل الذي يؤهلها لتبوء مراكز قيادية في المنظومة العربية، سوى تلك الكميات المتكدسة من السيولة النقدية.
سوف تساعد ثورة الشباب المصري، في حال انتصارها، الهرم العربي الذي قلبه ذينك العاملين إلى العودة إلى وضعه الطبيعي والجلوس فوق قاعدته الراسخة، وتعطي، من ثم، لكل دولة عربية حصتها الصحيحة التي تتناسب وثقلها السكاني والحضاري، بدلاً من إقتصار ذلك على عامل واحد هو السيولة النقادية.
7 - التبشير لمرحلة جديدة، وأشكال مختلفة من أشكال الصراع بين السلطة والمعارضة، فقبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 المصرية، كانت أشكال التصدي التقليدية لأجهزة النظام تحصر نفسها، في الكثير من مكوناتها، في نطاق جغرافي محدد، وتعتمد في أدائها على الاتصال البشري المباشر، أو عبر وسائل اتصال تقنية غاية في البدائية، أما اليوم، فقد نقل شباب «ميدان التحرير»، المعركة، في نطاقها الجغرافي، من الحدود المصرية الضيقة، إلى الفضاء التخيلي (Cyber Space) اللامحدود. وأكثر من ذلك نجحوا في ملئه، بمن وصل عددهم، وفقاً لآخر الإحصاءات إلى ملايين المواطنين من مستخدمي خدمات الإنترنت في مصر.
على هذا الأساس، أصبحت الشبكات الإجتماعية مثل «تويتير» و «فيس بوك»، المكان الذي يلتقي فيه المتظاهرون، ويعلقون فوق جدرانها بياناتهم وتصريحاتهم، وفي بعض الأحيان خططهم، بدلاً من حصر أنفسهم في الشوارع المصرية، دون أن يستغنوا عنها.
فجاءت الثورة مزيجاً مبدعاً بين التقليدي والجديد، بعد الاستفادة من كل منهما على حدة، ومن كليهما في شكل تكاملي.
8 - كان ذلك على المستويين المصري والشرق أوسطي، أما على الصعيد الدولي، فقد أرغمت الثورة المصرية العواصم الغربية، وفي المقدمة منها واشنطن، على إعادة النظر في صلب علاقاتها الخارجية التي تحكمها بالأنظمة العربية، وعلى وجه الخصوص مصر.
فبعد أن فشلت تلك العواصم في إقناع النظام المصري بتقديم تنازلات تمتص شيئاً، ولو نزراً يسيراً من النقمة الشعبية، وجدناها تضطر، مرغمة، إلى الإفصاح عن انحيازها إلى الثوار، وتقريع «مبارك» لما أبداه من عناد غير مبرر، قاد كما ترى تلك العواصم، إلى «تأجيج الصراع وتجذيره».
لم يتوقف هذا التحول في موقف تلك العواصم الغربية عند ما يجري في مصر بل امتد كي يشمل دولاً أخرى مثل اليمن.
ملاحظة تجدر الإشارة لها هنا وهي، نقل الثورة الشبابية المصرية لبعض أشكال الصراع الذي انفجر بينها وبين النظام المباركي، إلى داخل مؤسسات صنع القرار في العواصم الغربية، وخاصة واشنطن، حيث لمسنا تأرجحها منذ انطلاق الثورة، بين منحاز لها ومتخندق ضدها.
تلك كانت أبرز المكاسب غير المنظورة التي استقرأناها من تطور الثورة المصرية.
ولا شك أن هناك أخرى غيرها لمسها آخرون.
كما أن الثورة من طبيعتها أن تولد مكاسبها، بشكل يومي، من خلال تفاعلها مع واقعها الذي تناضل من أجل تغيير السيئ فيه، وتعزيز الجيد منه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3080 - الخميس 10 فبراير 2011م الموافق 07 ربيع الاول 1432هـ