إن الدور الرئيس والبناء اضطلعت به القوات المسلحة المصرية، وهي قوات كانت ولاتزال حريصة على ثلاث أهداف:
الأول: حماية الوطن والمواطنين، وعدم استخدام العنف أو القوة ضد المتظاهرين، بل التعاطف مع مطالبهم وتفهمها، والإعراب عن ذلك صراحة في بياناتها.
الثاني: العمل على تحقيق انتقال سلمي وسلس للسلطة من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي مع ما يلزم ذلك من تعديلات دستورية، وحوار مع القوى السياسية وإصلاحات سياسية واقتصادية، ومعاقبة الفساد وضبط الأمن والنظام.
الثالث: السعي لتحقيق خروج مشرف للرئيس مبارك باحترام واعتزاز، باعتباره رئيساً للدولة على مدى ثلاثين عاماً، وباعتباره ابناً من أبناء القوات المسلحة وخاصة أن أعضاء القيادة العسكرية الحالية يدينون له بالولاء، ويكنون له الاحترام، وتحرص تلك القيادات على أن تتميز مصر في معاملتها لرئيسها عن غيرها من الدول والثورات، وهو ما حدث في خروج الملك فاروق إثر انقلاب العام 1952م باحترام وأطلقت له المدفعية 21 طلقة تحية له عند مغادرته البلاد على يخته «المحروسة» وهذا يعبر عن أصالة الشعب المصري وتقاليده الحضارية.
هذا وتتمتع القوات المسلحة في نظر الشعب المصري بسمات ثلاث:
1. الانضباط والمهنية العالية، والبعد عن التسييس الذي شاب الأجهزة الأخرى للدولة.
2. الانفتاح على كل قطاعات وطوائف المجتمع نتيجة الخدمة العسكرية الإجبارية.
3. العلاقة الطيبة والاحترام لجماهير الشعب الذي يبادلها نفس التقدير والاحترام.
ولعل ذلك يمثل العامل الرئيس والحاسم في الخروج السلمي من الأزمة الراهنة، ومن هنا كان سلوكها يقوم على الولاء للوطن، واحترام الرئيس، والتفهم والاحترام لمطالب الشعب.
وهذا يختلف عن سلوك القوات المسلحة لدول عربية وإسلامية مجاورة، التي لم تبدِ احتراماً لرؤسائها السابقين، ولا حتى لقيادات وزعامات وطنية كانت جزءاً من ثورتها ثم أكلت الثورة أبناءها، وهو أحد القوانين العلمية المرتبطة بكثير من الثورات، ولعلنا نشير إلى ما حدث في ردود الفعل لانتخابات رئاسية مزورة في دولة مجاورة عُذب واضطُهد وشُرد قادة لها لمجرد الاختلاف في الرأي مع أحد الفرقاء الذين أصبحوا في قمة السلطة، ووجهت لهم أفظع الاتهامات وأقساها بما يتنافى مع كل القيم والمبادئ الإسلامية.
في ضوء ما سبق، انفجرت ثورة 25 يناير 2011م، ووقعت كالصاعقة على رؤوس الجميع. وكانت هذه الثورة هي محصلة للعوامل السابقة والغليان الذي استمر لعدة سنوات، وإغماض السلطة عيونها وآذانها، وإعطاء إجازة مفتوحة لضميرها، حتى أن أحد أعضاء مجلس الشعب طالب بإطلاق النار على المعتصمين من العمال أمام المجلس للمطالبة برفع أجورهم، ومن خلال تزوير إرادة الشعب تم إعادة انتخاب هذا النائب، بدلاً من تقديمه للمحاكمة لدعوته لإطلاق النار على الشعب بدلاً من تمثيله والدفاع عن مصالحه.
ولكن مفجري ثورة 25 يناير كانت قوتان رئيسيتان هما، قوة الشباب الذي عانى من البطالة والفقر والأمراض وكان يراقب الفساد المستشري، وقوة التكنولوجيا الحديثة. هاتان القوتان لم يكن النظام يعيرهما اهتماماً، وذلك لأن جل اهتمامه كان منصباً على ملاحقة القوى الحزبية الشرعية أو غير الشرعية وقمعها حيناً أو التلويح لها بمكاسب وهمية وخداعها حيناً آخر. وبلغت عملية الملاحقة والخداع لهذه القوى في انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010م، وشعر الحزب الحاكم بالزهو من الانتصار المزور والوهمي، ولم يدرك أن الشعب الذي لم يصوت له، لأن نسبة المشاركة في الانتخابات لم تزد على 15 في المئة، وأن اعترف الحزب نفسه بضعفها أي نحو 35 في المئة، نقول إن هذا الشعب يعرف الكثير من حقائق الفساد والانحراف، ونسي هذا الحزب الحكمة القرآنية القائلة «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» (الفجر: 14).
ولو نظرنا لنسبة المشاركة بتحليل علمي نجدها لا تعبر عن الحقيقة، لأن الفلاحين وهم الأغلبية من السكان يصوتون جماعياً في القرى، ويتأثرون بالإدارة وضغوطها، إما في المدن، فنظراً لضعف الإدارة فإن النسبة الحقيقية تراوحت بين 5-10 في المئة. ورغم رصد المجلس القومي لحقوق الإنسان لحوادث التزوير الانتخابي، وتدوين ذلك في تقاريره المنشورة وفي بياناته، ورغم رصد الجهات الحقوقية الوطنية والدولية لكل ذلك، خرج أكثر من عضو من قيادات الحزب الوطني ليدعي أن عبقرية تكتيك الحزب وكوادره، هي التي أدت به إلى النتيجة الكبيرة في الحصول على معظم مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات الأخيرة، وأبرز أن الفساد والانقسام ساد أحزاب المعارضة، وهذا سبب إخفاقها. والجزء الأخير صحيح بدرجة كبيرة، ولكن وراء هذه الانقسامات في معظمها دور للأجهزة الأمنية في بث الفرقة وشراء العملاء والمخربين داخل كل حزب معارض، حتى لو كان هذا الحزب ضعيفاً، وخلق أحزاب وهمية، لا يسمع عنها أحد، وليست لها برامج، ولكنها مجرد خشب مسندة في المجلس ممثلة بعضو أو نحو ذلك من بقايا فتات الحزب الوطني. ولعب المفهوم القانوني الخاطئ المسمى «المجلس سيد قراره» دوره في رفض تولي السلطة القضائية الرقابة على الانتخابات وفي إصدار إحكام قضائية بخصوص الطعون.
ولعبت ثلاث قوى أخرى الدور الثانوي للأحداث وهي الأخوان المسلمون من ناحية، والأحزاب المعارضة من ناحية ثانية، وبعض المثقفين والشخصيات العامة من ناحية ثالثة. هذا الدور الثانوي كان دوراً داعماً وفاعلاً، فقد أدى لزيادة حجم المتظاهرين، وشجعهم على الاستمرار والإصرار على مواقفهم ومطالبهم، بل وتصعيد تلك المواقف كلما حصلوا على تنازل معين، وإبراز عدم المصداقية في مثل هذه التنازلات. وهذه القوى الثلاث ذات الدور الثانوي والداعم لانطلاقة الشباب كان بينها وبين النظام ما يشبه الثأر، والرغبة في الانتقام لما حدث معها في انتخابات عديدة، وفي تدخلات الأمن والإدارة ضدها، وفي معاناتها الاقتصادية، وزيادة حجم الفقر لدى طبقات عديدة ومن ثم شجعت الشباب ودعمته.
أما القوى الداعمة لثورة 25 يناير من ناحية عملية فإن أولها وأهمها القوات المسلحة التي وقفت على الحياد، ورغم اختفاء الأمن من الدولة بصورة لا يمكن فهمها ولا تبريرها بأي منطق سليم. كذلك بروز دور ضخم للفضائيات العربية وبخاصة الجزيرة والعربية، وأخيراً المساندة الدولية من أميركا وأوروبا وضغوطها ضد النظام القائم بسبب ما حدث من تصلبه في مواجهة النصائح للإصلاح، ورفض تقديم أية تنازلات للقوى المجتمعية عبر السنوات السابقة. كما صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه نصح الرئيس المصري حسني مبارك عدة مرات، ولكنه لم يستجب للنصح، وكررت الدول الغربية نفس الموقف الأميركي، بل فعلت الصين وتركيا وغيرها الشيء نفسه.
المشكلة الآن هي، ما هي الخطوة القادمة؟
لقد حققت ثورة 25 يناير نتائج رائعة في فترة قصيرة لضعف النظام نفسه، كما حدث في ثورة تونس قبل ذلك بأسابيع قلائل. ولكن استمرار الاعتصام والتظاهر تحول من حركة مطلبية ثورية إلى حركة اعتصامية بهدف الاعتصام تحت تأثير القوى الحزبية التي ساندتها، ومن ثم برز نوعان من الخشية أو الخوف على مستقبل الثورة، وهما:
الأول: خشية ركوب إحدى القوى السياسية موجة الشباب واختطاف ثورتهم وأحلامهم، وتقديم النفاق السياسي والإعلامي لهم لحفزهم على الإصرار والاستمرار رغم ما تحقق من تجاوب من النظام.
الثاني: خشية تراجع النظام عن وعوده وعن تنازلاته ومن ثم التلاعب بنتائج الثورة ومكاسبها.
ومن هنا كان الإصرار على المواصلة والاستمرار، ولكن مثل هذا الاستمرار قد يؤدي إلى ثلاث نتائج:
الأولى: احتمال اختطاف الثورة الشبابية من قوة حزبية أو من زعامة فردية طامعة للوصول للسلطة، وهذه القوى المحتملة أو حتى الزعامات الطامعة لم تجرؤ على التحرك بين الجماهير قبل حركة شباب 25 يناير، والأكثر هو خداع هذه القوة أو الأفراد الطامعين لأنفسهم وللمجتمع بأنهم ساعدوا أو حركوا الجماهير.
الثاني: تدمير اقتصاد البلاد واستقرارها، لأن ثمة خسارة يومية نحو مليار جنيه مصري من جراء استمرار حالة الشلل الاقتصادي والإنتاجي.
الثالث: إضعاف حالة الأمن والدفاع عن الوطن إذا استمرت القوات المسلحة في مهمة حفظ الأمن الداخلي، وهذا قد يغريها في مرحلة لاحقة لتولي السلطة بدلاً من التحول للديمقراطية، وهذا ما حدث في حركة الانقلاب العام 1952 عندما كانت هذه الحركة تسعى لإصلاح النظام، ثم وجدت تصارع الأحزاب والقوى السياسية فأصبح الإغراء كبيراً لها فتحولت من قوة المتفجر الداعي للتغيير إلى أداة التغيير ثم إلى الاستيلاء على التغيير.
لحسن الحظ فإن القيادة الجديدة المؤقتة للدولة من نائب الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع هي قيادات محايدة، وليس لديها طموحات نحو السلطة والسيطرة، وهي تؤكد على أنها مؤقتة، ومستعدة للحوار والتفاهم، وتؤكد مراراً وتكراراً أنه لا رجعة عن الإصلاح. ولكن من يضمن المستقبل!
إن أي ثورة لابد لها من نهاية حتى تعود الأوضاع إلى الهدوء، وينصرف الشعب للإنتاج. وضمان الاستمرارية في مسيرة الإصلاح ليس بالاعتصام والإضراب، وإنما ببناء المؤسسات السلمية والمراقبة الصحيحة ليس من أجهزة الرقابة فحسب، وإنما من الرأي العام، وإن كان النظام الحاكم أياً كان يدرك، أن الشعب يراقبه، وأن الرأي العام على استعداد للعودة مجدداً لأسلوب الاعتراض، والتظاهر والاعتصام إذا استدعى الأمر ذلك، وهذا هو ما يحدث في الدول المتقدمة.
ولكن من ناحية أخرى، فإن التجارب السياسية العالمية تشير إلى أنه لم يحدث لا في أية ثورة، أو في النظم الديمقراطية المستقرة، أن يفرض الشارع أو المعتصمون قرارهم، ففي الولايات المتحدة أو أوروبا تجري تظاهرات ضد قرارات معينة، ولكن السلطة الشرعية المنتخبة في الكونغرس والرئيس، هي صاحبة القول الفصل في اتخاذ القرار، والشعب يرفضها عبر صناديق الاقتراع، وليس عبر التظاهر الذي هدفه التعبير عن الرأي وقرع الجرس بوجود أخطاء أو خلاف مع الإدارة السياسية الحاكمة، لأن المشاكل الاقتصادية والسياسية أكثر تعقيداً من أن يتم اتخاذ قراراتها عبر التظاهر، فالنظام السياسي يقوم على أحد منهجين، إما على مبدأ ديمقراطية التوافق، أو مبدأ ديمقراطية الأغلبية والأقلية، والشعب هو الذي يقرر ذلك، وهو الرقيب النهائي عبر صناديق الاقتراع، ويضطلع الإعلام والمثقفون ومراكز الأبحاث بدورهم في نشر الوعي السياسي والثقافة السياسية.
هذا تشريح أولي لثورة 25 يناير من حيث مقدماتها وقواها الرئيسة والداعمة ونتائجها واحتمالات انحرافها إذا عاشت في زهو الانتصار أو تحت تأثير قوى طامعة للوثوب على أحلام الشباب وتطلعاتهم سواء قوى سياسية أو قوى دينية أو قوى مدفوعة من الخارج لتزييف إرادة الشعب ولإثارة الخلاف والتوتر والاضطراب المؤدي للصراع وعدم الاستقرار.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ
• بهلول •
تشريح أولي ( و بسيط جداً) لثورة 25 يناير المصرية:
هناك أناس لا يخافون في الحق لومة لائم و لا غضبة سلطان جائر و لا إغراءات ملك زائل يقولون الحق و لو على أنفسهم يتقون الله في أنفسهم و ضمائرهم حية نابضة ،
و هناك أناس يلفون و يدورون و يناورون و يبررون و يتمارون ( بصراحة لا أدري بالضبط ما معنى يتمارون فقط الكلمة أعجبتني )