وبالإضافة لضغط التحويلات ذات الأرقام الفلكية من العملات الصعبة الخارجة من دول الخليج، هناك ضغوط كبيرة على الخدمات الصحيّة والتعليمية والماء والكهرباء والبنية التحتية والبيئة (براً وجواً وبحراً). وترتفع قيمة الضغط على الخدمات إذا عرفنا أن حكومات دول الخليج تدعم بدرجة كبيرة تكاليفها، سواء أكان ذلك في مجال المحروقات أو الطاقة أو الغذاء أو الخدمات الصحية والتعليمية. نحن إذاً أمام دول تدعم بجزء كبير من موازنتها خدمات واحتياجات، بينما المستفيد من معظمها هم غير المواطنين.
هناك ضغوط من نوع آخر، مخملية ربما لا تقاس بالأرقام فقط، مثل ارتفاع نسبة الجريمة، في ظل وجود الملايين من العمالة من الذكور فقط وفي ظل تداخل ديموغرافي في المراكز السكانية والحضرية، وفي ظل طغيان ثقافات، هي أصلاً غير متجانسة على الثقافة الوطنية وتزاحم شديد لعادات وتقاليد من 120 جنسية، أصغرها حجماً هي جنسية المواطنين. المادة بالطبع تحتاج لدراسات معمّقة ومتشعبة ذات نظرة بعيدة، لكن الأخطر هو القادم، عندما نصل إلى مرحلة تبدأ هذه الجاليات بالمطالبة بحقوقها السياسية والمدنية وحق لمّ الشمل.
هناك اتفاقية دولية للأمم المتحدة أقرتها الجمعية العامة في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1990 تسمى «الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم». ورغم أن دول الخليج لم توقع عليها «بعد»، ووقعت عليها عدة دول، بما فيها الدول العربية التي لها مهاجرون في أوروبا، إلا أن دول الخليج قد تتعرض يوماً لضغوط دولية للتوقيع والالتزام بها. وهناك اتفاقيات تابعة لمنظمة العمل الدولية، وقعت عليها دول الخليج، مثل اتفاقية رقم 97 لسنة 1949 وتسمى «اتفاقية بشأن العمال المهاجرين (مراجعة 1949)» مختصة بحقوق العمالة المهاجرة في دول العالم. وأهم ما تنص عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بالعمالة المهاجرة هي حقها في اكتساب الجنسيّة.
إذا ما تطورت الأمور إلى هنا فعلينا أن ننسى طبيعة دول مجلس التعاون على أنها دول عربية تنتمي لجامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي. وحتى إذا لم يأتِ الخطر من الباب القانوني والسياسي والحقوقي، فإنه سيأتي من باب الحقائق على أرض الواقع. أي أن مجتمعات تدار وتشغل اقتصادياً واجتماعياً من قبل جاليات استوطنت عشرات السنين وتكاثرت فيها وجاء جيل الأولاد ثم الأحفاد، مجتمعات هكذا، لا يمكن لها في يوم وليلة أن تأخذ قراراً للمحافظة على هويتها الوطنية وطابعها الثقافي. التاريخ والجغرافيا يقدمان لنا العديد من الشواهد، من أستراليا إلى جزر المالديف إلى سنغافورة وإلى دول الكاريبي وغيرها الكثير، ومن لم يتعظ بالتاريخ ويتجاهل الجغرافيا فلا يلومن إلا نفسه. لا يحدث المسخ والإحلال الثقافي في عام أو عامين أو عشرة، لكنها عملية طويلة الأمد تتآكل خلالها معالم الثقافة الأصلية رويداً رويداً لتحل محلّها القيم والتقاليد المستوردة.
هذه الصورة غير مشوشة بل إنها واضحة كالشمس في رابعة النهار، وهي ما تعمل عليه بعض الدول ممن لها جاليات في المنطقة، فهي تعقد المؤتمرات والندوات، بعضها سرّي وبعضها علني لتحديد دورها وموقفها الاستراتيجي في منطقة الخليج خلال العقود القادمة، وبعضها يتحدث صراحة عن «كومون ويلث» يضم الدول التي أرسلت العمال والدول التي استقدمتهم!
في إحدى ندوات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، التي عقدت في البحرين قبل سنتين تحت مضلة «حوار المنامة» حول أمن المنطقة ردّ عليّ رئيس وفد إحدى الدول الآسيوية والتي لها ملايين من أبنائها عندنا في المنطقة أن آرائي هذه لا تتناسب مع ما تشهده أميركا من احتمال وصول باراك حسين أوباما لسدّة الحكم في واشنطن. يومها قلت له إن أوباما مسيحي ويتحدث اللغة الإنجليزية، وأتصور لو أنه ظل مسلماً ويتحدث بلغة أبيه الكيني، السواحلية، وأن 80 في المئة من أعضاء الكونجرس على نفس الشاكلة، لكان عتاب زميلي المسئول الآسيوي في الندوة على حق.
إذاً كيف السبيل لحماية المنطقة؟ في البداية لا بد من الإشارة إلى أن وزراء العمل ومن موقعهم الرسمي هذا ليسوا المسئولين المباشرين عن حفظ التركيبة السكانية والهوية الثقافية ومستقبل القيادة السياسية في بلدانهم. فهم مسئولون كأي مواطن، أما هذه العناوين الكبيرة فهي مسئولية وزراء آخرين وفي مقدمتهم قادة الدول والمسئولون عن تسيير دفّة الاقتصاد. لقد استمرت دول الخليج في توجيه اقتصادياتها في اتجاه واحد رئيسي وهو البناء، ثم البناء ثم البناء، وأشادت الأبراج الضخمة والمدن الكبيرة وسخرت كل إمكانياتها لتوفير الدعم لهذا القطاع الذي يحتاج لعمالة مكثفة رخيصة لا تتوفر لدى سكان البلاد الأصلين وفي الكثير من الحالات فإن مالك المبنى والعامل الذي أشاده ومن سيسكنه ليسو من المواطنين. على المدى البعيد لابد من تغيير وجهة الاقتصاد والاستثمار.
ومع ذلك وعلى المدى القصير، اقترحنا نحن وزراء العمل في دول مجلس التعاون الخليجي إجراءات عديدة لدرئ الخطر القادم كان أهمها أن يوضع حد لبقاء العمالة الأجنبية الغير ماهرة والشبه ماهرة والتي تمثل نسبة 85 في المئة من العمالة الوافدة، بحيث لا تستقر أكثر من 5 سنوات في نفس البلد وبهذا تفقد الحق القانوني والأسباب الموضوعية لاكتساب جنسيته. وقلنا أن على دول الخليج أن تضع قائمة بالأعمال والتخصصات التي تستثنى من ذلك مثل الأطباء والمهندسين والصحافيين والمحامين والمدراء وكلهم لا يتجاوزون 15 في المئة من مجموع القوى العاملة الأجنبية.
وقد تقدم وفد مملكة البحرين برئاسة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في قمة أبوظبي التي عقدت في ديسمبر 2005 بورقة بهذا الشأن. وكنت عضواً في الوفد، ولم أسمع رأياً قوياً يعارض المقترح، إلا أنه تمت إعادته لوزراء العمل ثانية، وهاأناذا أحضر كل القمم الخليجية ولم يتم إدراجه بجدية مرة أخرى. لا أعرف السبب فكل المسئولين على وعي بمخاطر الازدياد الكبير في العمالة الوافدة وتحولها إلى مقيمة ومهاجرة. ورغم الزوبعة والهجوم الذي تعرّضت له من قبل بعض رجال الأعمال في البحرين ودول الخليج الأخرى، إلا أنني سأستمر في الدفع بهذا الملف الخطير راجياً أن يعي أصحاب الأعمال والمصالح التجارية عندنا في الخليج ما قاله قائد شرطة دبي اللواء ضاحي بن خلفان، إنهم يبنون العمارات ويضيعون الإمارات.
ويشار إلى أنه من المستحيل تطبيق الحد الأعلى على الإقامة من قبل دولة خليجية منفردة فذلك سيدمر شركاتها في مقابل منافسيها من الدول الأخرى، ولابد من أن يكون القرار جماعياً.
ختاماً أعود إلى عادات العرب القديمة بوفادة الضيف، لكنني أردد خوفاً وحزناً على مستقبل المنطقة قول الشاعر دخيل الله بن عبدالله الدجيما، قبل 150 سنة مخاطباً معشوقته «سميحة»:
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل.
إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"العدد 3072 - الأربعاء 02 فبراير 2011م الموافق 28 صفر 1432هـ
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل.
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل.
زائر 2
زائر رقم 2
اعتقد ليس دور وزارة العمل فقط التوظيف وليست هي الوحيدة المعنية بذلك وانما كل المؤسسات الحكومية والهيئات الحكومية ...
طيب ما هو واجب الوزارة
نحن نلاحظ ان هناك نوع من العصابات في التوظيف والإستحواذ على وظائف هامة وبرواتب خيالية
بدون أي استحقاق إلا استحقاق واحد وهو
إشغال الفلل والقصور والمجمعات لأصحاب الملايين
الله يخليك يا دكتور .
قلم رائع جداً لا سيما المقترح الذي تم طرحه والذي ما دل على شئ فإنما يدل على الرؤيا الثاقبة التي اجدها في سعادتكم .
سعادة الوزير مقترح جيدا الذي تم تقديمه ولكن يحتاج الى تنفيذ في الوقت الحالي لأنه فعلاً الضيف اصبح صاحب الدار وصاحب الدار اصبح ضيفاً .
الله يعطيك الصحة والعافية .... .. مما يثلج الصدر انه يوجد وزير يكتب وقلم يملك ثقافة كبيرة في هذا الجانب .