العدد 3071 - الثلثاء 01 فبراير 2011م الموافق 27 صفر 1432هـ

حكومة لبنان... والمحكمة الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لبنان أمام مواعيد واستحقاقات. هناك أولاً، تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي. كيف ستكون؟ مختلطة، لون واحد، تكنوقراط من خارج الأطياف، مشكلة من 8 آذار وتكنوقراط. هناك ثانياً، البيان الوزاري (برنامج عمل الحكومة) والمهمات التي ينص عليها البيان تشكل قاعدة انطلاق للسلطة. وهناك ثالثاً، تصاعد الخلاف على موضوع المحكمة الدولية ومسألة السلاح. والكيفية التي تتوافق عليها الوزارة يحدد أسلوب تعاملها مع الملفين.

عنوان الوزارة وهويتها يتحكمان بالمسار اللبناني الداخلي وامتداداته العابرة للحدود. فإذا تجاهلت الحكومة قضايا الخلاف وأحالت ملفاتها إلى الحوار ستنتقل مفاعيل الأزمة من الشارع إلى الغرف السياسية. وإذا حدد البيان بوضوح موقف الوزارة من الملفات الخلافية وقرر بشأنها سياسة مغايرة لبيان حكومة الوحدة الوطنية السابقة سيدخل لبنان مجدداً في تجاذبات أهلية واستقطابات طائفية ومذهبية قد تنعكس سلباً على الاستقرار الأمني.

المسألة إذن موقوفة على التوجهات الرسمية المقبلة وأسلوب تعاطيها مع النقاط الساخنة وتحديداً موضوع المحكمة الدولية ومدى اتصالها أو ابتعادها عن الحكومة. الاختلاف الآن على ثلاث نقاط: الأولى إلغاء البرتوكول الموقع بين لبنان والأمم المتحدة، الثانية سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة، الثالثة وقف التمويل من جانب الخزانة اللبنانية (49 في المئة من موازنة المحكمة السنوية). التعامل الرسمي مع النقاط الثلاث يوضح طبيعة إعادة تشكيل الحكومة ويرسم حدود المتغيرات بين الوضع السابق والاحتمالات المتوقع حصولها في المستقبل القريب.

هذا من الجانب اللبناني. في الجانب الدولي والإقليمي، هناك عناصر متقلبة ترمي بثقلها على موضوع استمرار المحكمة. عواصم القرار لاتزال تتمسك بنشاط المحكمة ولا ترى في الأفق أي مبرر لوقفها. وهي، أي الدول الكبرى، لا تجد أي مبرر يسبب التعارض بين العدالة والأمن. لذلك قررت عواصم القرار مواصلة دعمها للمحكمة بغض النظر عن الموقف الرسمي اللبناني بذريعة أن قرار تأسيسها اعتمد على الفصل السابع من قانون الأمم المتحدة الذي يعتبر وفق الأعراف التشريعية أرفع دستورياً من القوانين الوطنية المحلية.

إذا أصرت الدول الكبرى على تمويل المحكمة وتحصينها فمعنى ذلك أن لبنان بات على موعد آخر من الاستحقاقات الكبرى. وبناء على هذا التوصيف يمكن رصد الاحتمالات الآتية: تقريب نشر القرار الظني (البيان الاتهامي) في فترة تتراوح بين 6 و10 أسابيع. أو تأجيل نشر القرار إلى مناسبة أفضل وبالتالي إدخال الموضوع في مجهول زمني. أو تحديد موعد جديد لنشر القرار يؤجل إعلانه إلى الربيع المقبل.

كل خطوة تتخذها المحكمة الدولية لها معنى. إذا أصرت على التوقيت المعلن في فبراير/ شباط الجاري فإنها تكون قد اتخذت قرار المواجهة. وإذا لم تستعجل الخطوة وقررت تأجيل القرار إلى فترة معلومة أو مجهولة فمعنى ذلك أن الدول الكبرى بدأت تفكر بإعادة قراءة مغايرة للمسار السابق.

بعيداً عن التوقعات، تبدو المحكمة الدولية الآن عرضة للاهتزاز والتقلبات وأخذت تواجه انتقادات بدأت تؤثر على صدقيتها وسريتها. وبسبب هذه العوامل المعنوية الضاغطة يمكن أن تتشكل عناصر موضعية تضغط عليها.

مثلاً صدور القرار الظني ونشره علناً لا يعني بالضرورة أن الاتهامات صحيحة. وعدم نشره يفترض السرية أو أن رئيس المحكمة لم يقتنع بصحة الأدلة ما جعله يرد البيان الاتهامي إلى قاضي التحقيق (المدعي العام). ورد القرار كلياً يعني سقوطه. وجزئياً يعني تصحيحه وتعديله. وإذا حصلت هذه الأمور فمعنى ذلك أن لبنان كسب المزيد من الوقت من وراء التأجيل. فالإعادة تعني تمديد فترة المراجعة إلى موعد محدد أو مفتوح.

كل هذه الإجراءات القانونية ليست بعيدة عن الفضاءات الدولية والإقليمية واللبنانية. فالآليات العامة هي سياسية في جوهرها باعتبار أن الجريمة سياسية وليست جنائية، وهي صنفت تحت عنوان تهديد السلم الدولي والإرهاب.

المحصلة في النهاية سياسية. والقوي بحكم الضرورة سيستخدم أوراق المحكمة وبياناتها وقراراتها لممارسة الضغط على الطرف المتهم بالجريمة أو اللجوء إلى الطرف المعني بها للتفاوض معه.

إذا كان المنطق السياسي لا يستبعد استخدام القرار الظني (البيان الاتهامي) للضغط أو التفاوض فإن المسألة إذن محكومة بجملة حيثيات ومعطيات. الطرف المتهم لابد أن يتعامل أو يرد سلباً أو إيجاباً على القرار برفضه وإنكاره أو التوجه إلى مقاضاة المحكمة بتهمة الافتراء أو اللجوء إلى الدفاع والمرافعة وتفنيد الاتهامات وتبيان تهافتها.

إلى جانب المنطق السياسي هناك المنطق القانوني المضاد. فالمحكمة قررت تعيين موعد الجلسة الأولى في سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول المقبل لتبدأ رسمياً وعلنياً جلسات الاستماع للشهادات ومداخلات الدفاع بحضور الشهود أو غيابهم إذا تعذرت عملية الاستدعاء.

بين صدور القرار وبدء جلسات المحكمة فترة تزيد على سبعة أشهر. هي فترة كافية للضغط الدولي أو للتفاوض بشأن أوراق البيان الاتهامي. ولا يستبعد خلال هذه الفترة الفاصلة بين فبراير وأكتوبر أن تحصل الكثير من التداعيات الأمنية أو التجاذبات السياسية في لبنان. إلا أن السقف الرسمي الذي ستتخذه الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري يمكن أن يساعد على الحد من تفاقم الانفجار وتدحرج الأزمة. كذلك لا يمكن الحكم على ما يحصل قبل أن يصدر قرار المحكمة وينشر علناً ويتم استدعاء الشهود أو المتهمين رسمياً بالجريمة. فالقرار قد لا يصدر وقد يؤجل موعد صدوره. والقرار لا يعرف مضمونة للبناء عليه وتوقع حجم التداعيات. فإذا كانت الاتهامات قوية وواضحة في أدلتها ودامغة في إثباتاتها يصبح التعامل معها يخضع لقراءات تختلف عن اتهامات كاذبة وضعيفة ومفبركة.

في كل الحالات هناك أزمة ستنشأ عن المحكمة الدولية وذلك لاعتبارات لا تتصل بالكيفية القانونية ووظائف البيان الاتهامي السياسية فقط وإنما لأسباب تتعلق بالصيغة اللبنانية التوافقية وتلك الشراكة الميثاقية التي ينص عليها الدستور ونظام المحاصصة الطائفي - المذهبي.

طبيعة النموذج اللبناني تفتح الأزمة على منعطفات متدحرجة قد تنعكس على التعايش بين الطوائف والتساكن بين المذاهب. وهذا العامل الداخلي الأهلي لا يمكن عزلة عن المحيط الجغرافي والامتداد الإقليمي للقوى المحلية. إلى ذلك هناك المراقب الإسرائيلي للتطورات الذي ينتظر اللحظة حتى يقتنصها ويوظفها لا من طريق العدوان فقط وإنما من طريق استخدام الكراهية التي قد تتوالد بناء على اتهامات متبادلة (فرّق تسد).

عموماً يمكن القول استناداً إلى معطيات ونماذج وسوابق (اغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كنيدي مثلاً) إن الجرائم السياسية يصعب إثباتها بالأدلة القطعية والدامغة، لكونها سياسية. والسياسة في منطقها القانوني تقوم أصلاً على ازدواجية المعايير ولا تلتزم الحياد والمبدئية.

من هذا المنطلق تصبح المسألة صعبة، لأن الاتهام في أصوله الجنائية سيعتمد على السياسة وما تعنيه من ازدواجية في الحكم. وهذا بحد ذاته يشكل ثغرة قانونية تفتح المجال للدخول منها وتقويض كل قرارات المحكمة وما تتضمنه من مستندات أو أدلة في البيان الاتهامي.

في النهاية قرارات المحكمة ليست مخيفة مهما كانت النتائج التي ستتوصل إليها. والسبب أن القرار الظني (الاتهامي) سيكون عبارة عن رواية بوليسية سياسية لمسرح الجريمة والكواليس الخفية التي أحاطت ومهدت الطريق لوقوع الحادث. وهذا بحد ذاته يشكل نقطة ضعف في البنية الروائية. فالقصة قد تكون مشوقة للقراءة والاطلاع ولكنها لن تستطيع أن تخرج على مضمونها السياسي. ولأن السياسة هي فلسفة ازدواجية المعايير تصبح الرواية عرضة للنقد والمحاسبة وإعادة القراءة. وهذا ما يعطي المجال لاحقاً للضغط أو التفاوض أو النفي.

تداعيات قرارات المحكمة قد تكون عنيفة وربما تكون مفاعيلها إيجابية وقد تؤسس قواعد مرنة للتعامل الداخلي اللبناني. المسألة غير محسومة وهي في النهاية متروكة للأطراف المعنية بها، وكيف ستستقبل القرارات، وكيف ستتعامل مع الاتهامات. المسألة مؤجلة زمنياً للحكم النهائي بشأن التداعيات والاستحقاقات. فالقرار منوط بالسياسة والسياسة أحياناً تعتمد على المجهول وتتهرب من المعلوم وذلك لسبب بسيط وهو أنها تخضع دائماً لمنطق ازدواجية المعايير.

@ المقال، كلمة ألقيت في مقر «التجمع القومي الديمقراطي» البحريني.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3071 - الثلثاء 01 فبراير 2011م الموافق 27 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً