2 - الفرقة - المذهبية: يشير مفهوم «الفرقة» - أيضا- إلى الدلالات العددية، وإن كان يؤدي إلى معاني التفرق والانفصال دون تجاوز الجذور، كما أن معنى التفرقة فيه أكثر من الطائفية، وعلى رغم ذلك استخدم مفهوم الفرقة في الخبرة الحضارية العربية للدلالة على معان فكرية واعتقادية ومذهبية، فالمسيحية تنقسم إلى فرق، وكذلك الإسلام، ومن ثم فإن هذا المفهوم لا يحمل أي دلالات عرقية أو دلالات تعطي معنى التناقض الكلي أو الخلاف الشامل بين الفرق حتى عند من يشترط قبل ذلك وحدة جامعة تظهر بعدها أنواع من التفرق.
إلا أنه في عصور الانحطاط الحضاري تحولت الفرق إلى مذهبيات منفصلة متعارضة متعادية خصوصا بعد الصراع العثماني الصفوي الذي استمر قرابة ثلاثة قرون ونصف. فتحولت الفرق إلى مذهبيات أو ايديولوجيات متناقضة تعمل على تجذير خلافاتها بحيث لا يكون هناك مجال للتلاقي أو الوصال أو التفاعل والتحاور. وقد يحل بعض الكاتبين مفهوم «الفرقة» محل الطائفة ويضفي عليها المعاني ذاتها.
3 - العرق - الشعوبية: لم تعرف «الثقافة العربية» حتى في العصر الجاهلي مفهوم العرق كأساس للوجود الاجتماعي أو كمقاطع لتقسيم المجتمع، بل إن الهراركية القبلية، والافتخار بالنسب والأصل لا يعود فقط إلى رابطة الدم، ولكن إلى عوامل أخرى تتعلق بالأمجاد والتواريخ والأيام والبطولات والقيم مثل الكرم والشهامة والشجاعة... إلخ. وإلا لو كان العرق أساسيا لما كان تفرق القبائل العربية وتصارعها فيما بينها أكثر من صراعها مع الأجناس الأخرى.
وفي عصر الدولة الأموية بدأت قيم العرقية ومصطلحات الشعوبية تصبح لغة متداولة لأسباب سياسية تعود في معظمها إلى الصراعات السياسية، مثل تبني الفرس للمذهب الشيعي واحتضانهم لآل البيت ومناصرتهم إياهم، فاستخدام مصطلحات الشعوبية والعرقية والموالي... إلخ جاء في سياق محاولة هدم القاعدة الشعبية للمعارضة السياسية آنذاك ولم يلبث هذا الأمر طويلا؛ إذ سرعان ما جاءت الدولة العباسية على أيدي من أُطلق عليهم موالي وشعوبيين.
وبدأت بعدها مراحل من التاريخ في هذه المنطقة مارست جميع أعراق الأرض وأجناسها الحكم فيه، وتداولت فيما بينها مواقع السيطرة والقيادة؛ بحيث لم يكن هناك عرق معين بقي منعزلا عن الفعل الاجتماعي والتفاعل والتداخل والذوبان في الكيان المشترك إلى درجة يصعب معها تحديد أعراق العرب وأجناسهم من حيث اللون أو الدم أو أي عناصر وراثية أخرى.
4 - الدين- الملة: الدين في اللغات السامية منهاج شامل لجميع نواحي الحياة، فهو نظرة للعالم، وخطة مجتمعية كلية، وحيث إن المنطقة العربية لم تشهد أديانا ذات نفوذ غير الأديان السماوية، فإن وحدة المصدر لم تجعل قضية الدين عنصرا أساسيا في تقسيم المجتمع، أو تحديد علاقاته بصورة جوهرية، بل إن «الفقه الإسلامي» تعامل في الأمور القليلة التي تعلقت بأهل الذمة وأحكامهم مع نصارى العرب بصورة تختلف عن تعامله مع نصارى العجم، ومن ثم اعتبرت الثقافة والمجتمع عنصرا مؤثرا حتى في العلاقات الدينية بين القطاعات الاجتماعية المؤمنة بعقائد متعددة.
وانطلاقا من أن أحد أوجه التفرقة بين الدين والملة أن الدين يُنسب إلى الله سبحانه وتعالى، والملة تنسب إلى الرسول. وتأسيسا على أن الأديان السماوية أديان من عند الله سبحانه وتعالى أو هي دين واحد هو التسليم لله سبحانه وتعالى والإسلام له. وهنا ينبغي أخذ مفهوم الإسلام كصفة حالة، وليس كاسم لأتباع النبي محمد (ص)؛ لأن كل الأديان السماوية تحض على إسلام الوجه لله. لذلك يطلق على اليهودية والمسيحية والإسلام ملل، فكل منها يمثل ملة، وحيث هو تعبير عن مجموع بشري معتنق لهذا الدين أو متبع لهذا الرسول.
وهكذا جرى استخدام مفهوم الملة في التراث العربي الإسلامي لفترة طويلة، إلى أن تداخلت عوامل متعددة للتأثير على البيئة الثقافية العربية، ودفعها إلى التعاطي غير المتوازن أو المتكافئ مع ثقافات بصورة أدت إلى تشوه الثقافة العربية وإيجاد نموذج ثقافي هجين لا هو عربي أصيل ولا هو غير عربي بصورة كاملة.
إقرأ أيضا لـ "طه جابر العلواني"العدد 3066 - الخميس 27 يناير 2011م الموافق 22 صفر 1432هـ