ممّا لا شكّ فيه أنّ اليهود تفوّقوا علينا سياسيا وإعلاميا وثقافيا عندما استطاعوا أن يكسبوا الرأي العام الغربي ويجعلوه ينحاز إلى قضاياهم ومعاركهم في كلّ الظروف خاصّة منذ إنشاء الدولة العبرية على أرض فلسطين، ومنذ ذلك الوقت على الأقلّ استمرّ احتكارهم للتأييد الغربي رسميا وشعبيا لسببين رئيسيين:
1. التقارب المرجعي بين اليهود والمسيحيين دينيا وايديولوجيا بحيث يحسّون بوحدة أصلهم الديني بالإضافة إلى انتمائهم إلى الحضارة الغربية في مواجهة المرجعية الإسلامية.
2. الغياب العربي والإسلامي شبه الكامل عن مواطن التأثير السياسي والإعلامي في أوروبا وأميركا، فلم يعد هناك وجود لأدبياتنا ولا توضيح لقضايانا المركزية، وخاصة القضية الفلسطينية، نستطيع عبرها كسب ودّ الشعوب والصحافة لتؤثّر على صنّاع القرار لصالحنا، ونظرا لعجزنا المزمن عن استرجاع حقّنا المغتصب ودرء العدوان الصهيوني الكاسح علينا بمفردنا فلا يخفى على عاقل مدى أهمية استمالة الرأي العام الغربي لنصرتنا وزحزحته عن الانحياز المطلق للطرح الصهيوني.
يستطيع المراقب تلمّس تطوّر بطيء لكنّه واضح في مواقف الشعوب الغربية من الصهاينة – من جهة – و من القضية الفلسطينية – من جهة أخرى – يتّسم بالتحوّل من التأييد المطلق للطروحات اليهودية إلى طرح التساؤلات فالتشكيك في القناعات القديمة ثم الالتفات إلى الحقّ العربي بشيء من التفهّم والإنصاف، ولعلّ هذا التحوّل بدأ مع الانتفاضة الأولى ليتقّوى مع الحرب على غزّة وحصارها وصولا إلى العدوان على قافلة الحرية، وهذا ما أتاح لعدد كبير من الجمعيات والشخصيات الغربية ذات الصدقية أن تصدع بمواقف صلبة تجرّم الصهاينة وتنتصر لقضية فلسطين، فقامت في فرنسا حركة نشطة تدعو إلى مقاطعة بضائع الكيان الصهيوني، وتنادت النقابات في بريطانيا والسويد بعدم شحن ولا تفريغ السفن التجارية القادمة من فلسطين المحتلّة والمتوجهة إليها، ودعت جامعات غربية عريقة - في بريطانيا وكندا والنرويج - إلى مقاطعة أكاديمية للصهاينة، ورفض فنّانون عالميون المشاركة في تظاهرات في القدس حتى لا يضفوا الشرعية على احتلالها، كما انتشرت ظاهرة فضح الجرائم الصهيونية من خلال معارض الصور والأنشطة الثقافية والفكرية المختلفة، وانطلاق المظاهرات والمسيرات الموسمية ترفع الأعلام الفلسطينية وتدوس الرايات الصهيونية، بالإضافة إلى صدع كثير من النشطاء – ومنهم يهود مناهضون للصهيونية - بالحقّ وتعريتهم الكيان الصهيوني وبيان زيفه الإعلامي وفضح ممارساته الإجرامية، كلّ هذا إلى جانب الهبّة الإنسانية ضد حصار غزة.
يمكننا الاعتماد على هذا الحراك الإيجابي الجديد لبدء عمل منظّم متعدّد الأشكال والوسائل للانتقال من كسب تعاطف الشعوب الغربية «إنسانيا» إلى توظيف مواقفها «سياسيا» و»ايديولوجيا» لنصل في نهاية المطاف إلى إعادة النظر في شرعية قيام الدولة العبرية أصلا، ويبرز هنا دور على العلماء والإعلاميين والمثقّفين والفنّانين الملتزمين في التركيز على نقاط كبيرة وواضحة من شأنها التأثير في الرأي العامّ في أميركا وأوروبا، وعلى رأسها:
- ليس الكيان الصهيوني دولة ديمقراطية كما يزعم وكما استقر في أذهان الغربيين، إنّما هو دولة عنصرية قامت على تمجيد العنصر اليهودي واحتقار العرب – أصحاب الأرض الأصليين – ومعاملتهم بنظام الأبرتايد، لم ينج من بطشها حتّى دعاة السلام الغربيون واليهود، والأمثلة على ذلك لا تحصى.
- هذه الدولة المزعومة كيان دموي عدواني، وآخر دليل على ذلك همجية حربه على غزّة المحاصرة وعلى قافلة الحرية، كما تبيّن الصور التي طافت حول العالم والحقائق التي رأتها الوفود والشخصيات التي زارت القطاع وتلك التي حقّقت في قضية الأسطول، فلا صدقية لها في هذا المجال، وهي تنتهك حقوق الإنسان العربي وأيضا الغربي المتضامن معه بكلّ الأساليب التي تحرّمها القوانين والمواثيق الدولية.
- الصهاينة يبتزون الغرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ماليا وسياسيا حتى أصبحوا عبئاً على موازنة بلدانهم فسببّوا لهم الأزمات الاقتصادية التي هم في غنى عنها، كما جلبوا لهم عداوة مليار ونصف مليار من المسلمين في العالم، حتى ان دولة مثل الولايات المتحدة لم تكن لها أيّ عداوة مع الدول الإسلامية لأنها لم تستعمر أيّا منها، لكنّها أصبحت عدوّها الأول بسبب الصهاينة.
- يستند الكيان الصهيوني في وجوده إلى الشرعية الدولية، لكنّه منذ نشأته إلى اليوم لا يعترف بها، ولا حدث أن التزم بقراراتها وتوصياتها، فهو في نظر القانون الدولي كيان مارق.
هذه حقائق هي عندنا نحن بديهيات، لكنّ الشعوب الغربية لا تسلّم بها لأنّها واقعة تحت التعتيم والتضليل منذ ستين سنة، فينبغي مخاطبتها المرّة تلو الأخرى بالأرقام والإحصاءات وحقائق الحوادث السياسية والعسكرية، حتّى تغيّر نظرتها للعدوّ الصهيوني الذي تعتبره الآن ضحية ضعيفة مظلومة في وسط جوار عربيّ همجي شرس، فلابدّ أن يعرف هؤلاء الذين تدين لهم الدولة العبرية بالوجود والبقاء والقوّة أنّ الصهاينة هم المعتدون من أوّل يوم، وأنّ الغرب شريكهم في عدوانهم وجرائمهم باسم شعوبه الواقعة تحت قصف إعلامي موجّه لم يترك لها فرصة للتفكير والتمييز والنظر بعين الإنصاف، انتصارا للعدل وكذلك خدمة لمصالحه الحقيقية في الحاضر والمستقبل.
يجب أن يفهم الغربيون، لماذا يكرههم العرب والمسلمون، وما الذي يدفع بعض الشباب إلى استهداف أميركا وأوروبا بعدّة ألوان من العنف والكراهية، ومهما أنكر المسلمون التفجيرات التي يقوم بها هؤلاء الشباب هنا وهناك فإنّهم لن يتمكّنوا من إيقافها إلاّ عندما يكفّ الغرب عن تأييده الأعمى للصهاينة بالدرجة الأولى، فالموقف الذي نطلبه من الرأي العامّ الغربي مبدئيّ ومصلحيّ في آن واحد، لينتصر لقيم الحرية والعدل التي ينادي بها، وليقلع عن تعريض مصالحه للضياع، فقط ليرضى عنه اليهود.
- نزع الشرعية عن الدولة العبرية: تحرّكت عدّة أوساط غربية لصالح الفلسطينيين بدافع النزعة الإنسانية، وهي خطوة أولى نريد توجيهها إلى طريق آخر، هو نزع الشرعية عن الكيان الصهيوني، وهذا هدف يراه «الواقعيّون» العرب مستحيلا لكنّه معركتنا الحقيقية على المدى البعيد، خاصة إذا اشتدّ ساعد المقاومة الفلسطينية لتخوض حرب استنزاف حقيقية ضدّ الاحتلال، حينها يكون صوت القضية أسمع وأقوى، إنّنا نريد إقناع الرأي العام الغربي بأنّ الدولة العبرية مصدر شقاء العالم لذلك يجب جعلها «دولة منبوذة» على المستوى العالمي، ويجب مقاطعتها وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها واستهدافها هي وقادتها قضائياّ أمام المحاكم الوطنية والدولية، وللعلم فإنّ نزع الشرعية عن النظام العنصري في جنوب إفريقيا هو الذي أدّى إلى انهياره، ولدينا من الحجج ما إن أحسنّا عرضه لهو كفيل بجعل قطاعات كبيرة من الغربيين تعيد النظر في المعاملة المتميّزة التي تحظى بها دولة الاحتلال عندهم.
إنّ الأمر لم يعد مجرّد إرغام دولة الاحتلال على تقديم تنازلات للفلسطينيين والعرب، فهذا متروك للأنظمة السياسية المغلوبة على أمرها، أمّا المشروع المقترح فهو قلب المعادلة تماما حتى يأتي يوم تضرب فيه اليد الأميركية والأوروبية صنيعتها المتغطرسة، أجل، هذا هدف «جنوني» وفق عقلية الانبطاح العربي الرسمي ووفق التوازنات الدولية الحالية، لكن، ألم يكن مشروع إقامة ما يسمّى بدولة «إسرائيل» هو الآخر مشروعا «جنونيا» في أواخر القرن التاسع عشر ثمّ تحقّق؟ إنّنا لا نحلم ولكنّنا نؤمّل تجسيد ما نراه حقّا، بعمل طويل المدى طويل النفس يتسلّح بالعزيمة والصبر والخطوات العلمية المدروسة، وبتوفيق الله تعالى قبل كلّ شيء وبعده، فإذا لم ننل منه كلّ ما نريد فلا أقلّ من أن نزحزح الرأي العام الغربي عن مواقفه المجحفة في حقّنا، أمّا تحرير كافّة الأراضي العربية فموضوع آخر لا يزعم هذا المشروع تحقيقه إّنما يسهم فيه بشكل معيّن.
- شحذ كلّ طاقاتنا: هذا المشروع جدير بأن يستهوي كلّ مسلم وكلّ عربي وكلّ حرّ يرفض الظلم والفساد في الأرض، ليبادر بالانخراط فيه بالشكل الذي يحسنه: يكتب مقالا في كبرى الجرائد الغربية أو يؤلّف كتابا أو يحاضر هناك أو يحضر ندوة نقاش أو يروّج صورا لمأساة فلسطين ومخاطر انهيار المسجد الأقصى، أو يدخل على الانترنت ليعرف بالقضية ويناقش الغربيين ويوضّح لهم وجهة نظرنا، وأهل أوروبا وأميركا – في معظمهم – أميل لقبول النقاش العلمي الهادئ المدعّم بالأرقام والصور والحجج العقلية القوية.
المشروع بحاجة إلى الأدباء والمفكّرين والدعاة والمحامين ورجال القانون والفنّانين الملتزمين والإعلاميين وأرباب المال والسينمائيين والمبدعين من كلّ نوع، كما أنّ للجاليات العربية والمسلمة المقيمة بالغرب الدور الأكبر فيه لمعرفتها باللغات اللاتينية والأنجلوسكسونية وبأقصر طرق الوصول إلى الشعوب والمثقفين ونشطاء الحقوق هناك، ونحن – بهذا المشروع – نشدّ أزر مناصري قضيّتنا حتّى يحسّوا بالدعم ولا يبقوا منفردين أمام الضغط الصهيوني الهائل الذي لا ينقطع، وفيهم رجال ونساء على درجة كبيرة من الشجاعة، كما أنّ فيهم عددا من حاملي جائزة نوبل للسلام لهم وزن أدبي كبير.
وكم نكسب من هذا المشروع لو امتلك العرب قنوات فضائية تؤمن بالقضية المصيرية بدل قنوات الطرب والمجون والخرافة، بل يجب أن نطلق فضائيات ذات مستوى رفيع تخاطب القوم بألسنتهم، كلّ هذا في إطار مشروع أوسع للتعريف بالإسلام والدعوة إليه.
إن المعوّل عليهم لتنشيط هذا العمل هم كلّ من يحمل همّ الأمّة والقضية الفلسطينية من ذوي الكفاءات ومن الجمعيات الثقافية والدعوية في ربوع العالم العربيّ كلّه بالدرجة الأولى، لأنّه من الواضح أنّ الجهات السياسية والإعلامية الرسمية لن تنخرط فيه لأسباب معروفة، بل من المنتظر أن تعمل على عرقلته لأنّها لا تطمئنّ إلا لمشاريعها هي فقط.
إقرأ أيضا لـ "عبد العزيز كحيل"العدد 3066 - الخميس 27 يناير 2011م الموافق 22 صفر 1432هـ
العداوة لهم
قال تعالى :ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم
العنصريه والطائفيه والتميز
سلاح العرب فما تعاب اسرائيل بذلك لكن يعاب من يدعى الاسلام من يدعي الديمقراطيه من يدعي العدل والمساواة وهو ابعد ما يكون عن ذلك