كغيرهم من المواطنين العرب، تتنوع متابعات الخليجيين وتعليقاتهم حول الانتفاضة التونسية وتتفاوت، بين الحماس والتأييد المطلق في طرف، والتحليل ووضع السيناريوهات في طرف آخر. وبين هذين الطرفين نجد طيفاً من المشاعر الذي يحاول أن يستقرئ الأحداث بشيء من التمعن المشوب بالتريث.
في وسط الألوان المختلفة والمتناقضة فيما بينها، لفت نظري تعليق واحدة من الجيل الشاب، قالت وهي في حالة من الانفعال «في بعض دول الخليج قد نكون بحاجة إلى ثورة المشموم، حيث لا يوجد لدينا ياسمين أو زيتون». توقفت عند ما دعت له تلك الفتاة الشابة العاملة في مجال الإعلام، وكان بصحبتها مجموعة أخرى من صديقاتها من بنات جيلها، اللواتي أبدين جميعا، دون أي استثناء، تأييدهن لما ذهبت إليه صاحبتهن، بعد أن أضافت إليه إحداهن «نحن بحاجة إلى تغيير، أي شكل من أشكال التغيير، فقد سئمنا الرتابة، وضقنا ذرعاً بذهنية القبول بما هو قائم، والبصم على ما يجري».
لم يكن ما سمعته في تلك الجلسة التي ضمت أكثر من جيل محصوراً في صفوف الشباب فحسب، بل وجدت أيضاً من جاراهم في ذلك بعض من جيلنا نحن «الكهول»، الذين وجدت البعض منهم ينتفض غاضباً على «الواقع العربي»، متمنياً أن تجتاح الانتفاضة التونسية العواصم العربية، راجياً أن يرى اليوم الذي «يواجه الحكام العرب مصير زين العابدين بن علي في بحثهم عن مأوى يقبل لجوؤهم صاغرين إليه».
من الطبيعي والمتوقع أن نجد مثل هذا النمط من «التمرد الرافض لما هو قائم» في صفوف الأجيال الشابة، فالشباب، ليس في البلاد العربية وحدها، هم الفئة الأكثر دعوة للتغيير، والأكثر استعداداً للمساهمة في أنشطته، التي تتحول في ظروف كثيرة من الدعوات السلمية إلى السلوك العنيف. لكن بعيداً عن ذلك يبقى السؤال الذي طرحته الصحافية الشابة يشكل تحدياً لنا نحن معشر «الكهول»، ويرغمنا، شئنا أم أبينا على إعادة التفكير في ما إِلنا إليه، والحديث هنا يشخص حالة جيل بكامله، وليس أفراداً كل على حدة، بعد أن عبرنا ثورة العام 1952 المصرية، و1958 العراقية، و1961 الجزائرية، و1965 اليمنية والظفارية، و1970 الليبية، وبين هذه كلها وبعدها هزيمة يونيو/ حزيران 1967، وحرب العبور 1973، واجتياح لبنان في العام 1982، ومازال تفكيرنا السياسي «مراهقاً متأخراً»، يبحث عن هبة مثل الانتفاضة التونسية، كي يبادر بالتفاعل معها، علها تعيد له حيويته التي فقد الكثير منها، وتمده بالطاقة التي يحتاجها، كي يتمكن الاحتفاظ ببقايا من أمل، الممزوج بالكثير من الألم.
السؤال الذي يرغمنا على التوقف عندما كشفت عنه تلك الفتاة هو: لماذا هذا الحماس المنقطع النظير للتغيير، دون محاولة قراءة من هي القوى التي ستحصد ثمار ذلك التغيير في حال حصوله، وما الدلالة التي يحملها في أحشائه؟
العامل المشترك الأول الذي يحمل في طياته جزءاً من الإجابة ويجمع بين الأجيال المختلفة، هو ذلك التعطش اليائس للتغيير من أجل التغيير ذاته. فلم يعد يهم ما سوف ينتهي له ذلك التغيير الذي تحول إلى هدف بحد ذاته.
هذا التعطش للمستقبل الممزوج باليأس من الحاضر، بقدر ما هو مطلوب، بقدر ما يحمل في أحشائه الكثير من عناصر الخطر الكامنة القابلة للانفجار والظهور، ومن ثم الفعل، كي تفقد ذلك التغيير نسبة عالية من مقومات عناصره الإيجابية، إن لم تنقلب عليه، وتدفعه نحو نهايات سلبية.
أما العامل المشترك الثاني والذي تجسده عبارة الفتاة «نحن بحاجة إلى ثورة المشموم»، فهو «الإحباط مما هو قائم سياسياً». ويشمل ما هو قائم سياسياً «طبيعة الأنظمة القائمة»، و «جوهر المعارضة الرافضة والمتصدرة أنشطة الاعتراض والتغيير».
لاشك أن هناك حالة إحباط شامل تكتنف التفكير السياسي العربي، شاباً كان ذلك التفكير أم كهلاً، فبقدر ما فقد المواطن الثقة في الأنظمة العربية، ورغبة الممسكين بتلابيب الحكم في التغيير والإصلاح نحو الأفضل من أجل «مشاركة المواطن في الحكم»، وتحويله إلى «عنصر مهم من عناصر صنع القرار»، بقدر ما يشك المواطن ذاته في قدرة القوى التي تقود حركة المعارضة اليوم أن تشكل البديل التاريخي الذي ينتشل الواقع العربي السيئ اليوم من أوضاعه المتردية. ففي ذهنية المواطن، إن كان ما هو قائم مليء بالسوء وينخره الفساد، فليس هناك من خير يلوح في الأفق ويدعو، بالتالي، إلى التفاؤل.
هذا الإحباط هو الذي يجعل الخوف من المستقبل القادم يحد من طموح رفض الحاضر القائم. والنتيجة المنطقية لمثل هذا الرفض المشوب بشيء من الشك هي إرباك حركة التغيير والحد من سرعتها، ومن ثم ازدياد حضور إمكانية إجهاضها.
ويبقى العامل المشترك الثالث الجامع بين تفكير تلك الأجيال، وخاصة في صفوف الكهول أكثر من الشباب، هو الخوف من المجهول، والخشية من القفزات البهلوانية الفضائية غير المحسوبة العواقب. ففي الفترة الممتدة من نهاية الحرب الكونية الثانية وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كان احتلال محطات الإذاعة وتلاوة البيان رقم واحد، والإطاحة بالقصور الملكية، وإعلان النظام الجمهوري، كافية لنيل التأييد الشعبي. لكن مسيرة ما يزيد على نصف قرن من الأنظمة الجمهورية، كشفت أن هذه الأخيرة ليس بأفضل من تلك الملكية التي أطاحت بها، وربما كان العكس صحيحاً، حيث وجدنا، وليس من باب الدفاع عن الأنظمة الملكية، أن أوضاع المواطنين في البعض من هذه الأخيرة أفضل بكثير من معيشته تحت ظلال الأنظمة الجمهورية.
لكن كل تلك العوامل والمحاذير، لا تمنع من التعاطف مع ما نادت به تلك الصحافية الشابة التي كانت تصرخ في وجهي متحدية «كهولتي»، دعك من كل «مظاهر الادعاء بالموضوعية والتريث، فنحن لسنا في حاجة لأي شيء غير ثورة المشموم»، وكنت أتمتم في داخلي، وبالكثير من التردد الخجول «أتمنى لجيلكم كل الخير لكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من خشيتها عليكم من البديل القادم يا بنيتي».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3066 - الخميس 27 يناير 2011م الموافق 22 صفر 1432هـ
غصن زيتون السلام
يا اخي ولد العبيدلي حرام عليك هذا الخوف والى متى نخاف ونتهجس على الاقل كل ما سيحدث مستقبلا من هذه الاتنفاضات التغيير الى الاحسن وسيزول هذا الكابوس الماسك بقوته علينا لان هذه الانظمة لاتناسب هذا العصر عصر التقدم والديمقراطية ومهما كانت قوة امريكا فهي ستغير من سياساتها في المنطقة هذه المرة لصالح الشعوبليس حبا فينا على اقل تقدير فما حصل في تونس والذي يحصل حاليا في مصر ازعجها وخربط كل استراتيجيتها في المنطقة لتعيد حساباتها من جديد وهذه الانتفاضات ليس الا بداية فجر جديد ونهاية ليل دامس
إذا لم يحصل التغير فإن الطوفان قادم
الأوضاع في الدول العربية كلها سواء والوطن بحالة من المحنة ولا بدّ من التغير شاء من شاء وأبى من أبى قد تتأخر الأمور في هذا البلد أو ذاك بعض الوقت ولكن بالنهاية حتمية الإنفجار قادمة بسبب تراكم القهر والإحباط والكراهية للإنظمة التي تعرف
ذلك ولكنها لا تصلح من حالها إنما تزداد تعنتا وشراهة في السرقات والنهب بدل الإصلاح
ولا تلام الشعوب حينها إذا ثارت
الاسلام الحقيقى
يا سيدى لماذا أنتم متحيرون فى الأمر ولأننا مسلمون فالبديل هو الاسلام الحقيقى لاشرقى ولا غربى وبدون علماء السلطة أو العلماء الذين مرتبطون بالسياسة البريطانية وذو لون واحد وذو هوى الانجليزى القذر
ثورة ..بدأت
كفاية كفاية كفاية حتى الرضع عندهم قبل ما محاولة النطق بكلمة بابا او ماما يسمع صوت قريب كفاية
الخوف قبل الوقوع وليس بعده
كل ما يخاف أن يحصل قد حصل بالفعل !! اذاً لما الخوف من سقوط القلة المرهلة بالمال وخيرات الشعوب لاجل ينعم الجميع ....
الرجل او الشخص المناسب في المكان المناسب
هو الحل المحاسبه هي الحل العقوبه الرادعه للفساد هو الحل تداول الحك هو الحل مو لابد الاابدين القانون يمشي على الكبير قبل الصغير هو الحل يحاسب الحاكم قبل المحكوم هو الحل
لابد من حل المشاكل العالقة و تجاهل المشاكل لا يعني عدم وجودها..
لابد للأنظمة العربية من التقدم بحلول لمشاكل بلدانها، و خاصة المشكلة الإقتصادية و الإجتماعية، التأخر التكنولوجي و الصناعي و مئات الآلاف من الطاقات المعطلة و الإستخدام الأمثل لموارد البلد، مكافحة الفساد و العدل الإجتماعي، العدل في القضاء، التمميز و المحسوبية و الفساد و الترهل الإداري.. أصبحت الشعوب لا تأمن على مستقبلهم و لا مستقبل أولادهم في ظل أنظمة عفى عليها الدهر و شرب.. الشعوب تريد أن تلمس تغييرا" فعليا" و ليس بهرجة إعلامية و أن كل شيء على ما يرام..