في كل عام تتكرر مآسي الأسر الفقيرة بمشاهد أكثر إيلاماً من ذي قبل، وتتنوع ما بين انهيار السقف أو عطب في الأجهزة الكهربائية والالكترونية أو تحول الغرف لمستنقعات وأنهار وأخاديد يصعب الإبحار فيها، ولا نجد من نلقي عليه باللوم سوى الأمطار التي يفترض أنها مقدم خير للبشرية.
ولماذا لا يتهم المطر؟ فهو لا يقوى على سوق حجج الدفاع ولا يمكن لقطراته أن تنطق دفاعاً عن نفسها، تهبط كما السيل من السماء متأرجحة أملاً في إنبات الأرض وخفض نسبة الملوثات والغازات العالقة في الجو، وخفض لهيب التربة بعد فصل طويل من الأجواء الحارة، لتستمر دورة الحياة كما أراد لها الله أن تكون إلى يوم يبعثون.
لا نلوم أنفسنا كجهات رسمية مسئولة عن الرعية، إذا كشفت شبكة الطرق فداحة التخطيط غير المبني على احتياطات وتدابير مستقبلية، فما إن تهطل بضع قطرات إلا وتحولت الأحياء السكنية والشوارع الرئيسية إلى برك للسباحة المجانية في الهواء الطلق.
لا يوجد لدينا صندوق للتعامل مع الحالات الطارئة، ونلقي باللوم في تهاوي البيوت على مشروع البيوت الآيلة للسقوط الذي يضاف على كاهله المزيد من الطلبات سنوياً مع كل هبة رياح تزعزع أركان الجدران البالية، فيما نحن منشغلون في إشكالية رفع الدعم عن المحروقات من عدمه.
أناس يبيتون وهم غير آمنين على أنفسهم من التعرض لصعقات الكهرباء، ومع كل قطرة مطر يرفعون أيديهم بالدعاء لأن تكون معهم لا عليهم، ولضيق اليد لا يملكون أن يهربوا إلى مأوى يستر ما تبقى من معاناتهم وألمهم.
لدينا أزمة إسكانية تنوء لها الجبال ولا يلوح في الأفق أمل قريب بانفراجها، إذ لاتزال طلبات التسعينيات عالقة، وأصحابها أصبحوا أجداداً ولديهم أحفاد يقيمون معهم في المسكن ذاته، فيما لانَزال نعول على العام 2014 أو 2015 للقضاء على نحو 40 ألف طلب يتضخم عددها كل عام، فلا عزاء لنا إن صرفنا النظر عن طلب إنشاء عمارات وشقق لإيواء الأسر التي تتعرض لتداعيات أي كارثة (لا قدر الله)، فالأجدر أن نعالج المشكلة الأساسية حتى يمكننا مداواة ما حولها.
في بلد شقيق عزيز قريب منا، حصل كل مواطن حتى وإن لم يكتب له أن يولد بعد على مبلغ 1000 دينار بمناسبة الاحتفالات الوطنية، ونحن نبحث عن بقايا 50 ديناراً لا ندري كيف سنسير حياتنا من دونها بعد أن انقضى أجلها، رغم أنها تتبعثر في غمضة عين حين تصاحبنا في جولة مكوكية لشراء الاحتياجات المنزلية.
ملف الأمطار ليس الوحيد الذي لا يمكننا التعامل معه بمنتهى الحرص والحذر لتجنب المزيد من الخسائر، فلدينا ملف العاطلين الجامعيين المنتدبين من «تمكين» والذين سيقبعون في منازلهم بعد قضاء عامين من العمل، وتخلل التركيبة السكانية إثر تزايد عدد العمال الوافدين في قبالة المواطنين، مما يهدد السلم الاجتماعي في خضم زحف بيوت العزاب على المناطق السكنية، وضعف الأجور أمام سطوة الغلاء، ودفع مستحقات المتقاعدين من ممثلي الشعب من مدخرات المؤمن عليهم في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، وحزم أخرى من القضايا والهموم الوطنية التي لم نهيئ أنفسنا لتجنبها رغم إدراكنا المسبق لاحتمالات وقوعها.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3063 - الإثنين 24 يناير 2011م الموافق 19 صفر 1432هـ
روعة
مقال رائع كالذي سبقه وكما عهدناك دوما ....
عنب احمر
الف شكر يا احمد
ابدعت في طرح هموم الناس