اشتدت «الأزمة الطائفية» في العراق، وصارت تؤذن بشر خطير مستطير لن يقتصر على العراق - وحده - بل يتهدد العالم الإسلامي - كله - وخاصة منطقة الخليج وإيران وسورية ولبنان، وما تركيا وغيرها من ذلك ببعيد. والمعالجات القائمة على ردود الأفعال السريعة لن تغني عن الأمة شيئا، ولذلك فإنني أفضل أن أبدأ بمناقشة المفاهيم الأساسية ذات العلاقة بهذه الإشكالية المدمرة، فأقول وبالله التوفيق:
إن هذه الورقة إنما أُعدت لتثير إشكالات لا لتقدم إجابات، ولتدفع للقلق بدلا أن تدعو إلى الاستقرار الفكري والاستكانة العقلية، وذلك لأن موضوعات الطائفية والوطن العربي والمستقبل من أكثر الموضوعات المصيرية حساسية في حياة هذا الجيل من أبناء الأمة، ومن أشدها خطورة وتأثيرا على مستقبل الكيان الإسلامي العربي من حيث الوجود والهوية، فما لم تتم معالجة هذه القضايا بصورة رصينة جذرية وطويلة المدى فقد يفقد الكيان الإسلامي العربي أحد أهم أمرين: إما وجوده أو هويته بحيث يصبح وجودا في الزمان والتاريخ، وليس في المكان الجغرافي والاجتماعي الإنساني. وفي هذه الورقة سنعمد إلى إثارة مجموعة من نقاط أو رؤوس أقلام ينبغي أن تتضافر جهودنا جميعا للإسهام فيها، وإشاعتها واستدعاء النقاش والفحص والحوار والتدقيق حولها، حتى تنتقل من إطار البحث الأكاديمي إلى التداول الثقافي لعلها بعد ذلك تصبح جزءا من ثقافة المجتمع التي تحدد سلوكه وتؤثر فيه.
وأهم هذه القضايا التي نود التركيز عليها في هذا السياق ما يلي:
أولاً: الإشكالات المفاهيمية: لعل موضوع «الطائفية» واحد من الموضوعات التي شهدت نوعا من الخلط المفاهيمي والتداخل في المعاني والاصطلاحات التي لم يزدها إلا غموضا وقد دفع ذلك إلى تأزيمها، بل تفجيرها. فعند هذا الموضوع - موضوع «الطائفية»- تتداعى المصادر والأطر المرجعية وتتزاحم إلى حد التناقض والتقاطع، فنجد الخبرة التاريخية للكيان العربي في العصور الإسلامية المختلفة وطرائق فهمها وبنائها لتلك المفاهيم خبرة لها إطارها، وهي تختلف عن خبرة العربي قبل الإسلام ودلالات هذه المفاهيم في ذهنه أمر آخر. وكذلك الخبرة الأوروبية في عصورها المتعددة لها إطارها الخاص، وخصوصا ما قبل نشأة الدولة القومية، وهي تختلف كذلك عن الخبرة العربية في المرحلتين. وكل تلك الخبرات قد أسهمت بدور أو بآخر في ازدياد الالتباس وتراكم الغيوم حتى لا نكاد نصيب من الحقيقة التي يقوم مفهوم «الطائفية» خاصة عليها شيئا يذكر.
وفي سبيل توضيح حقيقة هذا المفهوم لابد من ممارسة عملية نقد وتفكيك للبنية المفاهيمية التي يمثل مفهوم «الطائفية» جزءا منها وأحد أركانها.
1 - الطائفة- الطائفية: مفهوم «الطائفية» مفهوم مشتق من جذر متحرك؛ فهو مأخوذ من «طاف يطوف طوافا فهو طائف»؛ فالبناء اللفظي يحمل معنى تحرك الجزء من الكل، دون أن ينفصل عنه، بل يتحرك في إطاره، وربما لصالحه. «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُل فِرْقَةٍ منْهُمْ طَائِفَةٌ ليَتَفَقهُواْ فِي الدينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلهُمْ يَحْذَرُونَ»(التوبة: 122).وهو أيضا مفهوم يشير إلى عدد قليل من البشر؛ إذ لا يتجاوز - لغة- الألف من الأفراد. ومن ثم فإن هذا المفهوم في جوهره يتضمن فكرة الأقلية العددية الصغيرة المتحركة في إطار الكل، المشدودة إليه، بغض النظر عن دينها أو عرقها أو لغتها... إلخ، فهو مفهوم كمي عددي لا غير؛ لذلك ظل اللفظ يُستخدم ليشير إلى كيانات مختلفة متعددة في خصائصها، ولكن القاسم المشترك بينها هو القلة العددية، فقد أطلق على حملة المقالات أو الآراء (نسبة إلى ما كانت الأكثرية تتبناه) «طوائف» مثل طائفة المعتزلة وطائفة الشيعة، ثم لما حدثت مقالات انقسمت حولها هذه الطوائف في داخلها، سميت بطوائف - أيضا- مثل الإمامية والزيدية ونحوهما، ثم انقسمت هذه بدورها إلى مجموعات سميت «طوائف» كذلك. ولم يبرز هذا المفهوم باعتباره إشكالية أو أزمة إلا في القرنين الأخيرين خاصة، وذلك تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية في ظرف تاريخي معين ساعد على إحداث نوع من التطابق بين الأمراض الداخلية والمؤثرات الخارجية. فالعربي تعامل مع اليهودية والمسيحية والإسلام تعامله مع اختلافات اعتقادية لا تعني المفاصلة والعداء أو تهديد وحدة الكيان، والخروج عنه، أو محاولة الانتماء لكيان آخر خارجه. أو السعي للانفصال عنه فقط بحجة الاختلاف في العقيدة، ومن أقدم النصوص العربية الإسلامية في هذا المجال «وثيقة المدينة».
تلك هي أبرز الانقسامات التي شهدها التطور التاريخي العربي إلى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر والشام. وكما بين لنا التاريخ، لم تكن هذه الانقسامات عناصر تهديد لوحدة الكيان العربي أو مبررا للتمايز والانفصال والتمزق بين أبنائه، أو وسيلة للاختراق من قبل الآخر؛ فالمسيحيون العرب لم يعلنوا - على سبيل المثال- مناصرة الصليبيِين في حملاتهم على البلاد العربية، ولم يتحالفوا معهم حتى في لحظات انكسار المسلمين.
ثم مُزج مفهوم الطائفة ذات المكون العددي مع مفاهيم أخرى ذات مضمون فكري أو فلسفي أو عرقي أو مذهبي أو ديني، فتحول إلى ما يشبه «المصدر الصناعي» في لغتنا ليفيد معنى الفاعلية الخاصة بالأقلية العددية، والمنفصلة عن فاعلية الأمة، وبذلك أصبح مفهوم الطائفة يستخدم بديلا لمفاهيم الملة والعرق والدين التي كانت سائدة قبل ذلك. واختلطت هذه المفاهيم جميعا في بيئة متأزمة فكريا وسياسيا، مأزومة ثقافيا فأنتجت مفهوم «الطائفية» كتعبير عن حالة أزمة تعيشها مجتمعات عربية وإسلامية تكاد تكون شاملة لمجموع المحيط العربي والإسلامي كله مثل لبنان والعراق واليمن وسورية والسعودية ودول الخليج وإيران والباكستان وأفغانستان حيث تحول الجزء إلى كل، والبعض إلى كيان مستقل، وأصبحت الطائفية مذهبا وأيديولوجية وهوية حلت محل الهويات الأخرى والانتماءات الأعلى، بل وبدأت تتعالى عليها، وقد تبدي الاستعداد للتقاطع معها، وأخذ موقعها.
إقرأ أيضا لـ "طه جابر العلواني"العدد 3059 - الخميس 20 يناير 2011م الموافق 15 صفر 1432هـ
الحقيقة
الى المعلق رقم 1 بل الانقسامات موجودة ومن ينكر يكون مثل الذى يدس رأسه فى الرمال ،ولكن الوسيلة الفضلى لادارة الاختلاف هو بالمصارحة والانفتاح على الاخر واستماع رأيه والحوار الهادف وليس المعاند الحوار الذى يكون سفينة تبحر فى بحر العلم وسط أمواج الرأى والرأى الاخر ،هذا هو الاسلوب الافضل لمواجهة الانقسامات الطائفية وشكرا
الطائفة الشيعية
فهمت من مقالتك ان الطائفية كمفهوم عام طارئة ولكن أفيدك علما بأن الطائفة الشيعيه ليست طارئة بهذا المعنى بل وجودها متجدر منذ زمن الرسول ص بل المذهب الشيعى هو الاسلام والاسلام هو المذهب الشيعى لأنه لايوجد به شىء واحد مناقض للاسلام،والشيعة كلمةمأخودة من المشايعة والمتابعة للامام على ع فى الخلافة له بعد النبى ص فثبت ان الطائفة الشيعية ليست طارئة بالمعنى الذى أتى به الكاتب الفاضل وشكرا
لا وجود للانقسامات
الطائفيه بين الشعوب ولكن هناك من يختلقها ويغذيها بكل الوسائل القذره حسب المصالح