تلقيت ردودا متفاوتة حول التساؤل الذي طرحته الحلقة الأولى من المقال بشأن تحديد التصنيف السياسي لما يجري في تونس. فهناك من صنفها على أنها «انتفاضة عفوية شكلت الطبقة الوسطى، دون إجحاف القوى الاجتماعية الأخرى حقها في المشاركة، عمودها الفقري»، آخرون اعتبروها «القشة التي قصمت ظهر بعير مثلث تردي الأوضاع التونسي: الفساد، القمع، والظلم الاجتماعي»، رأي ثالث رأى فيها «مؤامرة حاكتها أيدٍ أجنبية، لها علاقة بالقوى العالمية التي لم تعد الأوضاع في تونس تحقق أهدافها، بل أصبحت عبئاً ثقيلاً يرهق كاهل التزاماتها الخارجية، وحرجا يربك مشروعاتها الداخلية».
لا شك أن هناك قواسم مشتركة بين تلك التصنيفات، إذ تحمل «الأحداث التونسية» الأخيرة بعضاً من كل واحدة منها. لكن سير أحداث ما جرى في تونس يشير إلى أنه انقلاب أبيض وفر له تردي الأوضاع في تونس كل إغراءات الخروج على السطح، وتضافرت لصالحه كل عوامل النجاح. ربما تكون مثل هذه الظروف مؤقتة، إذ قد تخرج الأمور، كما يحدث عندما يتنامى دور وحضور «العنصر الشعبي»، من سيطرة من خططوا للانقلاب الأبيض هذا، وقاموا بتنفيذه، لكن اتجاه الإحداث وتطوراتها تشير بقوة نحو هذا التشخيص.
استقراء السيناريوهات مسألة في غاية الأهمية، على أن الأهم من رصدها، وتصنيفها، هو التنبؤ بمن هي القوة الأوفر حظاً في قطف الثمار، وتجيير النتائج كي تميل نحو «كفتها»، وتسخيرها لخدمة مصالحها، كقوة سياسية واقتصادية. وللقيام بذلك لابد من الإشارة إلى بعض العوامل التي بوسعها أن تساعد القوة الأوفر حظاً على تحقيق ذلك، مراعين قضية النسبية هنا، التي تنظم العلاقة بين القوى السياسية الفاعلة في الساحة التونسية اليوم، والتي يمكن تلخيص الأهم منها في النقاط التالية:
أول تلك العوامل، هو تحديد مستوى الكفاءة التنظيمية، أو الإدارية التي تتمتع بها تلك القوة، مقارنة بالقوى الأخرى. ولكي نتمكن من القيام بذلك، وعلى نحو صحيح، ينبغي أن نزيل من تفكيرنا، في البداية، سيطرة تلك الصورة النمطية لمفهوم «التنظيمية»، القائمة على العلاقات الهرمية المعهودة في المؤسسات الحزبية.
المقصود هنا شبكة علاقات الولاء والاتفاق، سياسية كانت، أم قبلية، أم فئوية، بل وحتى «المصلحية»، التي توفر التقاطع الضروري الذي يؤمن مد حبل الولاء، ويحول دون بتره بين مختلف القوى ذات المصالح المشتركة، أو التفافه حول أعناقها. هنا ينبغي رؤية تلك التقاطعات الأفقية والعمودية، الواضحة للعيان والمستورة، التي تبني هرم تلك المصالح، وتضمن استمرار بقائها.
ثاني تلك العوامل هو الكفاءة الذاتية، كقوة متفردة، أو مجموعة قوى متحالفة، في إجادة فنون إدارة الصراعات، ومهارات تحريك القوى المتصارعة والمتنافسة فوق ساحاتها، مع ضمان أدنى درجة من التدخل المباشر، وقدرة فائقة في الابتعاد عن تقديم أية تضحيات غير مدروسة، ترهق الذات، وتوفر التفوق للخصم او المنافس، على أن تتمتع تلك الكفاءات والمهارات بالمرونة التي تمدها بالقدرة على التكيف مع مستجدات الأحداث وتطورها، خاصة في الحالات السريعة الإيقاع، كما هي عليه اليوم الأوضاع في تونس.
ثالث تلك العوامل الذي لا ينبغي التقليل من أهمية حضوره، هو الحماية العالمية أو الإقليمية، ففي عالم اليوم، وفي عصر تطور وسائل الاتصالات، وتنامي سيطرة الاحتكارات الإعلامية، يعلمنا فشل الكثير من محاولات التغيير التي عرفتها دول كثيرة من دول العالم الثالث، ضرورة رؤية الحيز الذي احتله العامل الخارجي في حسم الأمور لغير صالح القوى الداخلية المنادية بالتغيير، والمنخرطة في النضال من أجله، وفي إجهاض مشروعاتها بشكل مباشر، أو إفشالها في مراحل لاحقة. فقد كان للتدخلات الخارجية إقليمية، كانت تلك التدخلات أو عالمية دورها، الذي ليس في وسع أحد أن ينكره او أن يتجاهله.
ليس القصد هنا التقليل من أهمية العنصر الداخلي، أو تجاوزه، بقدر ما أردنا الإشارة لهذا العامل الخارجي، من اجل استكمال الصورة، وتحديد أطرها، وجرد العوامل المؤثرة كافة.
أخذنا في الحسبان جميع تلك العوامل، وإذا ما تمعنا في صورة الحدث التونسي، فسوف نكتشف أن أقرب القوى مسافة من ثمرة تلك الأحداث، والأكثر أهلية لقطفها هي إحدى أجنحة القصر الجمهوري، بما يشمل ذلك الحرس الرئاسي، أعضاء في حكومة الرئيس المخلوع، أجهزة الأمن، والقوات المسلحة. فمن غير المستبعد أن تلتقي مصالح أطراف، أو فئات، أو حتى رموز فردية، في كل واحدة من تلك القوى، أو في البعض منها، وتتولى تنقية الجيوب الذاتية المعارضة أولاً، ثم تلتفت بعد ذلك نحو الجسم الأساسي الذي فجر الأوضاع، وكشف القناع عن جوانبها المتردية، وقدم التضحيات في شكل انتفاضات ومسيرات استشهد فيها من استشهد. هذه الفئة الانتهازية المتسلقة، في حال نجاحها، تكون المقصودة بحملها المؤهلات الضرورية التي تمكنها من جني الثمار. ولذا فلا ينبغي أن ينخدع المتابع للمشهد التونسي ببعض الصراعات الثانوية، أو الصدامات الجانبية التي انفجرت بينها، والتي هي ظاهرة متوقعة في وسط أمواج بحر الأحداث التونسية المتلاطم.
باختصار، ينبغي، بعيداً عن عواطفنا تجاه التضحيات التي قدمتها الجماهير التونسية، ودون الوقوع فريسة التحليلات التقليدية، أن نرى قوة احتمال تسلق تلك القوى الانتهازية المتربصة بأي نهوض شعبي، لإجهاضه أولاً، وحماية نفسها ثانياً، وضمان سيطرتها على مقدرات البلاد ثالثاً. فهذه القوى هي اليوم الأكثر تنظيماً، والأغنى خبرة، والأكبر عدداً، والأوثق علاقة مع الأطراف الخارجية، ومن ثم فهي الأكثر أهلية للاستفادة من نتائج هذه الانقلاب الأبيض، رغم ما شابه من عنف وضحايا، في تونس.
قد يكون في هذه الرؤية بعض الإحباط، وقد يشوبها شيء من النزعات التشاؤمية، لكن النهايات التي آلت إليها الكثير من حركات التغيير التي عمت منطقة الشرق الأوسط منذ الخمسينيات في القرن الماضي، كلها تدفعنا نحو مثل هذه القراءة المتأنية، البعيدة عن الانفعال أو الإغراق في التفاؤل، ومن ثم التحذير من مثل هذه النهايات المؤلمة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3059 - الخميس 20 يناير 2011م الموافق 15 صفر 1432هـ
أسفلها أعلاها ... وأعلاها أسفلها
على مسرح قطوف الياسمين،تابعنا أدوار ومشاهد سباقّة بطولية للتونسيين،بعدما استفحل التسلّط الأناني وأساليب الالتواء تلاحقت الاحتكاكات وتكهربت الاصطدامات ومن ثم التمردات المتيقظة عبر الفضاءات عصفت بالزيوف بثورة ترقرق الحلم في العين وفي القلب رجاء الكرامة،فهنيئاً لمن يملك ورد الياسمين ولكي يستمتع بعطرها الفواح وبمنظرها الجذاب تقع عليه مسئولية سقيها والحفاظ على طراوتها وحتى لا تصبح مأدبة خصبة لتحقيق الأطماع والمآرب واستنزاف الوردات/الخيرات.كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض
التاريخ يوضح بأن لكل قاعده شواذ
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83والتاريخ يوضح بأن من بذلوا التضحيات هم كبش فداء وأصحاب العاهات الفكرية يقطفون ثمار غيرهم والأدهى عندما يصبح لأصحاب الشذوذ ورواده وأصحاب الشهوات سطوه ويتحكمون في قرارات تنبع من سلوكياتهم...• معالجة سلوكية ونفسية للـــ ( المثليين ) الشاذين عن الفطرة الطاهرة .
المعرضه لم تهدا
الشراره الاولى بداها هذا المظلوم ولكن نعم نذكر انتفاضه الشعبانيه العراقيه خير دليل على ما تقول حيث سهل ت كل الوسائل لقمعها كلها حسب المصلحه التاريخ يشهد