هناك بيت من الشعر جميل يقول أنتِ السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا.
إن هذا البيت لهو تشبيه جدا جميل، بتشبيه لمن تحب كالسماء في حجمه ولكن يصعب الوصول إليه وذلك لبعد المسافة، هذا أقرب توصيف لبعض الوزارات الخدمية التي يراها المواطن بأنها وجدت من أجل تحقيق أحلامه ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الأحلام عندما يصطدم بواقعها الحقيقي.
كثير من الوزراء في العالم العربي كما في البحرين يسعون إلى خلق الوزارة الفاضلة، وخاصة وزارات الخدمات أو تلك الأكثر تواصلاً مع الجمهور، وذلك بجعل هذه الوزارة خالية من العيوب والشوائب أو الأخطاء والزلل على الأقل في وجهة نظرهم. لذلك تراهم يسعون جاهدين بجهل أو بحسن نية، بالعمل على تحسين أداء وزاراتهم، وذلك بالتستر على هذا الخطأ أو ذاك العيب أو تلك التجاوزات؛ أملاً في خلق وزارة تسمى الوزارة الفاضلة، حتى وإن كان هذا لتستر سينعكس سلبا على حساب الفرد. علما أنه لا توجد هناك وزارة بالمثالية التي يبحثون عنها أو دون أخطاء تذكر كما يتصورون.
والغريب أن هؤلاء الوزراء يجهلون أن المثالية تتمثل في تصحيح الأخطاء ومعالجة العيوب والتصدي للتجاوزات مما يجعل دينامكية الوزارة تعمل حسب ما يستجد من تطورات على الصعيد الخدمي والقانوني، كما أنهم يتجاهلون أن العالم حقيقة متغيرة وبالتالي فإن التصحيح سنة الكون، والإصلاح عملية طبيعية وحضارية لا بد من الدخول فيها من أجل تغيير الواقع الراهن السيئ بوزاراتهم بواقع أفضل أو بواقع جيد إلى واقع أفضل منه، فهو الطريق نحو مستقبل واعد يتم فيه الانفتاح الشفاف الذي يتخلله مواجهة أوجه القصور وحلها، لكي تسوده قيم العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان، وترفع من أداء الخدمات للمواطن.
إن مواجهة الأخطاء حاجة ملحة لا مهرب منها ولا مصلحة في تجاهلها أو تأجيلها، وليعلم بعض الوزراء أن لا وجود للوزارة الفاضلة، فالوزارة الفاضلة هي تشبيه مجازي للمدينة الفاضلة التي لم تكن موجودة أصلا إلا في مخيلة الفيلسوف اليوناني أفلاطون، حيث رأى أن الدولة أو المدينة عبارة عن وحدة حية تتكون من أعضاء والفرد خلية فيها، كما رأى الحاجة الإنسانية هي الدافع إلى الاجتماع المنظم وجعل الأخوة أساس الرابطة بين الأفراد، وغيرها من آراء التي قام بالنهاية بتعديلها في كتابه «القانون»!
لذلك نقول لمعالي الوزير لا وجود لشيء كامل إلا وجه الله سبحانه وتعالي، وما نحن إلا بشر نخطئ ونصيب بحياتنا الاجتماعية وبحياتنا العملية، فتصحيح الأخطاء أحد سمات العمل الجاد، لهذا ليس من الحكمة الحساسية المفرطة من قبل بعض الوزارات تجاه النقد، حيث إنها تنظر لمن يسلط الضوء على أوجه القصور والأخطاء بأنه حاقد وحاسد على قدراتهم الخارقة، وتميزهم غير المحدود ولو وقف المسئول عن هذه الوزارة مع نفسه سيجد نفسه إنساناً بسيطاً غير خارق للعادة، ولا سفيرا فوق العادة، ولكن لأنه يعاني من عقدة نظرية أفلاطون، ربما دون أن يعلم بحلمه بالوزارة الفاضلة.
إن البحث عن الوزارة الفاضلة لدى البعض، يؤدي إلى غظ النظر عن بعض الأخطاء أو التغافل عنها، والتي بالتالي تتحول من سياسة خاطئة متعلقة بالوزارة نفسها إلى سياسة عامة، وهذا ما تم ترسيخه لدى البعض، إذ وصلت القناعة لدى المواطن العادي بأن تجاهل الشكاوى والملاحظات أصبحت سمة من السياسة العامة وهي ليست كذلك، ولكن لسبب نرجسية الوزير وبحثه عن الكمال، رسخ هذا المفهوم الخاطئ بجهالة أو كهروب إلى الوراء.
معالي الوزير؛ نعم نريد أن نكون مميزين كأشخاص وأنت كذلك ولكننا نبقى نحن بشر نعج بالعيوب، والذنوب.
وهناك حقيقة يجب أن نعرفها ونعمل على تحسين صورتنا التي يكفي ما فيها من تشويه غير قابلة للتعديل حتى على يد أمهر جراحي عمليات التجميل، لذلك من الطبيعي نرى البعض يرى النقد جلداً بالعصا الغليظة للذات، إذ يمثل شعوراً سلبياً بشكل خاص في ظروف المنعطفات السياسية التي يصعب فيها تحقيق الأهداف، وهو شعور دفين لدى البعض، إذ يريدون التغلب على أخطائهم وقصورهم ولكن ليس عن طريق المواجهة وإنما بالهروب والتقوقع على الذات وجلدها.
إننا كمواطنين إذا ما ذهبنا بتسليط الضوء على مكامن الخلل والقصور بالنقد البناء، فأننا نهدف إلى معرفة مواطن القوة والضعف وتقويم الذات ومواجهة السلبيات، وإعادة بنائها على أسس سليمة، كما أنها الوسيلة الفعالة وصمام الأمان للتخلص من الأخطاء والممارسات غير المسئولة بهذه الوزارة أو تلك. وهنا نقول أن البداية الجيدة التي بدأها المواطن البحريني بعد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، لا نريدها أن تتراجع بسبب نرجسية أو فكرة بأذهان البعض من الساعين للكمال في مشوار العمل السياسي حتى على حساب الفرد، ولا نريد أن نتعرض لحزمة من الضربات جراء السكوت عن الأخطاء، التي آخرها ما جاء بالتقرير المالي والإداري، إذ بدأ بإصدار لا يتعدى 350 صفحة وانتهى بتقرير مكون من 670 صفحة!، ناهيك عن مشكلة الإسكان والخدمات الطبية.
كما لا نتمنى كمواطنين أن يصح علينا قول الشاعر:
إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه...
ثم قالوا لحفاه يوم ريح اجمعوه...
صعب الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه...
إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه...
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 3050 - الثلثاء 11 يناير 2011م الموافق 06 صفر 1432هـ
صح لسانك يا بو خالد
لعل كلماتك تصل لهم وتكون مدعاة لفتح عقولهم وقلوبهم، إن هذه الوزارة الفاضلة التي لا تخدم المواطن لهي أحرى بالزوال من تلك الوزارة ....التي تخدم الشعب. أبو وجدان
وزراء بلا خدمات
اشكر اخي الخبيب كاتب المقال بو خالد و انا اكتب تعليقي و انا في لندن بمطار هثيروا و قد اعجبني الطرح و التطرق الى موضوع خطير وهو الوزرات التى اصبحت مدينة فاضلة تقدم الارباح للحكومه فوزارة الاسكان لديها فائض و الصحة لديها فائض و التعليم فائض اصبحت موضة جديده تتواكب مع مجلس نيابي فاشل باعضاء اهتموا بالحجر قبل البشر و اصبح مجلس النواب هو شركة اهلية لذلك لا نستغرب من اصحاب المدن الفاضلة للاستمرار في الوجاهة المزيفه و الدليل خسائر تمكين و طيران الخليج و مجلس نيابي
خيال
عشم ابليس في الجنه الوزاره الفاضله
الحلم المستحيل