من دون شك سيكون العام 2011 تاريخاً مدوياً وراسخاً في ذاكرة العرب لأمد بعيد بل للأبد ربما، لأنه يحمل نذر شؤم من جهة ونذر صحوة مفروضة من جهة أخرى.
لقد أفاق العرب في بواكير هذا العام على وقع أحداث جسام وكلها جزء من بعض، وبعضها جزء من كل، فعلى مدى الأقطار العربية تعيش الأنظمة وكذلك الشعوب موسم الهزة القصرية، فكل المنطقة العربية أما مشتعلة أو تتجه نحو الاشتعال، وإذا صح أن نشبهها ببارود كبريتٍ كبير سينفجر حتماً في أية لحظة.
الخيط الأول الذي يربط كل الأحداث المتأججة في العالم العربي أنها لم تأتِ عفوية، وإنما حيكت بنار هادئة وتحت وقع الظلام لسنواتٍ ولربما عقود. وتآزرت في صناعتها قوى كبرى ومخابرات ومؤامرات وخيانات وجهلٍ عربيٍ مركب وصمتٍ مطبقٍ.
هاهو السودان يتجه إلى التقسيم، منذ كنا صغاراً نقرأ في مدارسنا أن السودان هو سلة العرب الغذائية وهو الوطن الأكبر في الجغرافيا على امتداد الخارطة العربية. ولكن ذلك لن يكون بعد الآن، فلم يعد السودان ذاك الوطن الذي كنا نتغنى به، لأنه ماضٍ إلى التقسيم.
أما لبنان، فاستقبل العام الجديد وهو في ذروة التأزيم مجدداً بسبب قضية «مؤامرة المحكمة الدولية»، فبات واضحاً للغاية أن القضية أكبر من دماء الشهيد رفيق الحريري، فللغرب مآرب أخرى غير الهدف النبيل المعلن وهو تحري قتلة رفيق الحريري.ولم يخفِ قادة معسكر 14 آذار حقيقة مرة وهي أنهم لم يعد بمقدورهم التأثير في القضية وأحسبهم صادقين في ذلك تماماً، لأن القضية دخلت حيز التدويل أو بلغة أخرى في خانة المؤامرات الدولية لتفتيت لبنان المفتت وتطويق الخناق على سورية.
وقد كتب على مصر أن تدخل في أزمة جديدة ومخطط للتقسيم العرقي والديني، وما مجزرة كنيسة الإسكندرية سوى ورقة في شجرة الزقوم المرسوم لمصر أن تقترب منها حتى تدخل في نفق مظلم آخر بعد أن أخرجت من معادلة المواجهة منذ كامب ديفيد.؟
واليمن السعيد (كما عهدنا اسمه في مناهجنا ومأثوراتنا الشعبية) لم يعد سعيداً فشماله خاض حرباً مع حكومته وجنوبه يهدد بالانفصال ليلاً ونهاراً وقلبه يعيش انقساماً حاداً بين السلطة والمعارضة، وعلاوة على كل هذه المآسي فهو يعيش في حرب مع التشدد وفي وضع اقتصادي منهك، وسنذكر في المستقبل أن سدوداً أخرى أكبر من مأرب قد انهارت.
أما العراق الذي يمكن أن يكون ثقلاً يعتد به في المعادلة انتهى منذ أمد بعيد، وصار عوضاً عن ذلك مشروعاً ناجحاً لتصدير الطائفية والانقسام والمحاصصة إلى كل المنطقة. وهاهو المغرب العربي الذي كنا نتوسم فيه الجمال والهدوء والوداعة والاستقرار لم يعد كذلك. فعشرات القتلى ومئات الجرحى في تونس والجزائر، فلم يعد الشباب يجدون متنفساً سوى الشارع للتعبير عن الموت الذي يقتلهم في ظل حرمانهم من الفرص والتنمية... وكرة اللهب تتدحرج دون توقف.
اليوم لا يقل الوضع خطورة على العرب عن سايس بيكو، ولا أقل مؤامرة من وعد بلفور. فهاهي القوى الكبرى والطاغية في هذا العالم تجبر السودان على انفصال قصري بمالم يشهده وطنٌ آخر في العالم المعاصر. وصار الغرب لا يخفي تدخله، من هنا لم يتملك رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي السناتور جون جيري نفسه، فصار يطير فرحاً وأمام العدسات صبيحة يوم الاستفتاء المشئوم. ويشاركه في البهجة أيضاً الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر الذي حرص أن يجوب شوارع جوبا في هذا اليوم الأسود ليس على السودان فحسب بل على المنطقة العربية كلها، من أقصاها إلى أقصاها.
وليس المقصود أن نلوم الجنوبيين على الانفصال، لسببين وجيهين: السبب الأول أنهم - كما نحن العرب- من ضحايا أنظمتنا الغارقة في الدكتاتورية والإقصاء والتهميش وسوء توزيع الثروة، والسبب الآخر الوجيه أن الانفصال مشروع دولي كبير أكبر بكثير من كونه حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان.
إن ما جرى وما يجري وما يخطط له أن يجري كله لسببٍ واحد وهو هزالة النظام العربي الحالي، وهو نظام قد ورثناه من منتصف القرن العشرين، ويبدو أنه يتجه نحو العد العكسي. ولكن المؤسف له حقاً: سترحل بعض الأنظمة العربية وقد تركت وراءها بلداناً ممزقة جغرافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وطائفياً وعرقياً وطبقياً. ولم يبقى من كيان النظام السياسي العربي شيئاً يذكر، اللهم إلا عمرو موسى الذي يسعى من مقصدٍ حسنٍ أن يستر الجزء الضئيل الذي يمكن عدم كشفه من عورات أمتنا.
ما يحل على السودان زلزال كبير لا يمكن لمقياس ريختر أن يقيسه، بل لا يمكن أن تستوعبه كل موازين العقل. ولكن المؤكد أيضاً أن هذا الزلزال الكبير لن يكون الأخير، فالمنطقة موعودة بالكثير من الزلازل على أكثر من مستوى وفي أكثر من موقع، فالهزائم والنكبات والنكسات العربية تتوالى، ولعله من الأجدر أن نبدأ في إقامة مأتم عربي كبير بدل ما كنا نطلق عليه حتى وقتٍ قريب « الوطن العربي الكبير».
بملء الثقة يمكن أن ندعي بأن ليس من أحدٍ في هذه المنطقة - سوى إسرائيل قطعاً - معفياً من المخطط القائم والقادم. وما جرى في العراق واليمن والسودان ولبنان مرشحٌ بقوة للتكرار في بقاع العرب الأخرى ما دامت الأنظمة تعيش في سبات عميق هذا إذا أحسنا الظن بها وأعفيناها من شبهة التواطؤ.
من حق إسرائيل اليوم بل من واجبها أن تقيم الاحتفالات، ولو كنت مكان «شمعون بيرز» أو بنيامين نتنياهو لقررت منح مواطني الدولة العبرية إجازة رسمية للابتهاج بما يكفي لنهاية ما كان يسمى «المنطقة العربية»، بينما تنشغل «جمهوريات التوارث» بتسليم الذخيرة إلى الأبناء أو بصفقات التسلح لمواجهة الداخل لا الخارج بناء على البوصلة العربية التي ضيعت مسارها منذ أمد ليس بالقصير.
وإذا أردنا أن نقارب الجرح أكثر سنتلو آيات الرثاء: ننعى إلى الأمة رحيل العالم العربي من المحيط إلى الخليج!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 3049 - الإثنين 10 يناير 2011م الموافق 05 صفر 1432هـ
متى الخلاص؟
الحالة المزرية للوطن العربي ليست مفاجئة لأحد في شرق الأرض أو غربها اللهم الا حكام الأنظمة العربية(هذا إذا أحسوا بالمفاجأة),لأنهم يعيشون في عوالمهم الخاصة فاقدين للوعي لايعلمون بما يجري حتى تحت أقدامهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم,لاهين في عبثهم بمقدرات الشعوب المقهورة منتشين بما يسفكون من دماء الأبرياء وبما يفسدونه في الأرض,متباهين بما تسطره لهم أقلام المنافقين المتنفعين من آيات التمجيد الوهمي والعظمة الفقاعية, وبما يحيطون به أنفسهم من هالات مزيفة مختلفة الأشكال يتلهون بها كما يتلهى الأطفال بلعبهم.
جعل الله كيدهم في نحورهم لكل حاقد ولكل متسلط تسبب في شردمة العرب منهم ومنا
باي باي عرب عنوان التمثيلية الكويتية وفي غضون العشر سنوات سيقطعون اوصال العالم العربي ليس بحروب صليبية كما حدث في افغانستان والعراق كما قال كبيرهم بوش بانه ممثل الله في هذه الحرب المختارة فلقد غاصوا في المستنقعين الافغاني والعراقي ولكن سيحدث التمزيق عن طريق اثارة النعرات الطائفية التي قامت بها بعض الدول العربية لزرع الشقاق وسيدفعون الثمن لاحقا وسترى اخي الكاتب واقول هناك متسع من الوقت لحماية العالم العربي وهي تفعيل المواطنة والعدالة الاجتماعية المفتقدة في اكثر دولنا؟؟ بعد السودان الدائرة على مصر
ابدعت في المقال
هذه حقيقة الانظمة العربية والتأمر الواضح على الامة والشعوب ؟
ان من يحكم العالم العربي امريكا والدول المستكبرة
تعبير جميل
تعبير جميل ومقال واقعي وفقت في طرحه أستاذ حيدر ..
الأمية
هل تعرف لماذا نسبة الأمية في الدول العربية من أعلى النسب .. إذا رجعت الى لب الموضوع لعلمت ان ملايين الأميين موجوديين في جنوب السودان .. العاطفة تقول "لا" لتقسيم السودان لكن الفساد و الفساد سيؤدي الى مشاكل و تقسيمات أكثر .. سؤال هل ستنضم جمهورية جنوب السودان الى جامعة الدول العربية؟؟
رائع
مقال رائع من صميم الواقع