أشادت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الإلكسو» من مقرها بتونس «بالجهود التي بذلتها الدول العربية خلال العام 2010 في مجال مكافحة الأمية». وتعهدت المنظمة كما ورد في بيانها الصادر، بمناسبة إحياء اليوم العربي لمحو الأمية، السبت الموافق 8 يناير/ كانون الثاني بمواصلة «عمليات التنسيق مع الدول الأعضاء للتقدم في إنجاز أهداف خطة تطوير التعليم في الوطن العربي، ذلك من خلال تعزيز برامج تعليم الكبار، والعمل على إنجاح مسيرة التعليم الإلزامي في كل الوطن العربي من خلال استيعاب جميع الأطفال في سن التعليم، والسعي إلى تعميم تعليم الفتاة الريفية لكونها الأكثر عرضة للحرمان من المدرسة».
أول ما يثيره مثل هذا البيان «التفاخري، دون أي مبرر سوى تبرئة الذمة»، هو ما الذي يدعو المنظمة للإشادة بالجهود العربية في مكافحة الأمية، في حين تشير كل النتائج، كما سوف ندلل على ذلك بالأرقام التي سنوردها لاحقاً في هذه المقالة، على استمرار ارتفاع نسب وأرقام الأمية في صفوف المواطنين العرب، وبنسب تصل إلى ضعف النسبة العالمية، وأرقام تقترب من مئات الملايين. والمقارنة هنا تشمل الدول الإفريقية والآسيوية، بما فيها تلك المصنفة عالمياً في فئة الدول الفقيرة.
أما الأمر الثاني، فهو، وكما يبدو من البيان، فإن المنظمة لاتزال مصرة على أسر نفسها، ومعها المواطن العربي، في التعريف التقليدي القديم لمفهوم محو الأمية، الذي أصبح يعرف اليوم بالأمية الأبجدية، فلم يعد العالم المتحضر اليوم يحصر الأمية في «عدم القدرة على القراءة والكتابة»، بل تجاوزها كي يصنف الأمية في فئتين كما يعرفهما عبدالرحمن تيشوري، على موقع الحوار المتمدن، الذي يعتبر الأمية الأبجدية هي «عدم معرفة القراءة والكتابة والإلمام بمبادئ الحساب الأساسية ويعرف الإنسان الأمي بأنه كل فرد بلغ الثانية عشرة من عمره ولا يلم إلماماً كاملا بمبادئ القراءة والكتابة والحساب بلغة ما، ولم يكن منتسبا إلى مدرسة أو مؤسسة تربوية وتعليمية»، بينما الأمية الحضارية كما يراها تيشوري، أيضا، هي «عدم مقدرة الاشخاص المتعلمين على مواكبة معطيات العصر العلمية والتكنولوجية والفكرية والثقافية والفلسفية الايديولوجية والتفاعل معها بعقلية دينامية قادرة على فهم المتغيرات الجديدة وتوظيفها بشكل ابداعي فعال يحقق الانسجام والتلاؤم ما بين ذواتهم والعصر الذي ينتسبون إليه مؤمنين في ذات الوقت بمجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات الفكرية والممارسات السلوكية والمبادئ والمثل الاستاتيكية الجامدة التي تتعارض وطبيعة الحياة المتجددة على الدوام».
ويشخص باحث أكاديمي مثل علي الزكي العديد من مظاهر الأمية الحضارية الصارخة مثل التجاوز على حقوق الآخرين في اللانظام دون احترام شيء اسمه الطابور، والإعلام الكاذب الذي لا يهمه سوى ايهام الناس، وضعف التضامن الاجتماعي».
في كل الأحوال يصعب فهم، ومن ثم تفسير موقف الالكسو التفاخري بما حققه العرب في محاربة الأمية، وهي التي حذرت في بيانها الصادر قبل فترة قصيرة لا تتجاوز السنوات الخمس، الدول العربية دون استثناء من «أن الإحصاءات تشير إلى ارتفاع مخيف لعدد الأميين العرب من 50 مليوناً العام 1990 إلى 70 مليونا العام 2005، (وأكدت فيه)، أن هذه النسبة الحالية تساوي ضعف نسبة الامية على الصعيد العالمي، وأنها تمس الشريحة العمرية من 15 سنة فما فوق».
الأمر المهم في تحذير الالكسو ذلك هو إشارتها الواضحة إلى أن الجهود العربية الحالية في مجال محو الأمية، «لاتزال تنصب في أغلبيتها على الجانب الابجدي»، مؤكدة أن الحكومات العربية عموما تكتفي بـ «محاربة الجهل عبر التركيز على أساسيات القراءة والكتابة وبعض عمليات الحساب، دون الاهتمام بمحو الأمية الوظيفي والثقافي والحضاري ورفع الكفاءة المهنية لمواطنيها».
ولا تستطيع الالكسو مهما حاولت، ولا غيرها، بما فيها أجهزة الإعلام، ووزارات التربية العربية، مهما حاولت، تحسين صورة واقع الأمية القبيح في البلاد العربية، فوفقا لتقرير دولي نشرته منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في منتصف العام 2009، «يصل عدد الاميين في الدول العربية الى نحو 70 مليونا بين من بلغوا سن الرشد، وان ثلثي هذا الرقم من النساء في الوقت الذي يصل فيه مجموع السكان في هذه الدول الى 320 مليون نسمة، وأن نحو 40 في المئة من الاشخاص الذين تجاوزوا الـ 15 اميون مما يعني ان عددهم يصل الى 70 مليون نسمة، وان ثلثي الاميين من النساء، وان حوالي ستة ملايين طفل في سن الدراسة، بينهم 60 في المئة من الفتيات، لم يلتحقن بالتعليم».
وربما نجد في تقارير محو الأمية، ما يكشف، دون أن تقصد المنظمة ذلك، أن الغبن الواقع على المرأة، هو مضاعف في كل الأحوال، حتى عندما يتعلق الأمر بأبسط تلك الحقوق مثل الحق في التعليم، والذي لا يمكن ان يثير أية خلافات ذات طابع حضاري أو عقائدي. وتؤكد هذه الحقيقة «ملخصات الأبحاث والدراسات العلمية المنشورة في أوعية نشر عربية ودولية» التي جمعها الباحث التربوي بكلية التربية في جامعة الملك سعود، عبدالعزيز بن عبدالله بن سعد السنبل، حيث يعتبر أحد تلك البحوث «التفاوت الشديد بين الجنسين في القرائية (مظهر من مظاهر الأمية) هو الظاهرة الأقوى سطوعاً في الدول العربية بالمقارنة مع سائر المناطق في العالم».
وإذا وضعنا الأرقام المجردة جانبا واستعنا بأرقام المقارنة، فسوف نجد أنه خلال الفترة بين 1970 – 2000، تطورت معدلات الأمية في البدان العربية من 70 % إلى 38.8 %، في حين كان تطورها في الدول النامية خلال الفترة ذاتها من 51 % إلى 26.3 % ، وفي الدول المتقدمة من 5.7 % إلى 1.1 % ، والمعدل العالمي من 37 % إلى 20 %. هذا يعني أن معدلات الأمية في الدول العربية ليست فقط أعلى من الدول المتقدمة، أو المعدل العالمي، لكنها أيضا أعلى من تلك التي في الدول النامية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3048 - الأحد 09 يناير 2011م الموافق 04 صفر 1432هـ